لعنة الفتوة...سنوات الضياع

يتساءل رشيد ف. في رواية „فتى عربي“ عن السبب الذي يجعل الناشئين ينزلقون إلى مستنقع من الجنايات والمخدِّرات والدعارة. في هذه الرواية يتخذ من حيّ رولبيرغ البرليني مسرحا لأحداث الرواية ومن ابن لعائلة فلسطينية في هذا الحي بطلا يجسد رؤية هذا العمل الأدبي. حنا لابونتيه تقدم قراءة نقدية لهذه الرواية.

رشيد أ. بطل رواية "فتى عربي - فتوة في ألمانيا أو حياة رشيد أ. القصيرة" للكاتبة التركية غونر ياسمين بالجي Güner Yasemin Balci. ونشأ رشيد لأسرة فلسطينية لبنانية لاجئة في حيّ رولبيرغ في ضاحية كولونيا الجديدة Neukölln وهو يرمز بذلك لمثال الجيل "الفاشل" في مدرسة روتلي Rütli-Schule وما يشابهها - مدرسة في برلين تشتهر بكثرة حدوث الجرائم والاعتداءات على الكوادر التعليمية وبعدم انضباط تلاميذها ولا تشكل فيها نسبة التلاميذ الألمان إلاَّ 17 في المائة.

وهو يلاحظ منذ نعومة أظافره أنَّ الكثير لدى أسرته يختلف عما لدى الأسر الأخرى. وكذلك الأطفال الألمان الذين كثيرًا ما ينتسبون بالذات إلى أسر تكثير لديها المشاكل يشكِّلون بالنسبة له مثالاً مفزعًا، لاسيما وأنَّ في بيئته يتم اعتبار التعامل والاشتراك مع الألمان أمرًا "محرَّمًا".

وفي وحشة وكآبة محيط "يُضطر" فيه اللاجئون غير الحاصلين على تصاريح عمل إلى الانجراف والانغماس في الجريمة، من أجل التمكّن من رفع مستوى معيشتهم شيئًا ما - ويكاد يكون الطريق مرسومًا للأطفال مثل رشيد، لاسيما وأنَّ أباه أيضًا الذي يضرب أطفاله لا يقدِّم له أي بديل يمكن اقتداؤه. وتمنحه عند نهاية مرحلة دراسته الابتدائية مدرِّسته شهادته وتقول له معلقةً إنَّه يستطيع بهذه العلامات على أكثر تقدير العمل في مطعم لبيع الشاورما.

نقص في الضمير

وفي سن العاشرة يسرق رشيد أوّل كيس حلوى من سوبرمارك شليكَر. وينجرف بشكل متزايد من خلال الجنايات الصغيرة والمتاعب والضرب والإصابات الجسدية إلى شبكة العصابة المنظّمة، كما أنَّه يصبح عميلاً لهذه العصابات وحتى زعيمًا في الحي. وينقطع عن المدرسة ويقضي وقته من خلال ذلك في إساءة معاملة الضعفاء وتعذيبهم، كما أنَّه يتبادل أفلام العنف وأفلام الجنس مع أصدقائه ويتحرَّش بالفتيات ويعتدي عليهنّ. وفي حيِّه يُحتفى به باعتباره شخصًا يملك المال والقوة ويصبح مرموقًا ومسموع الكلمة. ويمضي بالتجوّل عبر برلين يضرب ويتعامل بحقارة مع الآخرين ولا يتوانى عن فعل أي عمل فظيع ومشين - إذ يبدو أنَّ لديه نقص في الضمير.

ورشيد الذي يكون في البداية بطلاً إلى حدّ كبير يتحوّل ببطء عبر المخدِّرات والأكاذيب التي يختفي خلفها ليلعب دور "الضحية". وينتهي به المطاف إلى السجن ويتم ترحيله إلى تركيا، إلى بلد لم يشاهده من قبل قطّ ولا يتكلَّم لغته ويصبح فيه فجأة الشخص "الألماني". غير أنَّه يمنى هناك بفشل ذريع.

نقص في الآفاق المستقبلية

وتعتبر غونر ياسمين بالجي التي نشأت بالذات في حي رولبيرغ وكانت تعمل فيما بعد هناك مشرفة اجتماعية مثالاً لمقدرة المرء على "النجاح" - وهي تعزو سبب ذلك قبل كلِّ شيء إلى أسرتها التي كان فيها التعليم والاندماج أمر مهم. ولكنها شاهدت أيضًا فشل الكثير من الناشئين الذين كبرت معهم.

وغونر ياسمين بالجي تصف في كتابها الذي تسهل قراءته القصة الواقعية لصبي من ضاحية كولونيا الجديدة. ولكن رشيد أ. يجمع في شخصيته التجارب التي خاضها العديد من الأشخاص الذين تعرَّفت عليهم المؤلِّفة في أثناء عملها كمشرفة اجتماعية في ضاحية كولونيا الجديدة.

وفي هذا الكتاب يقف القارئ مذهولاً عاجزًا عن الكلام أمام الكثير من العنف الذي لا يوجد له سبب، أمام الكثير من السخط والغضب وكذلك أمام القليل من "حسن السلوك". ويندهش القارئ من هذه الحياة المنظمة بدقة خارج نطاق أي عادات وأنظمة، ويرغب القارئ في التدخّل وتراوده نفسه "بإغلاق" حي رولبيرغ ومنح الناس المقيمين فيه آفاقًا في أماكن أخرى - إذ يبدو في يومنا هذا من الصعب تقريبًا الفصل بين ضاحية كولونيا الجديدة والنقص في الآفاق المستقبلية.

وغونر ياسمين بالجي تضع علامة سيئة جدًا لمحاولات "الناس الطيِّبين" وللمشرفين الاجتماعيين - فالناشئون يعيشون حسب عاداتهم ونظمهم الخاصة التي كثيرًا ما لا يحيط بها المشرفون الاجتماعيون الذين يسخر الناشئون منهم باستخدام الخدع ويتم التضليل بهم ويتم الحط من مكانتهم لتحويلهم إلى عملاء صامتين طائعين. ودائمًا تظل أعمال العنف معلقة في الهواء. ولا تقدِّم المؤلِّفة منطلقًا من أجل التغيير؛ فإمّا أنَّها بالذات في حيرة من أمرها أو أنَّها تريد حمل القارئ على التفكير.

الخوف والتفهّم والشفقة؟

ويرد بخاطر القارئ من دون إرادته السؤال عمن كان في البدء - الدجاجة أم البيضة؟ ما الذي كان في البدء - رفض بعض المواطنين الألمان للمهاجرين الذين كان يعتقد المرء أنَّهم لن يبقوا في ألمانيا دائمًا أم عدم رغبة بعض المهاجرين في التأقلم والتكيّف مع الحياة في ألمانيا؟

ولكن الأمر الجلي الواضح هو أنَّ أطفال الجيل الأول من المهاجرين عاشوا ويعيشون في هذا المحيط المتوتِّر. ورشيد أ. مثال تقليدي حيّ على ذلك؛ فهو لا يريد أن يكون "مثل الألمان"، بيد أنَّه لا يريد أيضًا أن يكون مثل والديه الذين كثيرًا ما يبدو عالمهم أيضًا له غريبًا عنه.

وفي نهاية هذا الكتاب يقف القارئ بين مخاوف كبيرة، وأمام الكثير من مزاعم "المجتمع الموازي والتفهّم وحتى الشفقة على الوضع الصعب الذي يعاني منه هؤلاء الفتية الناشئون". ولكن القارئ يبقى قبل كلِّ شيء في حيرة من أمره.

ورواية "فتى عربي" رواية تثير التساؤل - مثل التساؤل الذي تثيره الكتب الرائجة التي يتهافت عليها القرّاء والنصوص المكتوبة على أغلفة الكتب. وهذه الرواية توقظ القارئ ولكنها تجعله أيضًا في حيرة وارتباك. ويبقى من غير المؤكَّد إن كانت هذه الرواية ستغيِّر شيئًا ما لدى قرَّائها. ولكن قراءتها جديرة ومفيدة - ومؤلمة في بعض الأحيان ومحزنة، بيد أنَّها تقدِّم نظرة على عالم مجهول. ولن يعرف القارئ بعد أن يتصفَّح هذه الرواية كيف ينبغي على المرء التعامل مع "أطفال المشكلات"؛ وهذه الرواية لا تقدِّم الحلّ - لكن هذا هو بالذات ما تريده المؤلِّفة؛ فهي تريد القول إنَّ الحلول ليست سهلة أحيانًا إلى هذا الحدّ.

ولقد أيقظت في ذلك الوقت رواية "نحن أطفال محطة تسولوغشر غارتن" القرّاء، كما أنَّها وصفت بصراحة واقعًا موازيًا كان يغض عنه النظر حتى ذلك الحين. وتلك الرواية أثارت في ذلك الحين انتباه القرّاء وألقت الضوء على مشكلة أطفال يعيشون في الشوارع؛ في محطة تسولوغشر غارتن - كما أنَّها ساهمت في تغيير شيء ما؛ وربما من الممكن أيضًا أن تحقِّق ذلك رواية "فتى عربي".

حنا لابونتيه
ترجمة: رائد الباش
حقوق الطبع: قنطرة 2009

رواية "فتى عربي - فتوة في ألمانيا أو حياة رشيد أ. القصيرة Arabboy - eine Jugend in Deutschland oder das kurze Leben des Rshid A"، للكاتبة غونر ياسمين بالجي Yasemin Balci، صدرت عن دار نشر فيشر Fischer 2008، وسعرها 14 يورو و90 سنتًا.

قنطرة

جمعية "ميغرانتاس" الفنية:
صوت المهاجرات....لغة الجداريات
تسعى جمعية "ميغرانتاس" الفنية والتي تتخذ من برلين مقرا لها من خلال الرسومات الإيحائية واللوحات الجدارية التي ترسمها بعض المهاجرات إلى التعبير عن آراء النساء المهاجرات في ألمانيا والقضايا التي تواجههن. نعمت شيكير تعرفنا بهذه الجمعية ونشاطاتها.

"ميكسس" - مجلة متعددة الثقافات:
مجلة ما بعد الاندماج
"ميكسس" مجلة جديدة متعددة الثقافات تهدف إلى منح المشهد الإعلامي الألماني رؤية جديدة عن المهاجرين وقضاياهم بوصفها منبرا لجمهور الشباب ذوي الثقافات المتعددة. نيمت شيكير قامت بزيارة لأسرة تحرير هذه المجلة.

حوار مع المحامية التركية سايران آتش حول كتابها الجديد:
التعدد الثقافي بين الحقيقة والوهم
تمثل سايران آتش الطرف الأكثر حضورا في ألمانيا، كلما تعلق الأمر بمسألة الاندماج. المحامية التركية الأصل تطالب بموقف أكثر صرامة تجاه المسلمين. كاترين إردمان في حديث معها حول أخطاء اليسار ومسألة سياسة الاندماج.