صمت البطل.... صخب السلطة

تدور رواية "الصمت والصخب" للكاتب السوري نهاد سيريس حول الحياة في بلد عربي يحكمها ديكتاتور، حيث تحكي كل صغيرة وكبيرة من الحماقات والإهانات التي يوجهها النظام للناس. كيرستين كنيب يعرفنا بهذا العمل الروائي.

يرى المرء من حبكة رواية "الصمت والصخب" أن المؤلف كاتب سيناريو أيضا. وبطل الرواية هو أحد الكتّاب المعروفين، فتحي شين، الذي مُنع من الكتابة والنشر لمدة خمس سنوات. وهو يُعتبر بالنسبة للرفاق الموالين للنظام "خائن حقير" لأنه رفض إجراء مسابقة في برنامجه التلفزيوني عن "الزعيم الكبير"، مما أدى إلى إقصائه من منصبه بكل سهولة. كاد منعه من الكتابة يودي بحياته لولا وجود أمه الأرملة التي ساعدته ماديا، وصديقته لمى، المرأة الجميلة الذكية الواثقة بنفسها التي سهّلت عليه العودة للحياة العادية.

"ممارسة الجنس تعد أيضا لغة تخاطب"

لقد تملّكت الإثارة الجنسية من فتحي شين، الشاعر العنيد، لدرجة أنه أصبح يقدّر الأحاسيس الجسدية الجميلة مثلما يقدّر الكتابة. ولحسن الحظ أنه وفّر على القارئ تلك الأوصاف الصريحة التي يعتبر ذكرها محرم مثل ممارسة الجنس بصفة عامة.

على المرء أن يهتم بالحب ويرعاه، ولا ينبغي عليه أن يبدأ على التوّ بالكتابة عنه، ومهما كانت الظروف لا يكتب بالتفصيل المحرج. ويكفي للمرء أن يذكر مغزى الحب بصفة عامة وباختصار. ويقول شين في احدى الفقرات: "أصبح الضحك والجنس سلاحنا الذي نقوى به على الحياة"، ويتابع قائلا: "كانت الكتابة سابقا أهم دوافع مواصلة العمل، ولكن بعد أن فُرض عليّ السكوت اكتشفنا أن ممارسة الجنس تعد أيضا لغة تخاطب، وهي تعتبر حقا صرخة ضد الصمت".

تدبير المؤامرات حُبّا في الزعيم

لم يكتفِ أصحاب النفوذ بإسكات شين عن الكتابة، ولكن طالبوه أيضا بالتعاون والعمل معهم فعليا. واستطاعت حاشية الزعيم تدبير مؤامرة ضده، حيث قرر علي حسن، رئيس فرع الأمن، مخاطبة وُدّ والدة شين. وبطريقة احتيالية أراد علي حسن زواج والدة شين، المعارض للنظام، كي يخضعه للنظام من خلال الرابط الأسري. إنها لموهبة فنية كبيرة للكاتب السوري نهاد سيريس، حيث يستطيع أن يكتب ببساطة بالغة عن أمور كبيرة في الحياة اليومية. هكذا جاءت روايته "الصمت والصخب" في صورة استعراضية مرحة سلسة رغم من أنها تعالج موضوعا هاما، ألا وهو الحياة في ظل نظام ديكتاتوري.

العمل العفوي كضرب من الطقوس الدينية

كل شيء يسير في هذه الدولة على ما يُرام، وليست هناك مفاجئات ولا ما لا يخضع للرقابة والسيطرة. حتى أن الأعمال العفوية تخضع لطقوس مدروسة، مثل الهتاف المقفّى الذي كان منظّم المسيرة يهتف به: "ميم ميم يا زعيم" فيردد الحشد الذي يتبعه: "ميم ميم يا زعيم". ويتساءل البطل: ماذا يُقصد بالميم هذه؟ وكما يبدو أنه رأى أن الكلمة لا تعني شيئا وأن الشعارات لا تحمل أي معنى سوى أنها موزونة ومقفاة وهذا في حد ذاته متعة لمعظم المستمعين.

إنه لَيكفي أن تكون الشعارات موزونة ومقفاة تشبه الشعر، أما المعنى أو الكلمات والبرامج الجديّة فليست من الأهمية بمكان. إن الأيدلوجية أصبحت ضربا من ضروب التخلّف، وأهم ما في الأمر أن يكون الكلام مقفّى وموزونا.

السخرية من الحكام المستبدين

يحظى سيريس، المولود عام 1950، باهتمامه بسخافات الحزب الحاكم، وهو في ذلك يشبه الكاتب فرانتس كافكا. بيد أن سيريس، الذي عاد بعد إقامة طويلة ببلغاريا إلى موطنه مدينة حلب ليعيش ويعمل هناك، يختلف عن كبار كتّاب العصر الحديث. وعلى خلاف فرانتس كافكا فإن الرجل المنتمي إلى مدينة حلب يعتبر مهرّجا موهوبا، حيث اتخذ من قلمه أداة للسخرية من الحاكم.

والمجتمع لفي تغيير دائم، وكل طبقاته تلتف حول الزعيم، الديكتاتور الكبير. من المحتمل جدا أن تكون رواية سيريس متصلة بروايات أمريكا اللاتينية التي تتعامل مع شخصية الديكتاتور، حيث تتمتع بتاريخ عريق في هذا المجال، وتجسد كيفية اعتماد المتعطشين للسلطة على النفوذ. دائما ما يكون جهاز الأمن مشغولا بدفع المواطنين إلى المشاركة في مظاهرات تأييد "الزعيم الكبير". ولا يسود الهدوء إلا في الليل - هدوء تام. ومن لا يذهب مبكرا إلى مضجعه فإنه يستنفد طاقته التي قد يكرسها لقائد الأمة، ويكون تصرفه مثيرا للشكوك والشبهات. فـ"على المواطنين عدم السهر وعليهم الذهاب إلى النوم باكراً بهدف الاستيقاظ في الصباح للانطلاق بهمة ونشاط من أجل متابعة بناء الوطن تحت القيادة الملهمة للزعيم...".

في سراديب التعذيب

إن المؤامرة التي دبرها رجال الأمن لم تثر إعجاب فتحي شين لهذا الحد، لدرجة جعلت البطل المغوار ينتهي به المطاف إلى سجن النظام، حيث تعرف لبضع ساعات على ما أعده الديكتاتور لمن يخالف أمره. هذه المادة التافهة جدا استطاع سيريس أن يعالجها بأسلوب بسيط، فقد جعل ما لاقاه فتحي شين في سراديب التعذيب دورا تمثيليا متناسبا مع موضوع الكوميديا. حتى أماكن النظام المعتمة بيّنت من خلال وسائل التعذيب أن السخرية لا تلحق الضحايا ولكن تلحق المجرمين.

دعابة على محمل الجد

ليس من الممكن التأكد من هوية البلد الذي تجري فيه أحداث الرواية. ومن الممكن أن يكون نهاد سيريس قد أعطى بعض الانطباعات أن هذا البلد هو سوريا حيث دأبت على تعظيم الزعماء منذ سنين. ومن الممكن أيضا أن يكون المقصود بلادا أخرى أصبح الخوف فيها من الأحاسيس المألوفة. إن موهبة سيريس الفنية تكمن في الاستفادة من روح السخرية في الكتابة، حيث يجعل الدعابة تكشف المخاوف.

كيرستين كنيب
ترجمة: عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع: قنطرة 2009

قنطرة

أسرار الملابس الداخلية السورية:
طرائف التعبير وطرائق التغيير
الملابس الداخلية المثيرة والجريئة المعروضة في أسواق ومحلات دمشق وحلب سحرت امرأتين انكليزيتين من أصل عربي خلال زيارتهما لسوريا. ثمرة هذا الشعور بالسحر كان الكتاب الذي ألفتاه بهذه المناسبة، وهو بالتأكيد واحد من أكثر الكتب التي ظهرت عن العالم العربي في الفترة الأخيرة غرابة وإثارة للدهشة كما ترى سوزانا طربوش.

برهان العسل" لسلوى النعيمي:
اعترافات إيروتيكية بريشة نسائية
لم يسبق في تاريخ الأدب العربي أن بيعت حقوق ترجمة كتاب إلى اللغات الأخرى بمثل هذا المقابل المادي العالي كما حدث مع كتاب السورية سلوى النعيمي "برهان العسل". "هذا الكتاب يستلهم نسق كتب الجنس في التراث العربي ولكن في إطار من الحداثة السردية. شتيفان فايدنر في قراءة نقدية لهذا الكتاب.

سوريا تتحرك ببطء نحو نظام الإقتصاد الحر:
في انتظار الإصلاح الشامل
تشهد سوريا بعض الإصلاحات الإقتصادية المحدودة. ولكن هذه الإصلاحات الهادفة الى ايقاف الإنهيار تسير بخطى بطيئة ولا تمس سوى رواسب متآكلة خلّفها النظام الاشتراكي الذي تخضع البلاد له منذ 40 عاما. مقال كتبته غابرييله كيلر.