لا يمكن حكم لبنان بدون حزب الله
اندلاع العنف من جديد في لبنان إنما هو تعبير عن الصراع على السلطة بين معسكريين سياسيين. لكن دوافع هذا الصراع لاتكمن فقط في أسباب سياسية داخلية، إنما تؤججه، وكما حدث مرارا في التاريخ اللبناني، مصالح قوىً خارجية. وما يدعو للأسف هو أن يفتح كثير من اللبنانيين المجال لاستخدامهم من أجل تحقيق هذه المصالح وبالتالي لتعريض تلك الدولة الساحلية الشرق أوسطية الصغيرة من جديد لخطر التمزق.
على هذا الطرف تقف سوريا وإيران اللتان تدعمان حزب الله ولايوجد لديهما أي مصلحة في قيام لبنان ديمقراطي ولا حتى باحتمال قيام لبنان، في وقت ما وبتأثير أمريكي، بالسعي إلى المصالحة مع إسرائيل.
وبات معروفا، على الأقل، منذ الحرب الأخيرة في الصيف الماضي مع إسرائيل، أن أسلحة حزب الله تمول من قبل إيران وتهرب عبر سوريا الى داخل البلاد. فإيران الطامحة الى مزيد من النفوذ الإقليمي تجد في حزب الله حليفا عقائدياً وعسكريا موثوقاً به. وسوريا، التي تخشى أن يتم التشهير بها عالمياً كمشتبه رئيسي به في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، لا تزال لديها، ومنذ إرغامها على الانسحاب من لبنان، حسابات مفتوحة مع القوى اللبنانية الموالية للغرب. ومن المحتمل أن تحاول سوريا من جديد أن تفرض نفسها قوة لحفظ النظام في لبنان.
على الجانب الآخر تقف الولايات المتحدة وحلفاؤها الإقليميون . هؤلاء يسعون الى تحقيق مصالحهم التي تتمثل في أن ينجح مشروع دمقرطة الشرق الأوسط في لبنان على الأقل إن تعذر تحقيقه في العراق. وبالإضافة إلى ذلك لدى الغرب اهتمام كبير وملح بوجود شركاء يعتمد عليهم في المنطقة التي لايقتصر الأمر فيها على ضمان وجود إسرائيل إنما أيضاً على السيطرة على منابع الطاقة فيها.
وقد أوضحت الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة تضامنها مع الحكومة اللبنانية الى حد اضطرت معها هذه الأخيرة الى التأكيد أكثر من مرة أنها ليست تابعة للإدارة الأمريكية بأي حال من الأحوال إنما تلتزم فقط بمصالح لبنان.
لقد تجلى بوضوح أن من تسبب بهذا التصعيد هو حزب الله وحلفاؤه، وهم لا يقتصرون على أطراف إسلامية فحسب، بل انضم إليهم أيضاً ساسة مسيحيون متعطشون للسلطة من أمثال الجنرال السابق ميشال عون. لقد حاولوا، من خلال إقامة الحواجز النارية في الشوارع، فرض إرادتهم على البلاد بأكملها وإرغام الحكومة على الاستقالة. إنها لعبة خطرة وتشكل في الواقع هجوماً على الديمقراطية اللبنانية الهشة.
لكن رد أنصار الحكومة على هذا التصعيد اتسم أيضا بالنزوع نحو العنف والدخول في مواجهات مع المعتصمين والمضربين. لقد أظهرت كافة الأطراف السياسية قسطاً مفزعاً من المغالاة والتطرف في المواقف، الأمر الذي قد يعمق الفوضى في البلاد.
لقد برهن التصعيد الأخير أن أفضل السبل لحل الأزمة اللبنانية تتمثل في استئناف الحوار الوطني الهادف الى إشراك الشيعة بشكل مناسب في الحكومة. وهذا لا يعني أن على الحكومة أن تستجيب لجميع مطالب المعارضة، لكن عليها أن تدرك أن بإمكان المعارضة أن تحشد قطاعا ضخماً من الشعب. وربما يكون الاستنتاج غير من المريح من هذه الاحتجاجات هو أنه لا يمكن حكم لبنان دون حزب الله.
راينر سوليش
ترجمة: منى صالح
حقوق الطبع دويتشه فيلله 2007