ضحايا من دون لوبي وناجون خارج الذاكرة
لقد كان الاسم الذي أطلق على هذه العمليات العسكرية هو اسم سورة من القرآن:"الأنفال"، أي الغنائم انطلقت في ربيع عام 1988 الحملة العسكرية الكبيرة التي قام بها الجيش العراقي ضدّ السكان الأكراد في شمال العراق. وفي الذكرى العشرين لعمليات الأنفال اجتمعت مجموعة من الخبراء في برلين مع ممثِّلين عن ضحايا الأنفال. كان الغرض من هذا الاجتماع خلق آفاق من أجل المعالجة الملحة لمعاناة الضحايا.
"الزمن لا يشفي الجروح. فالجروح تُورَّث من جيل إلى جيل آخر" - بهذا التحذير الذي جاء على لسان الدكتور دافيد بلومفيلد، بدأ الحوار حول إمكانيات تجاوز الماضي في العراق. كذلك نوَّه الدكتور دافيد بلومفيلد الذي تابع حتى الآن عمليات المصالحة في رواندا وإيرلندا الشمالية إلى أنَّه لا يمكن التوصّل إلى مصالحة بشكل إجباري. "يجب أن يقرِّر الضحايا إن كانوا سيغفرون للجناة ومتى". بيد أنَّ التجارب تظهر أنَّ ضحايا العنف والاضطهاد مستعدون للمصالحة فورما يشعرون بأنَّهم سيعاملون من جديد بعدالة وإنصاف.
على هامش المجتمع
لا يزال ضحايا الأنفال ينتظرون مثل ذي قبل معاملتهم بعدالة وبإنصاف. وشزادة حسين محمد واحدة من بين هؤلاء الضحايا اللواتي ينتظرن، إذ تم تهجيرها واختطافها عندما كانت شابة. لقد فقدت زوجها مثلما فقدت كلَّ أقاربها. ولم يبق لها سوى ابنة واحدة. تعيش شزادة حسين محمد منذ عامين في مخيَّم مؤقت وذلك لأنَّ قريتها قد دمِّرت. وهي تطالب بمقاضاة الجناة السابقين وبمعاقبتهم.
تقول الكردية شزادة حسين محمد إنَّه لم يهدأ لها بال منذ ذلك قطّ إلاَّ عندما استدعيت في عام 2006 كشاهدة في قضية الأنفال الأولى. لكن كذلك لقد حان الوقت الآن لكي يفكِّر المجتمع الدولي بذنبه الذي اقترفه، على حد قولها: "يجب الآن على الدول التي كانت تصدَّر أسلحة في تلك الفترة إلى العراق أن تتحمَّل المسؤولية".
لا تعتبر شزادة حسين محمد الضحية الوحيدة، إذ يقدَّر عدد الذين نجوا من عمليات الأنفال بحوالي عشرة آلاف شخص، معظمهم من النساء اللواتي لم يفقدن أقرباءهن فقط، بل فقدن كذلك ترابطهن الاجتماعي. كذلك يكابد الكثير منهنَّ حتى يومنا هذا حياة قاسية على هامش المجتمع. لا تزال نساء الأنفال غير متأكِّدات حتى الآن من بقاء أزواجهن على قيد الحياة، وذلك لعدم التمكّن من نبش القبور الجماعية التي يبلغ عددها أكثر من ثلاثة آلاف قبر جماعي بسبب الأوضاع الأمنية غير المستقرة. لا تزال حالة نساء الأنفال الاجتماعية غير محددة ومعلَّقة ما بين المتزوِّجات والأرامل. زد على ذلك أنَّ أطفال الأنفال وخاصة الفتيات منهم يوسمون بسمة عديمي الآباء.
صحيح أنَّ راتب التقاعد الذي تدفعه حكومة إقليم كردستان منذ عام 1999 لمن نجوا من عمليات الأنفال يخفِّف من قساوة الحياة ومتاعبها المادية، بيد أنَّ عملية إعادة دمجهم في المجتمع لم تحظ حتى الآن بالنجاح. وبدلاً من ذلك يتعرَّض ضحايا الأنفال دائمًا - حالهم في ذلك كحال باقي مجموعات الضحايا في العراق - لخطر استغلالهم وجعلهم وسائل وأدوات في أجندات سياسية.
لقد أصبح الآن ضحايا الأنفال دمية تتلاعب بها الكتل السياسية في معركة تنافسية ما بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان المحلية، حسب تحذير الخبراء الذين اجتمعوا في المؤتمر الذي تم عقده في برلين. يرى الخبراء أنَّ نتيجة هذه السياسة هي تجزئة المجتمع العراقي وشرذمته. الأمر الذي يؤدِّي إلى: "القضاء على روح التضامن".
لا بد من مواصلة محاكمات الجناة
كلناز عزيز قادر النائبة في برلمان إقليم كردستان عارضت هذا الرأي؛ إذ قالت إنَّ حكومة إقليم كردستان تعاني من نقص في الموارد المالية من أجل وضع مشاريع المعونة التي تم إعدادها من أجل مساعدة نساء الأنفال ضمن حيز التنفيذ. والمطلوب هنا هو تقديم المساعدة، حسب قول كلنار عزيز قادر. يجب على مصدِّري السلاح الغربيين وكذلك على الحكومة العراقية المركزية المشاركة في تعويض ضحايا الأنفال، على حد قولها؛ كذلك لا بد من مواصلة محاكمات الجناة التي بدأت في عام 2006: "إنَّها عملية طويلة الأمد لكنَّنا مصرون على المضي بها ومواصلتها".
لا شكّ في أنَّ الدور الأكثر إثارة للريبة في محاكمات الجناة في السنين القادمة سوف يؤدِّيه من يُطلق عليهم بالكردية اسم "الجحوش"، أي الأكراد المحتقرون باللهجة الكردية المحلية ممن كانوا يتعاونون مع نظام البعث. لقد صدر في عام 1999 عفو عنهم، وبدورها دافعت كلناز عزيز قادر عن قرار العفو بسبب قلقها على الأوضاع الأمنية، حيث قالت: "يجب علينا أن نمنع مواصلة سفك الدماء". كما أوضحت من برلين أن العفو عن الجناة الأكراد ساهم في جعل كردستان اليوم المنطقة الوحيدة التي يسودها الأمن والسلام في العراق.
أريانا ميرزا
ترجمة: رائد الباش
قنطرة 2008
قنطرة
محاكمة صدام حسين وزمرته:
الانتظار الطويل لنساء الأنفال
بدأت في الـ21 من شهر آب/أغسطس 2006 في بغداد محاكمة صدّام حسين الثانية مع ستة متّهمين آخرين في قضية الأنفال. يتابع الأكراد هذه المحاكمة باهتمام خاص، لا سيما وأنّها تتعلّق بعملية عسكرية لا يزال يعاني منها الكثير من الأكراد وقبل كل شيء النساء. بقلم ديرك بيتر
عالمة آثار ألمانية تساعد في الكشف عن مقابر جماعية:
عمل خطير وشاق
أن تكون أجنبياً وتعمل في العراق، يعني أن تعرض حياتك للخطر. لكن هذا بالضبط ما تفعله عالمة الآثار سينه ستويكه من مدينة بوخوم الألمانية، فهي تساعد منذ سنتين في الكشف عن المقابر الجماعية التي تعود إلى عهد دكتاتورية صدام، ومن ثم بالتعرّف على الضحايا. تقرير رالف بورشارد
مدرسة خاصة لأَطفال الأَكراد المغتربين العائدين:
غرباء في وطنهم
ترتفع أَعداد الأَكراد العراقيين المغتربن العائدين إلى وطنهم منذ سقوط نظام صدام حسين. كما يعود معهم أَطفال في سن الالتحاق بالمدرسة، نشأ معظمهم في دول الخارج. تم في العام 2004 تأسيس مدرسة خاصة بهم في مدينة السليمانية الواقعة في شمال شرق العراق ، بغية استيعابهم ضمن الثقافة الجديدة بالنسبة لهم. تقرير من أندريه فيرمير