إحباط وفشل في "عناقيد العذاب"
بما أنها كانت تُعتبر غريبة الأطوار فكانت تفعل ما يحلو ويروق لها ويخطر على بالها. كانت نادية بالنسبة لأمها وصهرها كافرة مرتدة خانت شعبها ودينها. فهي ترفض ارتداء الحجاب، كما ترفض الزواج من عربي والمصيبة الكبرى أنها تدرس في الجامعة. أما في نظر الفرنسيين فتبقى أفريقية عربية من الضواحي. هذا وضع طبيعي للكثيرين، عائلات بأكملها تتشقق وأناس تنهار نتيجة صدام الحضارات.
زُوجت أخت نادية في السادسة عشرة من عمرها، للرجل العربي قادر. وعندما امتلئ غطاء السرير بدم البكارة في ليلة العرس شعر بالفخر: "كانت دموعها تذرف وتشكو من ألم في بطنها. استمر النزيف طويلاً وهذا ما ملأه بالنشوة، فكلما تدفق الدم أكثر ازداد شموخه أكثر، فسيل الدماء دليل على قوة رجولته."
عندما بلغت نادية سن الثالثة عشر أنتُزع منهم بيتهم الذي بنوه بأنفسهم: "بيت أبيض، جدرانه غير مستوية الشكل يشبه تلك البيوت المذكورة في إعلانات المكاتب السياحية عن شبه جزيرة بيلوبونيسوس اليونانية. بيت له سبع عشرة نافذة وعدة شرفات."
آباء تضرب أبناءها وأبناء لا تحترم آباءها
حارب العمدة الشيوعي الفرنسي الذي أمر بهدم المنزل ضد جبهة التحرير الوطنية في الجزائر. هذه أمثال عن أنماط حياة العرب في فرنسا:
منعت السلطات الفرنسية الأب بشير من ضرب أبناءه الخمسة، فلم يعد يفهم العالم من حوله: "كان الجميع في وطني يضرب أبناءه." ولكن هذا الأمر ممنوع في فرنسا. والنتيجة الآن أن الأبناء لم تعد تُبدي أي احترام تجاه والدهم ويتعاطون المخدرات. لدى عائلة غريب ولدان، أحدهم وراء القضبان والآخر يعمل لصالح المافيا.
ثمة عرب يعيشون نمط آخر من الحياة: كان نورالدين ابن عم ناديا من صغار المجرمين، يتعاطى الحشيش إلى أن التقى بعصابة من نوع آخر:
"كانت مهمتها نشر الإسلام في ضاحيتنا ونور الدين وقع في ايديهم مثل التفاحة الناضجة، فأطلق لحيته وفرض طريقة حياة جديدة في البيت: أجبر والدته وأخواته الثلاث على ارتداء الحجاب وإقامة الصلاة جماعة ومنعهم من تناول الطعام من أموال أبيه لأنه كان يملك حانة لبيع المشروبات الروحية."
وتيرة متسارعة متطاردة
يروي الكاتب طاهر بن جلون الفرنسي من أصل مغربي في كتابه "عناقيد العذاب" الكثير من تلك القصص القصيرة الواقعية .
ويترك الكاتب نادية في روايته المتسارعة المتطاردة الأحداث تروي عن حياة كل تلك الناس وظروفهم والتغيرات التي يتوجب عليهم القيام بها للتمكن من العيش في عالمين غريبين، فكيفما استداروا اصطدموا بحواجز، سواءً كانت تقاليد عائلاتهم أو حداثة محيطهم. أما ردات الفعل فتختلف باختلاف الأشخاص: عندما نجحت نعيمة في العمل في مجال الدعاية والإعلان، نعتها والدها على أنها ساقطة واعتبرها من الأموات.
أما الشابة كبيرة فانتحرت بقطع شراين معصمها بعد أن أخذها والدها مع أخواتها يمينة وروزا خلال العطلة المدرسية إلى قريته وحرق جوازات سفرهن وتركهن في عهدة أخيه الذي ما برح يضربهن ويمنعهن من الخروج.
قصص معتادة مخيفة
إنها لقصص مفزعة تلك التي تحدث في تلك الضواحي التي يسميها بن جلون "مدينة البواقي"، قصص واقعية من الحياة اليومية تحكي عن الأحكام المسبقة وطرق التربية القاسية وعن السياسة العاجزة والقسوة اليومية.
للأسف لم يحك بن جلون من تلك الأحداث رواية بالمعنى المعروف، بل سرداً فياضاً سياسي التوجه متسارع الوتيرة محرضاً غاضباً غير مجدي عن شابة مكتوفة الأيدي لا حيلة لها ولا قوة بحاجة إلى تفريغ شحنة غضبها.
على قدر ما يتميز به الكتاب من مشاركة وجدانية إلا أنه متعب. تعج صفحات بأكملها بأسئلة فوق أسئلة وتهجمات غاضبة وشعارات سياسية رنانة: هذا الأسلوب غير مشجع في الواقع، فالقارئ يترك الكتاب جانباً منهكاً متعباً بعد قراءة نصف المائة والعشرين صفحة على أقصى تقدير.
بقلم جورج باتزر
ترجمة منال عبد الحفيظ شريده
حقوق الطبع قنطرة 2007
قنطرة
الإتجاه جنوبا!
الطاهر بن جلون الكاتب الذي يعد فرنسيا أكثر من أي كاتب مغربي آخر يعود بنا في هذا اللقاء إلى روايته الأخيرة ويحدثنا عن ظاهرة الهجرة على أبواب الاتحاد الأوروبي، عن "أبناء أوروبا المدللين"وعن بلاده الأصلية. برونه أنطوان لتقته في باريس وقدمت هذه الصورة القلمية عنه
البرابرة قادمون!
بعد بدء مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي يرى الكاتب المغربي طاهر بن جلون أن المغرب العربي هو المرشح القادم، لأنه يرى أن هناك العديد من الروابط التاريخية المشتركة مع أوربا.
www