الزواج المدني ممنوع في لبنان
أسعد الحظ جانيت ورفيق بمرحلة متأخرة نسبيا من العمر: رفيق البالغ من العمر ثمانية وأربعون عاما كان متزوجا من قبل، وجانيت التي في بداية الأربعينات من عمرها كانت قد فقدت الأمل في أن يسعدها الحظ بالزواج.
وفي إحدى الليالي اتصلت جانيت بزميلها في العمل وقالت: "آلو زياد، نحن في طريقنا إلى قبرص، ونريد أن نتزوج. أخبر أسرتي بذلك بعد بضع ساعات لو سمحت، كي لا يقلقوا وأن يكون ذلك بعد منتصف الليل، حتى نكون قد وصلنا بالفعل إلى قبرص."
الزواج في قبرص هو الحل الوحيد
تعتبر قبرص بالنسبة اللبنانيين المنتمين إلى طوائف دينية مختلفة الراغبين في الزواج المخرج الوحيد لعقد زواج مدني، خاصة عندما لا يريد أحد منهم إعتناق دين صاحبه أو لا يستطيع ذلك.
فرفيق درزي وجانيت كاثوليكية، وهو كدرزي لا يستطيع أن يتزوج امرأة تدين بدين آخر، ولا يحق لأي شخص يعتنق دينا آخر أن ينتمي إلى جماعة الدروز، وعليه فإن زواج رفيق من إحدى المسيحيات يعتبر مستحيلا. ولكونه يساري فإن مسألة الدين تعد بالنسبة له - لحسن حظه – ولعائلته مسألة غير مهمة.
أما بالنسبة لجانيت فكان الوضع مختلفا، فكما يروي صديق العروسين: "عندما أخبرت الأسرة بذلك لم أنعم بالهدوء واتصل بي أقارب جانيت بالتليفون كل بضع دقائق، وكانوا جميعا مصدومين من الأمر".
الإجراءات تتم دون أية عوائق
لقد أخذ الإثنان قرارهما ووضعا الخطة مسبقا، فذهبا إلى سفارة قبرص في بيروت وقدما الأوراق المطلوبة للحصول على التأشيرة. وتقول جانيت: "إن الإجراءات تمت في السفارة بسهولة وكان الموظفون لطفاء وعلى استعداد للمساعدة"، وأعضاء السفارة قد اعتادوا على سياح الزواج ولديهم قائمة جاهزة بعناوين مكاتب الأحوال الشخصية المختصة وأسماء الفنادق في قبرص.
وتتذكر جانيت وتقول: "كل الأمور مشت بسرعة". وأخذا موعدا للزواج في نيقوسيا وركبا الطائرة، وفي غضون عشرين دقيقة حطا على الجزيرة في البحر الأبيض المتوسط. وتواصل جانيت حديثها قائلة: "وقدمنا أوراقنا لدى مكتب الأحوال الشخصية وبعد ساعتين كانت مراسم الزواج قد انتهت".
وعلى الرغم من أن مثل هذا الزواج لا يتم رسميا في لبنان، إلا أن الدولة تعترف بالزواج المدني المنعقد في البلاد المجاورة، وعليه فمن الممكن أن يتقابل اللبنانيون والإسرائيليون في مكتب الأحوال الشخصية للزواج في قبرص. وهذا الزواج المدني ليس ممنوعا في لبنان فقط، بل ممنوع أيضا في إسرائيل والأردن وسوريا.
الحريري يعرقل الزواج المدني
محاولات تطبيق القانون المدني ترجع إلى بداية الخمسينيات، وآخرها كان في عهد الرئيس اللبناني السابق إلياس الهراوي، الذي قدم عام 1997 مشروع قانون مناسب للمناقشة. وبعد عام تمت مناقشته في مجلس الوزراء، ووافق عليه الوزراء بالأغلبية (21 صوتا)، وستة أصوات معارضة ووزير واحد امتنع عن التصويت.
ولم يوقع رئيس الوزراء رفيق الحريري على مشروع القرار ولم يقدمه للبرلمان للتصديق عليه، رغم أنه يعلم أن ذلك مخالف للدستور اللبناني، واعتذر قائلا:
"إن ظروف لبنان لا تسمح الآن بذلك". وتظاهر الكثير في الشوارع من أجل إصدار مثل هذا القانون المدني، وعقدت شركات خاصة ندوات إعلامية للدعاية لهذا القرار.
وكانت آخر الحملات الدعائية عام 2002 عندما قام المدافعون عن حقوق الإنسان وتحالف برلماني بفتح باب المناقشة من جديد، ولكن دون جدوى، فقد باءت محاولات السنين الست الأخيرة بالفشل.
الطوائف الدينية تستفيد ماديا من عقود الزواج
لاتوجد إحصائية رسمية، ولكن – حسب معلومات صحيفة "إنفورماسيون إنترناشيونال" - أصبح 57% من جميع اللبنانيين يرغبون في إصدار قانون مدني للزواج. وعلى الرغم من ذلك فإن كلا من رئيس الوزراء وممثلي الطوائف الدينية الأقوياء يقفون بشدة حيال تغيير الوضع الراهن، لأن الزواج والطلاق من أهم مصادر الدخل للشيوخ والقساوسة.
وبينما نجد أن عقد الزواج عند أحد شيوخ المسلمين يكلف بضع مئات الدولارات، فإنه قد يبلغ آلافا في الكنيسة، والطلاق في الكنيسة الكاثوليكية المارونية أو الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية قد تصل تكاليفه إلى ما بين عشرة وعشرين ألف دولار.
الحفاظ على تنوع العقائد
إن المال لا يعد السبب الرئيسي لموقف رجال الدين المعارض. فالسلطة الدينية هي من أهم دعائم بنية الحكم في لبنان. ففي هذا البلد الذي مزقته الحرب الأهلية حتى عام 1990 نجد أن تقسيم السلطة بالعدل أهم من إقرار السلام، وهذا ما يعتقده قادة الطوائف الدينية. وقد استطاعوا حتى الآن أن يقفوا حيال قيام دولة علمانية. إنهم يرون أيضا أن الزواج المدني لابد وأن يظل في مفهوم الناس على أنه من المحرمات.
وبعد أن عادت جانيت من قبرص كانت حقا سعيدة بالزواج، ولكن بقيت مشاكلها مع أسرتها دون حل حتى الآن، وعلى الرغم من أنها أصبحت تستطيع زيارة أهلها، إلا أن أمها مازالت تترك المكان بمجرد ذكر إسم زوج ابنتها. إن الوقت قد يطول حتى يعترف المجتمع والسياسة ومختلف الطوائف الدينية بصحة الزواج الرسمي ويسمحوا به كإمكانية مستحبة.
كريستينا فورش، حقوق الطبع قنطرة 2004
ترجمة عبد اللطيف شعيب