"البنجاب الصغير"
وضعت الاعتداءات، التي وقعت في لندن في الـ7 من تمّوز/يوليو من هذا العام، المجتمع البريطاني الذي يمتاز بتعدد الثقافات على المحك. بيد أَنّ مثال ضاحية ساوثهولّ يظهر، أَنّه من الممكن إنجاز مبادرات اندماج وتكامل ناجحة من خلال شبكة بلدية تتكوّن من كل المجموعات العرقية. تقرير بترا تابيلينغ
من يسافر بالقطار إلى ضاحية ساوثهولّ اللندنية الغربية، يشعر على أَبعد تقدير عند نزوله من القطار بأَنّ الكثير من الأَشياء مختلفة هنا عما هي في داخل المدينة. فالهواء هنا يعبق بروائح البهارات، والأَعمدة الموجودة على أَرصفة المحطة مزيّنة بأَلوان متعدّدة حسب التقليد الهندي، واللوحة التي كتبت عليها عبارة "أَهلاً وسهلاً في ساوثهولّ" مترجمة إلى اللغة البنجابية.
وعلى مكان ليس ببعيد عن محطة القطارات يقع الشارع الرئيسي في ساوثهولّ، هذا الشارع التجاري الذي يعتبر الشريان النابض في الحي الذي يبلغ عدد سكانه حوالي 70000 نسمة. تصطف هنا محلات بيع زي الساري بجانب مطاعم هندية تقليدية، وتدوي موسيقى البنغرا من مكبرات الصوت الموجودة لدى أَكشاك بيع الموسيقى الكثيرة، أَما باعة المنغة الباكستانيون فيعرضون بضائعهم على الأَرصفة.
يجاور الكنيسة الكاثوليكية معبد هندوسي ضخم، أَما الحانة البريطانية التقليدية التي تقع في نهاية الشارع، فمنظرها لا يوحي إلاّ من الخارج بأَنّها بريطانية تقليدية، إذ من الممكن لزائرها استخدام النقود الهندية في داخلها.
تعتبر ضاحية ساوثهولّ، غير البعيدة عن مطار هيثرو، بمثابة الوجه متعدد الثقافات للعاصة البريطانية لندن. إذ تعود أُصول أَكثر من 70 بالمائة من سكان هذا الحي الحيوي إلى شبه القارّة الهندية: سيخ من البنجاب، مسلمون من باكستان وآخرون من بنغلادش وأَفغانستان. وليس من دون سبب يطلق اللندنيون اسم "البنجاب الصغير" على ضاحية ساوثهولّ.
يُذكّر هذا الحي بتراث مهاجرين عريق: ففي العشرينات من القرن الماضي وفد إلى ساوثهولّ عمّال الصلب من مقاطعة ويلز وإيرلندا، وذلك عندما كانت فرص العمل لا تزال متوفّرة في الصناعة الثقيلة.
وفي الفترة ما بين الخمسينات حتى السبعينات اجتذب هذا الحي الكثيرين من المهاجرين القادمين من شبه القارّة الهندية، الذين لا تزال أَجيالهم الثانية والثالثة تسكن فيه. ومنذ بضعة سنين يستوطن في هذا الحي أَيضًا مهاجرون من المناطق المنكوبة بالحروب، من الصومال وأوغندا وأَفغانستان أَو القادمون الجدد من أوروبا الشرقية.
مساعدة من أَجل مساعدة الذات
يقول جانبال لاسران، المشرف الاجتماعي العامل في هذا الحي: في هذه البلديات تساعد المجموعات العرقية الكثيرة بعضها البعض في شؤون الحضانة والصحة ورعاية كبار السنّ. لكن على الرغم من ذلك كان يوجد هنا أَيضًا - مثلما هي الحال في أَحياء أخرى من لندن - مظالم اجتماعية.
لهذا السبب بدأت المدينة قبل بضعة سنين بالقيام ببرنامج لتجديد حي ساوثهولّ. فهكذا تم على سبيل المثال تشييد مبنًى إداري، يقوم فيه جانبال لاسران باعتباره مدير إدارة تنظيم شؤون الأَهالي بتنظيم عمل الحي. فهو يقدّم مكاتب للمجموعات الدينية المختلفة، ويوفّر لهم حواسب وهواتف وأَجهزة تصوير، وذلك لكي يتسن لهم إتمام عملهم مع بعضهم البعض بصورة أَحسن وأَكثر فعالية.
توتّرات يمكن تكهّن عواقبها
لا يزال ساوثهولّ يجتذب الكثير من المهاجرين مثل ذي قبل، ليس فقط بسبب توفّر فرص العمل في مطار هيثرو الذي يقع على مقربة منه، وليس لأَنّ أَجارات البيوت وتكاليف المعيشة أَرخص هنا عما هي في داخل مدينة لندن الفاحشة بالغلاء، إنمّا كذلك لأَنّ المهاجرين يبقون هنا على صلة مع أَبناء بلادهم.
يروي جانبال لاسران أَنّه على الرغم من نجاح التعايش ما بين المجموعات العرقية منذ عدة عقود وغالبًا من دون اضطرابات، بيد أَنّه يوجد أَيضًا توترات بينهم أَحيانًا. ففي السنين الأَخيرة صار يكتشف بعض الشباب هويّتهم الدينية، سواء أَكانوا من السيخ أو الهندوس أو المسلمين.
"لسوء الحظ فقد خلط الناس في الفترات الأَخيرة ما بين هويّتهم الدينية وهويتم القومية. فعندما قام بعض أَبناء الجالية الباكستانية برفع علم الباكستان في كل أَرجاء الحي أَثناء احتفالهم بعيد الفطر، قامت كذلك مجموعات عرقية أخرى بإخراج أَعلام بلادها. وقد أَدّى ذلك إلى جدالات وتوترات" حسب وصف جانبال لاسران.
ومع ذلك فإن الهدف المعلن لبرنامج التنمية الحكومي هو توطيد وتحسين تماسك المجموعات العرقية المختلفة بالتدريج.
حوار ما بين الثقافات على الأَثير
إنّ هذا ما تسعى إليه إذاعة "ويست سايد راديو" Westsideradio، الإذاعة متعددة الثقافات الأولى في ساوثهولّ، والتي تبث من المبنى الإداري في ساوثهولّ وتمثّل جزءً ضروريًا من نشاطات الأَهالي في الحي.
والكثيرون ممن يعملون في الإذاعة هم صوماليون أو هنود أو باكستانيون - قادمون جدد إلى المملكة المتحدة أو أَنّهم ممن ولدوا وترعرعوا في ساوثهولّ. وإذاعة حيّهم تبث على الهواء منذ أَسابيع قليلة؛ يتم تمويل مشروع الأَهالي هذا في ساوثهولّ من قبل بلدية لندن وبعض الأَفراد.
يقوم يوميًا خمسة وثلاثون ديجي DJ's ومذيع ببث برامج الإذاعة من ساوثهولّ، طيلة ثمان ساعات تتخللهها موسيقى عالمية ونشرات أَخبارية - باللغة الانكليزية والهندية والبنجابية والصومالية.
تقدّم إذاعة ويست سايد راديو برامج استعلامية حول عروض إرشادية للاجئين، وعن إمكانيات الرعاية والحضانة للأطفال على مدار اليوم، ومساعدات عملية للاندماج، وعن المشاركة في نشاطات الهيئات التابعة للبلدية أو عن لقاءات ما بين الأَديان أو عن الأَعياد.
يسعى محررو الإذاعة إلى تناول بعض المشاكل، التي تقع لسكان ساوثهولّ ولا يتم تناولها في وسائل الإعلام المحلية الأخرى.
كما أَنّ قوة هذه الإذاعة الجديدة تكمن في عملية عكس التنوّع الثقافي في ساوثهولّ، على حد قول هارمي بالدا، أَحد منظمي هذا المشروع الإعلامي. فهو لا يرى في هذه المبادرة فقط إمكانية لإيجاد وتحديد الهوية الخاصة بالمجموعات العرقية والدينية، إنما كذلك فرصةً كبيرة للحوار ما بين هذه المجموعات.
وذلك قبل كل شيء منذ الاعتداءات الإرهابية التي وقعت في لندن في الـ7 من تمّوز/يوليو. يقول هارمي بالدا: "من المؤسف أَنّه صار يشار الآن بالأَصابع على الجالية المسلمة. لهذا السبب نريد من المسلمين أَنْ يتحدّثوا أَكثر في إذاعتنا عن أَنفسهم، بحيث نفهم المزيد عن دينهم".
وهارمي بالدا، ابن عائلة المهاجرين الباكستانيين الذي درس في أَلمانيا، يحمل رسال بسيطة: "نحن مجموعة سعيدة هنا. وإذا ما ازداد عدد المهاجرين القادمين إلى هذا البلد، فإن ذلك لا يهيّء فقط فرصة للتعايش والألفة، إنما كذلك لمعايشة ومشاهدة الثقافات المختلفة. دعونا نستمع ببساطة لقصصهم والتشارك فيها سوية".
بقلم بترا تابيلينغ
ترجمة رائد الباش
حقوق الطبع قنطرة 2005
بيترا تابلينغ صحفية ألمانية مقيمة في كولونيا، متخصصة في مواضيع الأقليات في المجتمعات الأوربية.
قنطرة
"الطائفة المسلمة": اختراع أوروبي
تعكس النظرة الأوروبية الى المهاجرين من الجزائر وتركيا والباكستان والعراق أو دول أخرى على انهم ينتمون الى "طائفة مسلمة" متجانسة رؤية جوهرية واستعمارية جديدة ل "الغير" التي تحمل عواقب سياسية سلبية، حسب رأي حازم صاغية وصالح بشير.
داوود عبد الله نائب الأمين العام للمجلس الإسلامي البريطاني
تعهد المجلس الإسلامي البريطاني بعد هجمات السابع من تموز/يوليو في لندن بمعالجة مشكلة التطرف وبالعمل بشكل حثيث مع الحكومة البريطانية. داوود عبد الله، نائب الأمين العام للمجلس الإسلامي البريطاني يتحدث عن الخطوات التي يقوم بها المجلس لاحتواء الاتجاهات الإسلامية المتطرفة في بريطانيا.
الإسلام ومسلمو الغرب
ينصح أفتاب مالك المسلمين بضرورة استعادة الصورة الحقيقية لدينهم الذي قد يستغله البعض لتحقيق أهداف سياسية. وينادي بضرورة احتضان الشباب المسلم والتقرب منه لمنعه من الوقوع في شرك التطرف والكراهية.