أول مسلم رئيسًا لمجلس محلي في هولندا

يتبوأ أحمد مركوش منصب رئيس المجلس المحلي لضاحية سلوترفارت في أمستردام، وهو أول مسلم يشغل منصبًا كهذا في هولندا. ينتمي مركوش للحزب الاشتراكي الديمقراطي. الصحفية كيرستين شفايغهوفر تحدثت معه وكتبت هذا التقرير

ساحة أوغوست آليبيباز - بلاس في ضاحية سلوترفارت في أمستردام: نساءٌ يرتدين الملاءات الطويلة، يعبرن لاهثات وهن يحملن أكياس المؤونة ليختفين في الأحياء السكنية الرمادية. واجهات المبني مزروعةٌ بالصحون اللاقطة، فيما يرفرف الغسيل المعلق على الشرفات.

يقطن في سلوترفارت 45 ألف نسمة معظمهم من الوافدين ذي الأصول المغربية. وقد غدت ضاحية سلوترفارت مشهورةً لأن عددًا من أعضاء "مجموعة هوفشتات" المجموعة الإسلامية الإرهابية قد نشأت وترعرعت هناك. وكذلك الحال بالنسبة لمحمد بويري قاتل المخرج السينمائي الهولندي تيو فان غوخ.

غدا أحمد مركوش رئيسًا للمجلس المحلي لضاحية سلوترفارت بُعيد الانتخابات المحلية التي جرت في عام 2006. وقد أصبحت سلوترفارت معروفةً لأن عددًا من أعضاء المجموعة الإسلامية الإرهابية "مجموعة هوفشتات" نشأت وترعرعت هناك. أما أخبار الاشتراكي الديمقراطي ابن الـ 41 عامًا فتتصدر الصحف مرارًا وتكرارًا ليس فقط لأنه أول مسلم يتبوأ منصب رئيس مجلس محلي في هولندا.

فتصريف الأعمال السلس في الدوائر الرسمية الهولندية التي تتعامل بالعادة بالتي هي أحسن، وتسعى لحل الأمور بالرضى، ولا تتجاوز حد الأقوال، هراءٌ بالنسبة لأحمد مركوش الرجل الحازم، وهو الأمر الذي لا يجعله محببًا لدى الجميع.

"إنه يسيء لسمعتنا"

تقف مجموعةٌ صاخبةٌ من الشباب المغاربة اليافعين أمام دكان بائع الخضار التركي لتمضي فترة الاستراحة بين الحصص المدرسية. وتبقى علاقاتهم محصورةً فيما بينهم، وبالكاد يتواصلون مع أقرانهم الهولنديين.

"أن تكون مغربيًا يعني أن تبقى مغربيًا إلى الأبد!" كما يتصور أحد هؤلاء الشباب. لذا لم يبق لرئيس المجلس المحلي مكانةً واعتبارًا عندهم. أحمد مركوش، من مواليد المغرب، كانت إحدى إجراءاته الأولى أن استدعى الآباء المغاربة إلى مكتبه في المجلس البلدي، ليتحدث معهم عن أولادهم وعن مشاكل هؤلاء، وليوجِّههم –بحديثٍ من مسلم لمسلم.

يشتمه الشباب: "إنه يسيء لسمعتنا. ولم يعُدْ مغربيًا قط، بل أمسى هولنديًا. وهو بذلك خائن".اعتاد أحمد مركوش على ردود أفعالٍ من هذا النوع. والجدير بالذكر أن ابن الـ 41 عامًا يُعتبر وافدًا مثاليًا: فقد عمل ممرضًا، ونجارًا، وفي المصانع قبل أن يتخرج من مدرسة الشرطة ويعمل لمدة عشر سنوات شرطيًا في شوارع أمستردام.

رد الاعتبار لضاحية سلوترفارت

والآن يخوض أحمد مركوش تجربةً في حقل السياسة، رافعًا هدفًا مفاده: رد الاعتبار لضاحية سلوترفارت بعد أن غدت ضاحيةً بائسةً ذاع صيتها السيئ. ويقول أحمد مركوش: "بالطبع هناك مواطنون يرون فيَّ تهديدًا، وهم من الهولنديين الأصليين ومن الوافدين على حدٍّ سواء. وهؤلاء يتمنون لي أسوأ الأمراض وينعتونني بالخائن".

بيد أنه يسمع كمًّ لا بأس به من الإطراءات أيضًا. وكثيرٌ من المسلمين فخورون به، لأنه يعطيهم إحساسًا بالانتماء إلى موطنهم الجديد.

فمن خلال ظهوره الحيوي، ومصافحته الواثقة، ونظرته الثاقبة التي تُطلقها عيناه الداكنتان الفاحصتان، يترك أحمد مركوش بلا شكٍ انطباعًا بأنه لا يدع أحدًا يخدعه البتة. وقد لاحظ الجناة المغاربة اليافعون ذلك بشكل خاص عندما كان شرطيًا يعمل في شوارع أمستردام ويهتم بهم.

وكانت قد أوكلت إليه ولستة من رجال الشرطة المسلمين مهمة إعادة الاتصال بالمواطنين المسلمين بعد أن فقدها زملاءهم بالكامل.

خبير بمكافحة التطرف يتولى مهمة الوساطة

لم يستدع مركوش الكثير من هؤلاء الشباب شخصيًا إليه وحسب، بل استدعى أيضًا أولياء أمورهم. واعتمد الآن من جديد على التحادث مع أولياء الأمر ومع الأئمة كما كان يفعل من قبل:

"يلعب الأئمة وأولياء الأمر دورًا جوهريًا. عليهم أن يتعلموا تحمل مسؤولياتهم. فقد بلغ السيل الزبى، وفي كل الأحوال سيحتاج الأمر إلى عشرات السنين حتى يعود هذا المجتمع إلى وضعٍ سليم. ولكن لا بد للأئمة ولأولياء أمور الشبان من أن يرشدونهم إلى الطريق القويم. عندها لن يكون بمستطاع الكراهية أن تسممهم".

ضاحية سلوترفارت هي المنطقة الإدارية الأولى في هولندا التي وظفت ما يسمى خبيرًا في مكافحة التطرف من أجل حماية الجيل الناشئ من المتطرفين الإسلامويين، وأوكلت لهذا الخبير المُلِم بالإسلام مهمة الوساطة بين المواطنين المسلمين والجهات المسؤولة.

حيث يوضح الكثير من الأمور للمرشدين الاجتماعيين ويحاول كسر المحرمات، بحيث يقبل المواطنون المسلمون التحدث عن مشاكلهم مع الجهات المحلية التي تقدم يد العون. وقد توصّل هذا الخبير الآن لأن تُلقي المساجد الخطب الدينية في سلوترفارت باللغة الهولندية.

لا بد من إنشاء مدارس جيدة

يتم عقد جلسات نقاش مع الشبان المسلمين هناك، ويدعى أيضًا مسيحيين لحضور هذه الجلسات. أسلوبٌ يتوخى تعليم الجيل المسلم الناشئ التفكير المستقل والتحاور.

ويقول رئيس المجلس المحلي بهذا الصدد: "بهذا لا يبقون غنيمةً سهلةً للمتطرفين"، ويضيف هكذا "يترعرع المسلمون الناشؤون في سلوترفارت ليصبحوا مسلمين هولنديين".

لكن على المجلس المحلي أن يقوم بإنجاز واجباته أيضًا كما يؤكد أحمد مركوش. ويبدأ هذا بأشياء بديهيةٍ تمامًا، كالإدارة الجيدة لجمع النفايات مثلاً. ويقوم المجلس المحلي منذ تولي مركوش رئاسته بإصلاح مصابيح الشوارع المعطلة أو حاويات النفايات المحطمة بالسرعة المطلوبة. ويعتمد المجلس برامج لترميم المدينة إلى جانب ذلك، ويجري تجديد شوارع بأكملها حاليًا.

ويقول أحمد مركوش: "نحن نحتاج أيضًا إلى مدارس جيدة. فغالبًا ما تُشكل هذه المدارس الفرصة الوحيدة لأولاد العائلات الفقيرة. وإذا انتهى الأمر بهم ودخلوا أسوأ مدارس البلد، فلا غرابة بعدئذ من نشوء شرائح اجتماعية متدنية".

رمز للحزم

ينطق أحمد مركوش بما يفكر به الكثيرون من أخصائيي علوم الاجتماع والفلاسفة، ممن يرون في مهاجرٍ مسلمٍ -يناضل بوصفه رئيسَ مجلسٍ محليٍ من أجل رفع المستوى المعيشي في ناحيته- أمرًا يدلُ على أن هولندا تسير على الطريق الصحيح نحو استقرارٍ وتوازنٍ جديدين بما يخص سياسات الاندماج.

هذه القناعة يمتلكها أيضًا فيلسوف الثقافة أد فيربروغه Ad Verbrugge من مدينة أمستردام: "في نهاية المطاف هناك نتيجة إيجابية للتطورات التي حصلت بعد الاعتداء على تيو فان غوخ. الجالية المسلمة كانت سلبية لفترات طويلة جدًا وكانت تنظر إلى نفسها على أنها ضحية. أما الآن فيرى المسلمون على نحو مضطرد أن باستطاعتهم الإسهام في عملية الاندماج وأن عليهم أن ينشطوا بأنفسهم". أحمد مركوش هو واحدٌ منهم. هذا هو السبيل الوحيد لتجسير الهوة القائمة بين المواطنين المحليين والوافدين.

إلا أن هذا لا يتم حسب رأي الأخصائيين دون سياسةٍ حازمةٍ جديدة. ويُعتبر مركوش رمزًا لهذه السياسة. ويقول فيربروغه بهذا الصدد أن زمن عدم الالتزامات قد ولّى إلى غير رجعة: و "لا يمكن توفير مستقبل للجيل الشاب في أحياء كسلوترفارت إلا بهذا الأسلوب. ولا يمكننا مواجهة المشاكل الاجتماعية الهائلة هناك إلا بهذا الأسلوب. مشاكلٌ تواجهها أوروبا برمتها! ولا زال الوضع عندنا جيدًا إذا ما قارناه مع الوضع في مناطق أخرى!". إذ أن الكثير من المدن الأوروبية الكبيرة -كباريس مثلاً- لديها أحياء تفوق صعوبة العيش فيها صعوبة العيش في سلوترفارت.

كيرستين شفايغهوفر
ترجمة يوسف حجازي
حقوق الطبع قنطرة 2007