عيدي أمين القوقاز؟
أسود ونمور حية تندرج في نطاق الحيوانات المنزلية التي يملكها رمضان قاديروف، كما أن قوة الأمن الخاضعة له تنشر في نفوس السكان مشاعر الخوف والهلع. فخطف الأفراد وتعريضهم للتعذيب بل حتى للقتل هي من الأمور الاعتيادية التي تقع يوما بعد يوم.
لهذا فإن سجلات المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان سواء الأمريكية أو الروسية حافلة بتقارير مروعة حول ما طرأ على حياة الناس من تنكيل وتدمير. ويقال إن رمضان قاديروف كثيرا ما أمر شخصيا باتخاذ إجراءات التعذيب كما أنه يحضر وقائعها بنفسه أحيانا.
هذه الوقائع تحدث في جمهورية الشيشان الواقعة في منطقة القوقاز. ومنذ مارس/آذار 2006 يحكم هذه الجمهورية رمضان قاديروف الذي نشأ وترعرع في ظل جو من الإفراط في العنف خيم على البلاد طيلة الحرب الأهلية التي استغرقت 10 أعوام.
طرق ناجعة لجمع الأموال
في كل ركن من أركان طرق مدينة غروسني التي دمرتها ويلات الحرب يرى المرء صورا ولافتات تحمل وجه الرئيس المشع شبابا وسطوة والملتحي بلحية حمراء. أما قنوات التلفزيون المحلية فإنها تتغنى على نحو متواصل بالقائد الجديد "المفعم بالحيوية والنشاط".
من المشاهد التي يعرضها التلفزيون على سبيل المثال صور رمضان قاديروف وهو يرقص بمناسبة إعادة افتتاح مطار غروسني إحدى رقصات الشيشان الشعبية. أما عن خلفية جمع المبالغ اللازمة لإعادة بناء المطار فإن قاديروف لا يشعر بأدنى خجل حيال الإعراب عن ذلك. فقد قال الرئيس الشيشاني في لقاء له مع "إذاعة أوروبا الحرة" بكل بساطة "تسألني عن كيفية تحصيل المبالغ اللازمة؟ إننا نتحدث مع الأشخاص المقتدرين ماليا ونسألهم مساعدتنا في إعادة البناء". لكنه من المؤكد أن لا أحدا ممن طرح عليهم مثل هذا السؤال بمقدوره أن يرفض طلبا مقدم من قاديروف الابن.
في نفس الوقت يسعى هذا الرجل بكل ما في وسعه لإكساب نفسه سمعة أطيب مما هو عليها. فهو على سبيل المثال يدعو المصارع الأمريكي مايك تيسين إلى عاصمة الشيشان غروسني وينظم مباريات مشتركة لألعاب المصارعة الرياضية كما يدعو الصحافة الدولية إلى إجراء لقاءات معه يحلو له أثناءها استخدام عبارات رنانة مثل "من الصفات اللازمة للزعيم المقدرة على إثارة أحاسيس الخوف لدى الناس".
حماية الكرملين
يبلغ قاديروف 30 عاما من العمر وله هواية ممارسة رياضة المصارعة. كافح في بداية الأمر بجانب والده أحمد قاديروف ضد قوات الاتحاد الروسي في حرب الشيشان الأولى. أما اليوم فهو في أفضل الطريق لأن يصبح "عيدي أمين القوقاز" مع الفارق في هذه المرة بكونه يقوم بذلك تحت رعاية الكريملين وحمايته.
فقد نجحت روسيا في ظل نظام الرئيس بوتين في تحويل الحرب الدموية الدائرة في مناطقها الجنوبية إلى حرب مشتعلة داخل الشيشان نفسها بحيث أصبحت عصابات تلك المناطق وكبرى عائلاتها تتعارك فيما بينها، علما بأن حرب الشيشان قد أسبغت على هذه المجموعات قدرا كبيرا من الوحشية المروعة.
يبدو في هذا السياق أن لا أحدا من أصحاب السلطة والنفوذ في موسكو تسوده ذرة من الاستياء حيال عزم رجل الشيشان القوي الجديد المفعم بالحماس على تطبيق تعاليم الشريعة الإسلامية في جمهوريته.
الأكثر من ذلك أن السلطة الاتحادية تسمح له من باب التكتيك بالتهجم عليها الأمر الذي يكسبه شعبية في بلاده. فرمضان قاديروف يقول من وحي التباهي والاعتداد بنفسه إنه وحده لا غير الذي جمع المبالغ الضرورية لإعادة الإعمار ليهاجم من بعد السلطة الفيدرالية في موسكو بتهمة أنها تسلب الشيشان نفطها.
شبكات الرشوة
كثيرا ما وضعت موسكو برامج لإعادة بناء الشيشان التي دمرتها ويلات الحرب متضمنة عديد المليارات من أجل تحقيق هذا الهدف، إلا أن هذه المبالغ تختفي أغلبها في شبكات الرشوة التي لا يعرف أحد أولها من آخرها.
توجد في الشيشان حقول للنفط كما أن أنابيب هامة للنفط تخترق هذه الجمهورية في طريقها من باكو إلى موسكو. وقد بسط الرئيس الشاب قاديروف نفوذه على ثروات البلاد هذه معتمدا في ذلك على عصابات تخضع له تماما وتتعرض للناس بالضرب والبطش. وكما هو الحال لدى الطغيان على وجه عام فإن قاديروف يتسم بمقدار كبير من كرم العطاء والتبرع فالبعض ينالون منه بين الحين والآخر مبالغ وفيرة.
باستطاعة رمضان قاديروف أن يفعل في الشيشان كل ما يشاء طالما التزم بالطاعة والولاء للرئيس الروسي بوتين، وهذا ما يفعله في حقيقة الأمر. وكانت الصحافية الروسية انا بوليتكوفسكايا التي لقيت مصرعها قتلا في أكتوبر/تشرين الأول 2006 قد صنفت رمضان قاديروف على أنه من أكثر أمراء الحرب في الشيشان وحشية.
وعندما تمت تصفية هذه الصحافية الروسية جسديا وجهت أصابع الاتهام إلى قاديروف كأحد الأطراف المحتمل أن تكون وراء جريمة القتل هذه. لكن قاديروف رفض هذه التهمة باستياء زاعما بأنه لا يقتل نساء ليضيف بعد ذلك بسخرية بأنه كان من الأفضل على تلك الصحافية المرموقة أن تلزم بيتها وتنهمك في الأعمال المنزلية.
حرب الشيشان والإسلام
تقلد والده أحمد قاديروف في السابق منصب مفتي البلاد، وبهذه الصفة كان قد سبق له أن أعلن بأن النضال ضد القوات الروسية من أجل نيل الاستقلال يشكل حربا مقدسة. غيّر أحمد قاديروف ومعه ابنه رمضان جبهة القتال في حرب الشيشان الثانية حيث أصبح منذ ذلك الحين يدعم قوات الاتحاد الروسي.
بدأت الحرب الثانية بالتوغل في داغستان على يد جميل باسييف الذي عرف بقدر كبير من الدناءة وتردي السمعة. وقد زعم كتفسير للأسباب التي دفعت عائلة قاديروف إلى تغيير جبهة القتال بأن الأمر يعود إلى زيادة نفوذ ما سميت بالتيارات الوهابية في غضون حرب التحرير الشيشانية.
لا شك أن الحرب الأهلية الدموية التي اندلعت في الشيشان ضد الجيش الروسي كان لها وقع الجذب المغناطيسي على الكثيرين من المغامرين العرب، وكان أشهرهم رجل ممتد الشعر يسمى "خطاب" قاتل في المعارك بجانب جميل باسييف.
مع مجيء كتائب مسلحة أغلبها من الدول العربية وفدت إلى الشيشان كذلك أموال طائلة كان مصدرها أوقافا مشكوكا بأمرها. بالتالي انبثقت عن تلك الأحداث الواقعة في الشيشان شبكة متداخلة من معسكرات التدريب للمقاتلين المتطرفين.
هنا وجد المفتي قاديروف بأنه كاد أن يفقد نفوذه مما دعاه إلى تغيير جبهة القتال. وما زال ابنه يقذف في "الشياطين الوهابيين الذين شاءوا أن يحولوا أرض الشيشان إلى بلاد للعرب والأفغان". هذا ولم يتلق الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف علوم الدين على عكس الحال لدى والده.
مقتل قاديروف الأب
ولأن الرئيس بوتين كان مدينا بالشكر للمفتي أحمد قاديروف فقد عينه زعيما لهذه الجمهورية الواقعة في القوقاز ثم نصبه رئيسا عليها بعد إجراء انتخابات افتقدت إلى النزاهة والمصداقية.
لم يدم عهد الوالد طويلا، ففي التاسع من شهر مايو/أيار 2004 انفجرت أثناء الاحتفال الذي جرى في الملعب الرئيسي لعاصمة الشيشان بمناسبة ذكرى النصر في الحرب العالمية الثانية قنبلة في المنصة الفخرية أودت بحياة أحمد قاديروف الحاكم بإمرة الكريملين فيما كان يستعرض قوات من الحرس الوطني.
كان ابنه رمضان قد استغل عهد أبيه القصير زمنيا لكي يقوم بمساعدة مليشيات قاديروف التي اتسمت بالدناءة وتردي السمعة إلى "تطهير" جهاز الحكم من الخصوم والمنافسين المحتملين من خلال اللجوء إلى شتى أشكال الخطف والقتل والتعذيب، ثم تولى بعد ذلك خلافة أبيه بعد مصرعه. لكنه لم يستطع حينذاك تولي رئاسة الدولة بحكم أنه كان ما يزال صغيرا في السن.
نصبت موسكو شخصا آخر مواليا لها هو علو ألخانوف لمنصب رئيس الشيشان ليصبح ولو من الناحية محض الشكلية منافسا للشاب رمضان قاديروف. لكنه سرعان ما اتضح في موعد أقصاه صيف عام 2006 مدى ضعف شخصية الرئيس الجديد الذي اختفى معاونوه وحراسه خطفا أو لقوا مصرعهم قتلا.
هذا وتشير الأدلة على أن رمضان قاديروف الطامح في الوصول إلى سدة الحكم كان له باع كبير في ذلك الشأن. وبعد أن بلغ قاديروف سن الثلاثين أجبر الرئيس الانتقالي علو ألخانوف المفتقد للشعبية لدى السكان على التنحي عن منصبه قبل انتهاء مدة حكمه الرسمية، وكان ذلك قد تم بمباركة من قبل بوتين. بعد ذلك قام برلمان الشيشان الذي لا يعد كونه دمية في أصابع موسكو بانتخاب قاديروف رئيسا للبلاد.
ردود فعل أوربية
على عكس الحال إزاء الوقائع الجارية في العراق فإن أجهزة الإعلام لا تتناقل أحداث التنكيل والقتل الواقعة في الشيشان أيضا. ويبدو أن هناك ولو إلى حد ما إحساسا بالارتياح في العواصم الأوروبية بكون المشكلة الشيشانية قد تم تسويتها ولو ظاهريا. فكثيرا ما شددت تلك العواصم على أن "الحرب قد ولت الأدبار" في الشيشان.
لكن أعمال العنف والتنكيل ما زالت قائمة هناك على قدم وساق. هذا وتدل المؤشرات على أن الفترة الزمنية القريبة المقبلة سوف توضح عما إذا كان رمضان قاديروف سيشعر بأنه قد بات قويا إلى حد يجعله يدخل مجددا في باب المواجهة مع موسكو أو أن يلقى مصرعه قتلا كحال مصير أبيه.
بقلم ماركوس بينسمان
ترجمة عارف حجاج
حقوق الطبع قنطرة 2007
ماركوس بينسمان صحفي ألماني مقيم في باكو/أذربيجان
قنطرة
ما دور الدين في هذا النزاع؟
الأحداث في بيسلان (شمال أوسيتسيا، الاتحاد الروسي) والحرب المستمرة في الشيشان تجعل منطقة القوقاز في محور الاهتمام. ولكن ما يبدو كما لو كان نزاعا دينيا لا يعود في حقيقة الأمر لأسباب دينية بل إقليمية. تحليل غسان غوزينوف
تاريخ عريق وتهميش اجتماعي
كثيرًا ما تم في السنوات الأخيرة تناول مشكلة الطوائف المسلمة في روسيا من منظور الحرب الشيشانية والعمليات الإرهابية، التي تمخّضت عن هذه الحرب. بيد أَنّ المسلمين في روسيا يتَّسمون بتنوِّع كبير على مختلف المستويات، يعكس تاريخ انتشار الإسلام في روسيا وعلاقة السلطة الروسية بالبلاد الإسلامية المجاورة. تقرير شيرين هانتر