"ما أعجب طرقك يا رب!"...رواية شادي لويس الأولى ترصد التاريخ الاجتماعي للأقباط في مصر
تدور الرواية حول شاب مسيحي مصري يجد نفسه مضطرًا، لكي يتحصل على شهادة خلو موانع تسمح له بالزواج، وتحت إلحاح من التعقيدات البيروقراطية للدولة، إلى المثول أمام القس في الكنيسة في جلسات اعتراف منتظمة ليبت في أمره.
وبدافع غامض، ينطلق أمام القس في حكي سيرة حياته وحياة أسرته، بدءًا من "جعفر" جده لأمه في الزمن البعيد، وحتى الآن، ومراوغًا ضيق القس ونفاد صبره.
هذا الشاب هو بطل عدمي يائس، يحفر - عبر نسيج متشابك من الحكايات - في التاريخ الاجتماعي والسياسي المصري المرتبط بتاريخه وتاريخ أسرته، ليقدم صورة لحياة الجماعة المسيحية، ومعاناتها أمام بيروقراطية المؤسسة والمجتمع المُعادي وتعقيدات السياسة. حكايات تترك أبطالها أكثر حيرة مما كانوا. حيرة لا تترك لهم سوى جملة ختامية، كأنها توقيعهم النهائي على غرابة الحياة وصعوبة فهمها، هي: "ما أعجب طرقك يا رب!".
"رواية متبصُّرة وجريئة، هادرة رغم هدوء نبرتها، تمارس لعبة إخفاء وإظهار مدروسة في كل تفصيلة، من البداية وحتى النهاية"
ويقول شادي بطرس، وهو صحفي وكاتب مقال وأخصائي نفسي مصري يكتب بشكل دوري لعدة مواقع مهمة كـ"معازف" و"المدن" و"المنصة" لموقع قنطرة، إن "الرواية عبر تتبع الإجراءات اللازمة لزواج شاب قبطي وحبيبته الألمانية، ومرورها على ومضات من التاريخ الاجتماعي للأقباط في مصر، وعلاقتهم بالدولة والقانون والكنيسة وسلطة الكهنوت وشرائكهم في الوطن، ورصدها لتحولات هذه العلاقات ما بعد ناصر لغاية ثورة يناير بشكل سريع، تسعى إلى كشف مدى تعقيد هذه العلاقات تاريخيا".
ويتابع الروائي الشاب حديثه قائلاً: "تضيف البطلة الألمانية، وأسرتها في برلين، وذاكرة التاريخ القريب لهم مع الحكم الشيوعي ومخابرات ألمانيا الشرقية السابقة المعروفة باسم "الشتازي" بعدا ثانيا للموقف، الذي تجد فيه الأقليات المسيحية في المشرق فيه نفسها معلقة بين الشرق والغرب، ينظر إليها أهل بلدهم على أنهم غرباء ويحسبوهم على الغرب "المسيحي"، وفي الوقت ذاتهم لا يراهم الغرب سوى شرقيين، أو "مسلمين" بشكل أو بآخر".
وتجري بعض أحداث الرواية في العاصمة الألمانية برلين، لكن معظمها يجري في القاهرة في فترة صعود حركة "كفاية" ضد حكم الرئيس المصري السابق حسني مبارك، وارتكاب مجزرة "مصطفي محمود"، التي قُتل فيها عشرات اللاجئين السودانيين في القاهرة.
من أجواء الرواية:
"يعني كلمني عن نفسك شوية، أنت مين؟ وبتعمل إيه؟ وكده". طوال سنين الدراسة الطويلة، وفي البيوت أيضًا، والكنائس، وفي كل الكتب التي تصفحناها، لم يدربنا أحد على إجابة هذا السؤال. فقط كل بضعة أعوام كان يواجهني في مقابلات التقدم للوظائف، وفي كل مرة كانت المفاجأة والحيرة نفسها تشلني عن أن أجد شيئًا مناسبًا لقوله. مزحة واحدة كنت تعلمتها للخروج من المأزق: "معلش أنا محبش أتكلم عن نفسي كتير!"، كان للضحكات المعتادة والمفتعلة أن تسمح لي ببضع ثوانٍ لترتيب أفكاري، وكالعادة كنت أنطلق في الكلام، كلام كثير عن كل شيء.
بالطبع لم يعطني أحد الوظيفة بعد إجابتي، ولذلك مازلت في وظيفتي الحكومية بعقدٍ مؤقت بعد عشرة أعوام من التخرج. لكن الأسوأ من فقدان فرص الوظائف كان الاضطراب الذي يصيبني بعد كل مقابلة من هذا النوع، وكأنني أري نفسي لأول مرة. لا أريد أن أستدعي الشفقة هنا، لكن هذا الأمر قد حدث لي مرة واحدة على الأقل، فبعد مقابلة تتعلق بوظيفة في شركة إنشاءات أجنبية، بكيتُ ليلة كاملة بلا نوم، لا بسبب الإهانة التي تعرضت لها من مسؤولة الموارد البشرية في الشركة بلا سبب، ولا لأنهم رفضوا تعييني بالطبع، لكن لأنني اكتشفت كم المشقة التي تتطلبها إجابة هذا السؤال، أي لتقول شيئًا عن نفسك، أي شيء."
المصادر: "الكتب خان" + قنطرة 2018