نظرة جديدة الى الشريعة في ظل متطلبات العالم الجديد

يعالج الباحث عبد الله النعيم في الكتاب الذي نشره أخيرا ظاهرة زواج المسلمين من الطوائف الأخرى وأسبابها، خصوصاً في الهند والسنغال وتركيا، كما يناقش امكانية تكييف الشريعة الاسلامية مع متطلبات العالم الجديد. يوغندر سيكاند يقدم لنا الكتاب

من المفترض عادة أن تلتزم المجتمعات الاسلامية بدقة بقوانين الشريعة فيما يتعلق بقانون الأحوال الشخصية، ومن ضمنها الامور المتعلقة بالزواج. وقد سن العلماء من مختلف مدارس الشريعة قوانين دقيقة بهذا الصدد، تشمل زواج المسلمين من الديانات الأخرى.

ولكن كما يشير هذا الكتاب، هناك فجوة بين الافتراضات النظرية وما يجري على أرض الواقع. كما يعالج هذا الكتاب مسألة الزواج بين المسلمين والديانات الأخرى، وكيف تتم هذه الزيجات التي عادة ما تتعارض مع قوانين الشريعة.

الزواج في عالم متداخل

يشير عبد الله النعيم في مقدمة كتابه الى أن الشريعة تسمح للرجل المسلم بالزواج من امرأة تنتمي الى ديانة من أهل الكتاب، ولكنها تحرم عليه الزواج من غيرهم، كما أنه محرم على المرأة المسلمة الزواج من رجل غير مسلم.

هذا يعكس، كما يقول النعيم، المفهوم الضمني الذي يقول أن الرجال قوامون على النساء، وأن المسلمين أعلى درجة من غير المسلمين. ولكن نعيم يرى أن الزيجات - التي تتم خلافاً لقوانين الشريعة المعروفة - تفترض بأن المسلمين الذين أقدموا عليها يمتلكون إدراكاً آخر للإسلام، مما يدعو للتعمق في هذا التفهم.

في عالم يتداخل أكثر فأكثر، ويوماً بعد يوم، تكون مثل هذه الزيجات في زيادة مستمرة. وهذا يدعو – بحسب رؤية نعيم – إلى نظرة جديدة للشريعة تأخذ متطلبات العالم الجديد بعين الاعتبار. ومن ثم يطالب بتغيير المفهوم التقليدي السائد، وترسيخ المساواة بين الجنسين، وخلق تقارب تكييفي مع أبناء الديانات الأخرى.

الهند: توتر متزايد بين الطوائف

يتألف الكتاب من ثلاثة فصول، يعالج كل منها قضية زواج المسلمين من أتباع الديانات الأخرى. الفصل الأول مخصص للهند. يتناول روهيت شوبرا أكثر من خمسين حالة في مامبي، أكثر المدن الهندية اكتظاظاً بالسكان والتي تضم عدداً كبيراً من المسلمين. المسلمون في مامبي، كما ورد، ينتمون الى مذاهب وطوائف مختلفة، ولهم لغات متعددة.

​​في بلد يكون فيه زواج الطائفة الواحدة العرف السائد، قلما تتزوج الطوائف الإسلامية المختلفة فيما بينها، فما بالكم بزواج المسلمين من ديانات أخرى، فهو بالطبع أقل بكثير. ففي ظل المناخ السياسي الحالي في الهند، حيث تتمتع منظمات اليمين الهندوسي بنفوذ واسع وحيث كانت هي المسؤولة عن مجازر ضد المسلمين - غالباً بتواطؤ مع مؤسسات الدولة - فان العلاقات بين الطوائف تعاني من توتر متزايد.

ولكن رغم ذلك، فان زواج المسلمين من غير المسلمين من ديانات أخرى، مثل الهندوس والبرسيس والمسيحيين، أمر يحدث وخصوصاً بين الطبقات المتوسطة والنخبة. يعالج الكاتب أسباب هذه الزيجات وردة فعل العائلات عليها، وتربية الأولاد في ظل تلك المصاهرات. أحد الموضوعات الشيقة التي أسهب فيها الكاتب تفصيلاُ هو التفاهم المتبادل بين الأزواج؛ فعادةً ما يتحول الشريك في مثل هذه الزيجات الى دين الآخر.

ولكن ثمة حالات أخرى يحافظ كلٌ منهما على دينه، خاصة إن لم يكن أي من الشريكين يمارس دينه بدقة. وذلك عندما يحترم كلٌ منهما دين الآخر ويقدره، فيتولد شعور بالتفهم الضمني للدين. هذا الشعور يؤدي الى تجاوز دائرة حدود الطائفة.

السنغال: عادات وتقاليد مشتركة

يدرس الفصل - الذي يتعلق بالسنغال والذي كتبته كوندو بوب - زيجات المسلمين، رجالاً ونساءً، من ديانات أخرى وخصوصاً الكاثوليكية. وتقول الكاتبة أنه بالنسبة للكثير من السنغاليين، فإن العرق هو العامل المهم في تحديد الهوية أكثر من الدين. وتتابع أن السنغاليين المسلمين والكاثوليك لهم عادات وتقاليد مشتركة، مما يجعل الزواج بين الأديان أمراً أسهل مما هو عليه في أماكن أخرى.

ولكن حركات انعاش الأديان الإسلامية والمسيحية أثرت حتماً على علاقة المسلمين والمسيحيين في السنغال. إذ أن زواج الديانات المختلفة لم يعد يحظى بالقبول الاجتماعي، رغم شرعية هذا الزواج لدى الدولة السنغالية.

تركيا: الزواج المختلط في دولة علمانية

أما الفصل الختامي - بقلم سومنور فاردار - فيتناول زواج الديانات المختلفة في اسطنبول. وهو يتحدث عن الزواج بين المسلمين السنة والعلويين وبين المسيحيين واليهود. وبالرغم من أن تركيا دولة علمانية، فإن الكاتبة تلاحظ صعوبة تقبل المجتمع لمثل تلك الزيجات.

وكما هو الحال في الهند والسنغال، فغالباً ما تؤدي مثل تلك الزيجات الى تحول الشريك الى ديانة الآخر، غالباً ديانة الزوج. في حالات أخرى، يؤدي ذلك الى تغيير النظرة الى الدين والهوية، مما ينطوي على التوفيق بين المعتقدات والأخذ المتبادل من عادات الزوجين، أو الى نوع من عدم الاكتراث للدين برمته.

يعتمد هذا الكتاب على دراسات إثنولوجية عميقة؛ وسيفيد هذا الكتاب المهتمين بالعلاقات بين المجتعات المختلفة، اذ أنه يعكس نظرة بديلة وأكثر تقبلاً للدين "الآخر".

ثمة نقطة مهمة غابت في هذا الكتاب، وهي كيفية تعامل وردة فعل السلطات الدينية الاسلامية في تلك البلدان على تزايد الزيجات بين الأديان وكيف حاولوا، إن كانت هناك محاولات أصلاً، إعادة النظر في المعايير المهيمنة على زواج المسلمين من الديانات الأخرى.

بقلم يوغندر سيكاند
ترجمة منال عبد الحفيظ شريده
حقوق الطبع قنطرة 2006

الكتاب: زواج المسلمين من أتباع الديانات الأخرى – دراسة الهوية الدينية والاجتماعية في العائلة والمجتمع / المحرر: عبد الله النعيم / الناشر: منشورات غلوبل ميديا، نيودلهي، 2005، 302 صفحة

قنطرة
حب عبر الأديان: تجربة الزواج الإسلامي-المسيحي
تقترن فكرة الزواج بين مسلم ومسيحية في أذهان الكثيرين بخلافات مريرة حول تفوق المسيحية على الإسلام أو العكس. ولكن هل هذا صحيح؟ ألكسندرا وزوجها المصري خالد يتحدثان عن تجربتهما

حوار الأديان
إجراء حوار بين الأديان المختلفة هو إحدى دعائم التعايش السلمي في مجتمع متعدد الثقافات. يقدم الملف التالي أمثلة عن مبادارات الحوار الموجودة في ألمانيا وبلدان أخرى.

نحن المسلمين ليس عندنا كهنوت
يرى البروفيسور عبد الله أحمد النعيم أن حقوق الإنسان والعلمانية تتيح المجال للنقد، فيما تعتبر الشريعة الإسلامية في نظر رجل القانون السوداني الدعامة الثالثة للمجتمع المدني. حديث صحفي أجرته معه إيدت كريستا