"القاهرة التي عرفتها في خطر"

A burnt out truck full of trash bags. On the window frame a sign reads "Here lies Mubark's government!"
معقل الثورة المصرية: ميدان التحرير، يناير/كانون الثاني 2011. (Photo: picture alliance / AP | T. Todras-Whitehill)

يُنقّب الروائي المصري يوسف رخا، في روايته الأولى باللغة الإنجليزية، في الجذور العميقة لثورة 25 يناير 2011. ويجادل في حوار مع قنطرة بأن موجة الربيع العربي أخفقت في إحداث تغيير حقيقي أو طرح رؤية مستقبلية مُقنعة.

الكاتب، الكاتبة : توغرول منده

قنطرة: تستكشف روايتك الأخيرة، "The Dissenters" أيّ "المعارضون"، قضايا النوع، والإيمان، والحرية، والفقد، من خلال قصة امرأة تتشكّل حياتها بفعل القوى السياسية المتقلبة. من هم المعارضون في الرواية؟ وما الرسالة التي تتركها لنا؟

يوسف رخا: جميع شخصيات الرواية هم معارضون. أردت أن أحقق أمرين في هذه الرواية. أولاً، أردت التحدث عن ثورة 2011 بطريقة تتجاوز النشاط السياسي، ولهذا السبب أعود 70 عامًا إلى الوراء، لوضعها في سياقها التاريخي وفهم ما حدث. ثانيًا، أردت أن أقدّم شخصية نسائية من جيل والدتي، شخصية تُجسد الهوية المصرية.

لا أعتقد أن هناك رسالة وراء الرواية بقدر ما توجد أسئلة يطرحها الأدب دائمًا. النقطة الرئيسية هي أن جميع الشخصيات تعارض: الأخ الذي يعمل في جهاز الأمن السري! يعارض العائلة، والأب معارض سياسي، والأم تعارض اشتراكية الأب والوضع السياسي القائم، والابنة تعارض الأم.

تتنقل في كتاباتك بين الماضي والحاضر عبر أزمنة مختلفة، ما الذي دفعك لاستخدام هذا البناء في الرواية؟ وما أوجه التشابه بين الماضي والحاضر بالنسبة لك؟

على الصعيد السياسي، هذا أمر مثير للاهتمام. في مرحلة ما، أدركت أن الكتابة عن الحاضر تتطلب وضعه في سياقه التاريخي، ضمن العالم التخيلي الذي أبنيه.

كان الخطاب الذي أحاط بثورة يناير (2011) خطابًا ناشطًا ونيوليبراليًا إلى حد كبير، وإحدى إشكاليات هذا الخطاب أنه يتحدث عن الأحداث والظواهر المجتمعية وكأنها وقعت في فراغ. هذا يُفقدها معناها ودلالتها. لهذا أصبح الجهد المبذول لكتابة تاريخ اللحظة التي أوثقها جزءًا بنيويًا من الرواية، كجزء من عملية التوثيق ذاتها. يعكس الخطان الزمنيان تحولات الشخصية الرئيسية.

بالنسبة لي، كان الربيع العربي تجربة تعلُّم ضخمة؛ كانت لحظة أدركت فيها أنّ الكثير من الافتراضات التي كنت أكنُّها عن المجتمع المصري لم تكن صحيحة. أعتقد أن هذا هو السبب في أهمية النظر إلى هذه اللحظة ضمن سياق تاريخ مصر الحديثة، وعند التفكير في مفهوم "التقدم"، نلاحظ كيف أنّ أمورًا أساسية كثيرة لم تتغير فعلاً منذ خمسينيات القرن الماضي.

A man with his hand on his chin stands leaning against a wooden fence.
روائي

يوسف رخا روائي وشاعر وكاتب مقالات من القاهرة يكتب باللغتين العربية والإنجليزية. من أعماله الروائية "كتاب ختم السلطان" (2011)، "التماسيح" (2013)، وكلاهما تُرجم إلى الإنجليزية، و"باولو" (2016) التي فازت بجائزة ساويرس. وُلد في القاهرة "كابن وحيد لأب شيوعي وامرأة كافحت بشدة لتلتحق بالجامعة". "المعارضون" (2025) هي أول رواية له باللغة الإنجليزية.

في عام 2016، قلتَ في مقابلة مع "قنطرة" إنّ الكتابة بالإنجليزية كانت وسيلة لخلق مسافة بينك وبين ما يحدث في مصر. هل هذا هو السبب الذي دفعك لكتابة هذه الرواية بها؟

أعتقد أن السبب ببساطة هو أنني كنت أعمل باللغة الإنجليزية في تلك المرحلة. بعد ثورة يناير، شعرت بالاغتراب عن الوسط الأدبي العربي، لأسباب سياسية —إذ انتقدني كثيرون علنًا لرفضي اعتبار استيلاء الإسلاميين على السلطة نتيجة مقبولة—، ولكن أيضًا لأن بنية وتركيبة المجال الثقافي كانت تتغير بالفعل، وربما تنهار.

كانت لدي رغبة مسبقة في كتابة رواية مصرية بالإنجليزية، وقد كانت هذه فرصة لتحقيق تلك الرغبة. من الغريب أن الكتابة بالإنجليزية تمنحك ميزة: العربية الفصحى الحديثة مرتبطة بالقومية، لذا حتى لو كتبت ضد الافتراضات القومية أو سخرت منها، فإن هذا المنظور يظل متضمنًا في اللغة. أما في لغة أخرى، فلست مضطرًا للتعامل مع هذه الافتراضات الإيديولوجية على الإطلاق، ويمكنك النظر إلى الواقع من منظور أكثر حيادًا.

القاهرة جزء لا يتجزأ من أعمالك. ما علاقتك بالمدينة؟

في الواقع، أدركت أنني غير قادر فعلاً على الكتابة خارج القاهرة، بغض النظر عن اللغة التي أستخدمها. كنت أعتقد أن هذا يعود إلى المكان فقط، لكن تبيّن لي أن الأمر يتعلق بالزمن أيضًا، أي الطريقة التي يُعاش بها الزمن في القاهرة.

بالطبع، القاهرة مدينة ضخمة ومتنوعة بشكل لا يصدق، كما أن القاهرة التي أكتب عنها لا تمثل إلا جزءًا صغيرًا منها، لكنه رغم ذلك يعكس المدينة كلها.

أعتقد أنه إذا كنت أجسّد شكلاً معينًا من "المصرية"، فإن ذلك يتجلى في الزمان والمكان اللذين يشكلان "قاهرتي". ومن أهم جوانب هذا، وربما أكثرها أهمية، أنني—مثل القاهرة—مضطر إلى استخدام حداثةٍ منحازة ضدي، كعربي مسلم، ومصممة للسيطرة لا للخدمة. لا أستطيع أن أحتضنها بالكامل، لكنني أيضًا لا أستطيع العيش من دونها.
هذا التناقض هو جوهر القاهرة، وهو حاضر في كل جانب من جوانب الحياة فيها. أظن أنه أيضًا موضوعي الأساسي، لأنه يعكس صراعًا داخليًا في ذاتي.

The Dissenters (2025) Cover.
غلاف رواية المعارضون الصادرة بالإنجليزية. (2025, Graywolf Press)

كيف تغيّر المشهد الأدبي في القاهرة خلال العقود الأخيرة؟ كيف تقارنه بفترة حكم مبارك؟

بحسب تجربتي، ما بدأ عام 2005 كان حركة واعدة جدًا، وأصبح الأدب جزءًا من البنية الاجتماعية، وبدأ جمهور قارئ يتشكل حول كتب مثيرة للاهتمام، بعيدًا عن مفاهيم الربح والمبيعات.

استمر هذا حتى قيام الثورة. بعد الثورة، لم يعد أحد يهتم بالأدب؛ كان التركيز كله على النشاط السياسي. وحين عاد المشهد الأدبي للظهور، كان قد خضع تمامًا للسوق التجاري، وتطور على غرار عالم النشر الغربي، مع الفارق أن عدد القراء في العالم العربي أقل بكثير.

لأول مرة سمعت عن كتّاب جادين ومرموقين يجرى رفضهم من الناشرين، فقط لأنهم لن يبيعوا. أيضًا أعادت الانتماءات السياسية تشكيل المجتمعات الثقافية، وأصبح من الضروري أن تكون ضمن مجموعة معينة لتُمنح الاهتمام، وهذا أحبط الكثيرين، بينما تُرك آخرون في الهامش.

حاليًا، لا توجد أموال أو طاقة كافية لدعم حركة أدبية من أيّ نوع. هناك بعض المبادرات الواعدة—مثل دار نشر "وزيز"، على سبيل المثال. لديهم علامة تجارية فعالة، ينشرون أعمالاً جيدة ويبذلون الجهد اللازم لدعم مؤلفيهم والترويج لكتبهم. أظن أن هذا نموذج يُحتذى به—فهو متوافق إلى حد ما مع منطق السوق، لكنه يتجاوزه في الوقت نفسه.

كيف ترى الوضع العام في مصر؟ وما موقعها كمركز ثقافي وسياسي في العالم العربي؟

لا أعتقد أنها مركز ثقافي بعد الآن—ولا أعلم إن كان هناك مركز ثقافي واحد في العالم العربي حاليًا، رغم أن هناك أموالاً أكثر وإنتاجًا ثقافيًا أكبر في أماكن أخرى. غير أن القاهرة مركز جيوسياسي، وسيستمر هذا، لكن ثقافيًا لا يوجد أي دعم فعلي.

لم يعد الدعم الحكومي موجودًا، فجميع أموال الدولة تُوجَّه إلى مشاريع عقارية خارج المدينة، والمشهد التجاري لا يدعم الإنتاج الثقافي إلا إذا جاء التمويل من الخارج، وهذا له ثمنه.

في مرحلة ما، كانت هناك أيضًا حركة كبيرة للمنظمات غير الحكومية، وكانت أموالها تساعد في النشاط الثقافي. حاليًا، أشعر أن القاهرة التي عرفتها في خطر، حيث يتم استباحتها وإضعافها.

هل تعتقد أن الثورة في مصر ما زالت مستمرة بأشكال ما؟ أم أنها توقفت تمامًا؟

أظن أن السؤال الأهم هو: "ما هي الثورة؟"
أعتقد أن الثورة بمعناها النضالي النيوليبرالي وضمن إطار الربيع العربي—قد فشلت في إحداث التغيير، لكنها أيضًا فشلت في تقديم تصور مقنع للتغيير. لم تتناول حتى قضايا مثل الحقوق الشخصية أو حرية المعتقد. كانت مستعدة للتصالح مع الفاشية الثيوقراطية.

لكن الثورة بمعنى النضال المستمر من أجل الحرية الشخصية ومساحة نعيش فيها كما نريد—آمل أن تكون مستمرة دومًا.

من الصعب جدًا تصور تحسّن الأوضاع حاليًا بسبب الظروف الإقليمية والدولية، لكن هذا لا يعني أن الدافع للتحرر قد يختفي.

 

المقابلة مُترجمة من الإنجليزية

 

قنطرة ©