"هناك مسؤولية أوروبية تجاه إفريقيا"

مر حوالي أحد عشر شهرا على توقيع إتفاقية السلام في السودان ولا يرى هوبر أية مؤشرات على تحسن الوضع في دارفور ولهذا يطالب برلين بممارسة المزيد من الضغوطات الدولية ودعم مبادرة السلام .تقرير سابينه ريبرغر

الصورة: هوبر، المصدر: تلفزيون دويتشه فيلله
"نناشد الحكومة الألمانية أن توجه عنايتها إلى السودان على مستوى السياسة التنموية والسياسة الخارجية."

​​مر حوالي أحد عشر شهرا على توقيع إتفاقية السلام بين شمال وجنوب السودان، ولا يرى فولفغانغ هوبر أية مؤشرات على تحسن الوضع خاصة في محافظة دارفور جنوب السودان، ولهذا يطالب الأسقف - بعد رحلة قام بها إلى السودان استغرقت أسبوع - برلين بممارسة المزيد من الضغوطات الدولية ودعم مبادرة السلام هناك.تقرير سابينه ريبرغر

قام ممثلو الحكومة في الخرطوم وجيش الحركة الشعبية في جنوب السودان في يناير / كانون الثاني هذا العام بالإتفاق رسمياً على إنهاء الحرب الأهلية التي دامت عشرين عاما. وتهدف الإتفاقية إلى إقامة حكومة موحدة لكل السودان وأيضا حكومة إقليمية في الجنوب.

وعلى الرغم من أن الصراع في دارفور لم يكن إحدى الموضوعات التي شملتها المفاوضات، فإن رئيس الكنيسة البروتستانتية في ألمانيا الأسقف فولفغانغ هوبر يرى أن المنطقة - التي تعادل فرنسا في مساحتها، والتي شرد منها منذ عام 2003 حوالي مليونين وقتل قرابة 180.000 نسمة - لا يمكن استبعادها من المفاوضات.

يقول هوبر: "إنه لمن الضروري ومن الشرعي أن نهتم بالأوضاع المحزنة والمثيرة للقلق في دارفور، وأن نطرحها للنقاش العلني ونحث على اتخاذ إجراءات تؤدي إلى إنهاء الحرب الأهلية في دافور".

ويرى هوبر أن دوافع الصراع بين الشمال ذات الغالبية المسلمة والجنوب ذات الغالبية المسيحية لا تمت بالكثير إلى خلافات ذات طابع ديني، وإنما أثارتها نخبة من الخرطوم تريد أن تستحوذ على ثروة البلد لنفسها، أضف إلى ذلك وجود عوامل عرقية أيضا.

وقد دعا رئيس الكنيسة البروتستانتية في ألمانيا أطراف النزاع إلى إنهاء الصراع في دارفور، وقال إن نجاح عملية السلام ليست فقط الفيصل في أوضاع الجنوب وإنما تعد أيضا فيصلا حاسما لمستقبل البلد.
وقد قام هوبر مع وفد من تسعة أشخاص برحلة عبر السودان وزار خلالها مشروعات للإغاثة وكنائس هناك واتطلع بنفسه على الوضع في البلد، حيث يقول:

"لقد حاولنا قدر الإمكان أن نأخذ إنطباعا عن ظروف الحياة في السودان، وعلى وجه الخصوص الظروف الخاصة بـ"المشردين داخليا"، وهم أولئك الذين شردوا من أوطانهم بسبب الحرب الأهلية ويعيشون مخيمات تحت ظروف قاسية للغاية وفي فقر مدقع ونقص في الغذاء والمياه والرعاية الطبية. إننا شاهدنا هذا الوضع في كل من ضواحي الخرطوم وجوبا عاصمة الجنوب السوداني".

حرية الأديان ليست مكفولة في كل مكان

وقال هوبر أن إعادة اللاجئين إلى أوطانهم يعد من أهم الواجبات، فعلى الرغم من عدم وجود إحصائيات سليمة، إلا أن التقديرات تفيد بوجود حوالي أربعة مليون لاجئ جراء الحرب الأهلية، أضف إلى ذلك مليوني لاجئ نتيجة الحرب في دارفور. وهذا يشكل 15% من تعداد السكان على وجه التقريب، سواء لجؤوا إلى بلاد مجاورة أو اضطروا داخل السودان إلى ترك أماكن إقامتهم.

وقال هوبر أن هناك أعداد كبيرة من اللاجئين مثل التي عايشتها ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية. ومن أهم المسائل التي ركز عليها رئيس الكنيسة البروتستانتية أثناء رحلته هي حقوق الإنسان وحرية ممارسة الأديان، ويعبر عن ذلك قائلا:

"إننا نرى انتهاكات حقوق الإنسان التي نتجت عن مواقف الحرب الأهلية، وتبقى حرية ممارسة الأديان مسألة جوهرية. والسودان منقسم في التركيبة الدستورية إلى منطقة تطبق فيها الشريعة الإسلامية – ومن ضمنها العاصمة الخرطوم ذات الوضع الخاص الذي لم يحدد بعد – والمنطقة الجنوبية التي يقطنها عدد كبير من المسيحيين ولا تسري فيها الشريعة الإسلامية. ونحن على يقين أن الحرية الدينية مكفولة في الجنوب أكثر مما هي عليه في الشمال".
وعلى كل الأحوال فقد تأكد هوبر أن المسيحيين في شمال السودان لا يتمتعون بنفس الحقوق على الرغم من أن إتفاقية السلام تنص على المساواة بينهم وبين غيرهم. كما أن هناك تقارير تقول بأن هناك نساء تم سجنهن حسب الشريعة الإسلامية وكنائس أُشعلت فيها النيران.

على الكنائس أن تساهم مساهمة بنّاءة

ويأمل هوبر في أن تقوم الكنائس بدور في عملية التصالح، لأنهم كانوا طيلة الوقت طرفا في الصراع، ولهذا فإنه ينبغي عليهم أن يساهموا مساهمة بنّاءة في عملية التغيير، ويعبر عن ذلك بقوله:

"إن الكنائس تحتاج في ذلك إلى وسائلها الخاصة، وعلى "مجلس الكنائس في السودان" أن يقوم بتنظيم نفسه من جديد، ويتوجب على الكنائس في ألمانيا أن تساعده في ذلك، لأنه ليس هناك حل إلا عملية السلام. ولا سبيل أما الكنائس إلا أن تشارك بفاعلية في عملية السلام وخاصة في مساعدة المحتاجين وفي بناء "المجتمع المدني"، وأن تساهم في تفادي العنف في الصراعات السياسية".

وعلى كل من المؤسسة البروتستانتية لخدمات التنموية والمؤسسة الكنيسية "الخبز للعالم" أن تساهم في تقديم المساعدة إلى السودان. وحسبما يقول رئيس الكنيسة البروتستانتية في ألمانيا الأسقف هوبر فإن المجموعة الدولية اتفقت فيما بينها في أوسلو على تقديم دعم كبير لعملية السلام في السودان. وما على المرء في السودان إلا أن ينتظر تطبيق تلك التعهدات.

ومن هذا المنطلق توجه هوبر برجاء إلى الحكومة الألمانية: "إننا نناشد الحكومة الألمانية الجديدة أن توجه عنايتها إلى السودان على مستوى السياسة التنموية والسياسة الخارجية. ومن هذا المنطلق أعبر عن سعادتي بتصريح الوزيرة فيشوريك زويل أن الحكومة الألمانية سوف تبدأ مرة ثانية في العمل التنموي في جنوب السودان بدفع عشرة ملايين يورو للصندوق الدولي، وقيدت ذلك بقولها "لن يكون هناك تعاون مع شمال البلاد إلا إذا انتهى القتل في دارفور".

إن هوبر على قناعة أن هناك مسؤولية أوروبية خاصة تجاه القارة الإفريقية، وعلى الأوروبيين أن يساهموا في أن صنع مستقبل للقارة الافريقية.

بقلم سابينه ريبرغر، دويتشه فيلله 2005
ترجمة عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع دويتشه فيلله

قنطرة

السودان بين الحرب والسياسة
يتساءل فريد هاليداي من معهد الدراسات الاقتصادية في لندن حول مستقبل الحكومة الإسلامية في السودان بعد توقيع اتفاق السلام بين الأطراف المتنازعة. هل سيتوقف القتال في دارفور في ظل الضغط العالمي القائم من قبل محكمة الجنايات الدولية؟ هل من الواقعي التفكير بحل سياسي بعيدا عن تغير ثوري؟

اتفاق تاريخي وفرحة ناقصة
شهدت العاصمة الكينية نيروبي حدثاً تاريخيا. فبحضور رؤساء أفارقة سابقين، يتقدمهم نيلسون مانديلا، ووزير الخارجية الأمريكي، وقع نائب الرئيس السوداني وزعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان، على اتفاق السلام النهائي الذي أنهى أطول حرب أهلية شهدتها القارة السمراء. فهل تجلب هذه الاتفاقية السلام إلى السودان أم تلقى مصير سابقاتها وتبقى حبراً على ورق؟ تعليق أحمد حسو