دعوة الإرهابي النرويجي بريفيك لحمل السلاح

يرى ايان بوروما، أستاذ في الديمقراطية وحقوق الانسان في كلية بارد، أن كتابات جيرت فيلدرز وغيره من المدونين المعادين للاسلام لم تدعُ الى العنف الجسدي، غير أن كتاباتهم وتصريحاتهم كانت هستيرية ومليئة بالكراهية لدرجة انها حرضت شخص لا يتمتع بعقل سوي على ارتكاب جريمة في النرويج تحت مسمى الخوف من الإسلام.



دعونا نفترض لغايات النقاش بإن جيرت فيلدرز السياسي الهولندي والمقتنع بإن اوروبا هي في " المراحل الاخيرة من الاسلمة " محقا فيما يقوله وبإن اندريس بريفيك القاتل الجماعي هو شخص مجنون. لقد ذكر فيلدرز على موقع تويتر : " ان من المقزز ان هذا الشخص المضطرب العقل قد اضر بالمعركة ضد الاسلمة حيث ان ما فعله هو عبارة عن صفعة في وجه الحركة العالمية المعادية للاسلام ". ان هذا الافتراض ليس افتراضا خياليا فقتل اكثر من 60 شابا بريئا في مخيم صيفي ببندقية هجومية بعد تفجير جزء من وسط اوسلو هو تصرف شاذ من الناحية الاخلاقية وهو تصرف لا يحلم معظم الناس العقلاء بفعله .


ان هذا الكلام ينطبق ايضا على مجموعة من الشباب والذين يقررون الانتحار وارتكاب جريمة قتل جماعية عن طريق ضرب مباني عامة ضخمة في نيويورك وواشنطن بطائرات تجارية. لكن بريفيك او ارهابيو الحادي عشر من سبتمبر لم يرتكبوا اعمل القتل بدون سبب كما يفعل بعض مطلقي النار العدميين . ان الاسلاميين ينظرون الى اعمال القتل الجماعي العشوائية التي يقومون بها ليس كعمل من اعمال الاثارة لاغراض الدعاية الشخصية ولكن كتكتيك في حرب مقدسة ضد الغرب الفاسد والخاطىء. لقد اعتقد بيرفيك انه احد مقاتلي الطرف الاخر فلقد كان هدفه هو حماية الغرب من الأسلمة. ان اعداءه لا يقتصرون على المسلمين فقط ولكن ايضا النخبويين الغربيين الليبراليين واولادهم والذين يدمرون اوروبا من الداخل وذلك من خلال " التعددية الثقافية " و " الماركسية الثقافية ".

"إعلان الاستقلال الأوروبي"

جيرت فيلدرز
شكلت كتابات جيرت فيلدرز مصدر إلهام لمرتكب جريمة الترويج بريفيك

​​ان ما كتبه بيرفيك في واقع الامر في بيانه غير المترابط والذي يحمل عنوان إعلان الاستقلال الأوروبي لا يختلف كثيرا عن كلام الشعبويين من امثال جيرت فيلدرز وبالطبع كان هناك كلام اخر كثير في البيان – على سبيل المثال التخيلات المتعلقة باحياء نظام فرسان الهيكل من العصور الوسطى- يوحي بنزعة اكثر غرابة ولقد سارع فيلدرز الى النأي بنفسه عن اساليب بيرفيك العنيفة. ان السياسي الاوروبي اليميني الوحيد الذي كان كان مستعدا للدفاع عن بيرفيك هو فرانسيسكو سبيروني من الرابطة الشمالية الايطالية وهي جزء من حكومة سيلفيو بيرلسكوني . لقد قال سبيروني " ان افكار بيريفك تدافع عن الحضارة الغربية ".
اذن ، هل يتوجب علينا ان نتعامل بشكل جدي مع الاسباب الايدولوجية التي يستخدمها القتلة من امثال بيرفيك وارهابيي الحادي عشر من سبتمبر من اجل تبرير جرائمهم ؟


لقد قام كاتب ألماني يدعى هانز ماجنوس اينزبيرجر قبل عدة سنوات بكتابة مقال رائع عن "الفاشل الراديكالي". إن الفاشلين الراديكاليين هم في معظم الحالات من الرجال الشباب الذين يشعرون بالغضب الشديد بسبب افتقادهم لاحترام الذات من الناحية الثقافية والاقتصادية والجنسية وتجاهل العالم لهم مما يجعلهم يتوقون الى عمل انتحاري ينطوي على تدمير كبير. إن أي شيء يمكن ان يكون بمثابة الشرارة لمثل هذا التصرف : أن ترفضه فتاه أو أن يتم فصله من العمل أو يرسب في امتحان ما واحيانا يحاول القتله ان يتوصلوا الى تبريرات ايدولوجية مثل بناء الاسلام النقي او الصراع من اجل الشيوعية أو الفاشية أو انقاذ الغرب.

 

إن هذه الافكار بحد ذاتها ليست مهمة فهي الافكار التي صادف وجودها بسبب النمط السائد او غيره من الظروف التاريخية وعندما يكون عند الفاشل الراديكالي مزاج للقتل فأي سبب سيكون كافيا. ربما يكون هذا الكلام صحيحا ولكن هل هذا يعني انه لا يوجد رابط على الاطلاق بين الاراء المعلنة لرجال الدين او السياسيين الراديكاليين والافعال التي يتم ارتكابها بإسم ارائهم ؟ ان هناك اخرين يحذرون من توجيه اصابع الاتهام الى فيلدرز فقط لإن بيرفيك اعترف بإنه معجب به ويقولون ان افعال قاتل مجنون يجب ان لا يتم استخدامها من اجل تشويه ما يمثله فيلدرز . ان القول بإن التعددية الثقافية هي فكرة مثالية خاطئة أو ان الاسلام يتعارض مع الاراء الاوروبية الغربية المعاصرة المتعلقة بالمساواة بين الجنسين أو حقوق المثليين الجنسيين أو ان الهجرة سوف تتسبب في صراعات اجتماعية خطيرة لا يعتبر كلام غير عقلاني أو اجرامي.


الهجرة والعداء للإسلام


الكاتب الألماني  هانز ماجنوس اينزبيرجر
"إن الفاشلين الراديكاليين هم في معظم الحالات من الرجال الشباب الذين يشعرون بالغضب الشديد بسبب افتقادهم لاحترام الذات من الناحية الثقافية والاقتصادية والجنسية وتجاهل العالم لهم"

​​لقد كان اول اشخاص يطرحون تلك الاراء في التسعينات هم اشخاص محافظين يحظون بالاحترام وبعض الديمقراطيين الاجتماعيين . لقد كانت تلك ردة فعل هولاء على المؤسسة الليبرالية المعتدة بنفسها والتي كانت تنظر الى كامل الفكر النقدي المتعلق بالهجرة او بالمعتقدات والتقاليد غير الغربية على انها عنصرية وتعصب. بينما لا يوجد اي خطأ من حيث الجوهر فيما يتعلق بمناقشة العواقب الاجتماعية للهجرة على نطاق واسع من الدول الاسلامية ، فإن بعض الشعوبيين من الدنمارك وفرنسا والمانيا وبلجيكا وبريطانيا وغيرها من الدول ذهبوا في ارائهم الى ابعد من ذلك بكثير ففيلدر على وجه الخصوص يحب ان يستخدم عبارات توحي بالنهاية الحتمية مثل قوله " ان انوار اوروبا سوف تنطفأ" و " مجرد قدرة الغرب على البقاء " كما قال فيلدرز ان المشكلة لا تتعلق بجانب معين من الاسلام الثوري العنيف ولكن الاسلام نفسه واضاف : " لو اردت ان تقارن بين الاسلام وأي شيء اخر فقارنه بالشيوعية او الاشتراكية الوطنية – ايدولوجية شمولية."


ان هذه لغة حرب وجودية وهي من اخطر انواع الحروب ولقد تم بشكل متعمد احياء المصطلحات المستخدمة في الحرب العالمية الثانية. ان اولئك الذين يعارضون العدائية الراديكالية لجميع اشكال الاسلام ينظر اليهم على انهم " مهادنين للفاشية الاسلامية أو متعاونين معها ". بالنسبة للبعض فإن هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2011 تشبه سنة 1938 أو سنة 1940 فبقاء الحضارة الغربية نفسها مهدد .اذن هل كان من المفاجىء ان يقوم بعض الاشخاص بالخلط بين الكلام الخطابي والدعوة لحمل السلاح؟


ان من المؤكد ان جيرت فيلدرز ولا حتى المدونين المعادين للاسلام والذين تتزايد اعدادهم في الولايات المتحدة الامريكية من امثال سكوت سبنسر و باميلا جيلر ( واللذين استشهد بيرفيك كثيرا بتصريحاتهم في بيانه) قد دعوا الى العنف الجسدي . لكن كتاباتهم وتصريحاتهم كانت هستيرية ومليئة بالكراهية لدرجة انها حرضت شخص لا يتمتع بعقل سوي . ان من العجيب ان تفسير بيرفيك لكلامهم هو اكثر منطقية من فكرة امكانية شن حرب من اجل البقاء بالكلام فقط .

 

ايان بوروما
حقوق النشر: بروجيكت سنديكت 2011

ايان بوروما هو أستاذ في الديمقراطية وحقوق الانسان في كلية بارد ومؤلف كتاب ترويض الالهه : الدين والديمقراطية في ثلاث قارات.