موجة فصل محاضرين من جامعات إيران
اثنان وخمسون قرارَ فصلٍ جديداً من العمل: أثارت بهذا الخبر القصير صحيفةُ "اعتماد" اليومية الطهرانية في نهاية شهر آب/أغسطس 2023 موجةً من الاستياء. وبهذا الخبر أكملت هذه الصحيفة قائمة الأساتذة والمعيدين الجامعيين الذين تم فصلهم من وظائفهم في إيران خلال الأعوام القليلة الماضية. فمنذ عام 2005 تم فصل ما لا يقل عن مائة وسبعة وخمسين أستاذًا من الجامعات الإيرانية أو إيقافهم عن العمل أو إجبارهم على التقاعد، كما ذكرت صحيفة اعتماد باختصار.
وأضافت هذه الصحيفة أنَّ موجة الفصل من الجامعات استمرت أيضًا في شهر أيلول/سبتمبر 2023. ومن بين المتضرِّرين من موجة الفصل هذه أساتذةٌ أبدوا موقفًا معارضًا للنظام خلال الاضطرابات التي اندلعت في كلِّ أنحاء إيران بعد مقتل جينا مهسا أميني في خريف عام 2022، أو دعموا الاحتجاجات والطلاب المحتجِّين وندَّدوا بالمسار السياسي والاقتصادي والاجتماعي لحكومة إبراهيم رئيسي.
وفي قرارات الفصل الرسمية القليلة التي نُشرت في الأسابيع الأخيرة على شبكات التواصل الاجتماعي، تم تبرير الطرد من العمل بسبب سوء السلوك الأكاديمي أو انتهاء عقد العمل أو حتى بعدم توفُّر الكفاءة المهنية.
وقد ذكر بعض الأساتذة والمُحاضرين أنَّهم لم يتم إبلاغهم بفصلهم من عملهم كتابيًا بل فقط شفويًا على الهاتف - مثل باحثتين في علم النفس من جامعة العلامة الطابطبائي في طهران. وأكَّدت إحداهن -وهي آمنة علي- في حوار على أنَّها شاركت في احتجاجات العام الماضي 2022، ووقَّعَت على عرائض ودعمت الطلاب المحتجِّين. وقد أبلغت بشكل غير مباشر في نهاية الأسبوع الماضي الأستاذة في جامعة "تربية مُدرِّس" في طهران -سمية سيما- أنَّها فُصلت من عملها لأنَّها قرَّرت رفض "التَّبعية".
الولاء يعلو فوق الجودة
وظهرت في الوقت نفسه خلال الأسابيع الأخيرة إلى العلن تفاصيل خطة حكومية من المفترض أنَّها تهدف إلى توظيف خمسة عشر ألف أستاذ وكادر تعليمي جديد في الجامعات والكليات الإيرانية. وعلى الرغم من عدم تأكيد هذه التقارير لكن الحكومة لم تنفِها أيضًا حتى وقت كتابة هذا التقرير.
Sorge und Aufregung an einer Mädchenschule in #Teheran: Der Direktor hat die Mädchen gezwungen sich zu entkleiden,um versteckte Handies zu finden!
Die Eltern, völlig aufgelöst, dass ihre Kinder in der Schule derart in Gefahr sind. pic.twitter.com/RuCfuB5y1k
— Isabel Schayani (@isabelschayani) October 24, 2022
وفي المقابل تم تأكيد تعيين الـ "مدَّاح" سعيد حداديان في جامعة طهران؛ والـ"مدَّاح" -في إيران- هو منشد جنائزي يلقي أناشيد المديح الدينية بتكليف من الحكومة في المناسبات والاحتفالات الجماهيرية.
وزادت الدهشة والحيرة أكثر على شبكات التواصل الاجتماعي عندما تم الكشف عن وظيفة سعيد حداديان التعليمية الجديدة: فقد تم تعيينه معيدًا للأدب الفارسي في دراسات الماجستير. وسعيد حداديان هذا يُنشد في مناسبات دينية أمام جمهور من ضمنه أيضًا المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي. وهو ينتمي بذلك إلى دائرة القيادة السياسية الداخلية الأعمق في الجمهورية الإسلامية.
وكذلك تم التأكيد أيضًا على توظيف مذيعَين تلفزيونيَّين مثيرَين للجدل كمُحاضرَين في جامعة شريف النخبوية في طهران.
وفي هذا الصدد كتب باختصار علي ربيع -الذي عمل في السابق وزيرًا للعمل في حكومة حسن روحاني- في مقال نشرته صحيفة "اعتماد" اليومية: "الأساتذة البارزون يتم فصلهم لأنَّ السلطات تحمِّلهم المسؤولية عن اضطرابات العام الماضي 2022. ويحل محلهم أشخاص غير مؤهلين ولكن من المفترض أنَّهم موالون".
عواقب هذه السياسة على مستوى التعليم
ونظرًا إلى إعادة الهيكلة هذه في الجامعات الإيرانية فقد بدأ الخبراء يدقُّون ناقوس الخطر. إذ اعترضت في بيان صدر في شهر أيلول/سبتمبر 2023 رابطة الأساتذة الجامعيين الإيرانيين على "الفصل الجماعي" وَ "التوظيف الجماعي" للأساتذة والمحاضرين وكذلك على "أجواء الرقابة" وَ "الحدّ من استقلال الجامعات". واستقال مؤخرًا احتجاجًا على ذلك من لجنة اختيار المحاضرين في جامعة شريف النخبوية الأستاذ محمد رضا عارف، وهو سياسي معروف من المعسكر الإصلاحي ونائب الرئيس الإيراني السابق.
ولذلك يخشى الخبراء من أن تؤدِّي موجة فصل الكوادر التدريسية من العمل إلى تراجع مستوى الجامعات الإيرانية ضمن التصنيف العالمي، مما يؤدِّي إلى زيادة في هجرة العقول وإلى إحباط أكاديمي. ومن الأمثلة البارزة على هذه المخاوف قضية فصل الأستاذ علي شريفي زارچي من عمله.
لقد كان الأستاذ علي شريفي زارچي حتى وقت قريب أستاذًا في جامعة شريف النخبوية في طهران وأعلن مؤخرًا -قبل كتابة هذا المقال- عبر موقع إكس X (تويتر سابقًا) أنَّه قد تم انتخابه رئيسًا للجنة العلمية للأولمبياد الدولي للمعلوماتية (وهي مسابقة من أعرق مسابقات البرمجة التنافسية لطلاب المدارس الثانوية).
من المعروف أنَّ الأستاذ علي شريفي زارچي وقف إلى جانب المتظاهرين خلال الاضطرابات التي شهدتها إيران في العام الماضي 2022 وكان يُطلِع الرأي العام على اعتقالات الطلاب.
Undeterred by a brutal crackdown, male and female students at Sharif University in Tehran—considered Iran’s MIT—chant “freedom, freedom, freedom!”
— Karim Sadjadpour (@ksadjadpour) October 23, 2022
ولكن مع ذلك فقد أبدى أصحاب السلطة عدم اكتراثهم. حيث وصف أستاذ موالٍ للنظام في جامعة طهران عمليات الفصل هذه بأنَّها "طبيعية ومألوفة". وقال ردًا على الانتقادات إنَّ أداء الأساتذة والمعيدين تتم مراقبته بشكل مستمر وإنَّ العديد من العقود لم يتم تجديدها. وقد دعت مؤخرًا صحيفة گيهان اليومية المحافظة المتشدِّدة في طهران إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضدَّ "بعض الأساتذة والمعيدين" الذين "صبُّوا الزيت على نار المحرِّضين" خلال الاضطرابات التي تلت مقتل جينا مهسا أميني.
الشوق إلى الطاعة
وموجة فصل العاملين الحالية من الجامعات تُذكِّرنا كثيرًا بمرحلة انطلاق ما يعرف باسم "الثورة الثقافية" في إيران؛ وهي حملة سياسية أطلقها المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في ذلك الوقت ومؤسِّس جمهورية إيرن الإسلامية آية الله روح الله الخميني في عام 1980 -بعد وقت قصير من قيام الثورة الإسلامية- وكانت تهدف إلى أسلمة نظام التعليم الإيراني.
وفي تلك الحملة خلال ثلاث سنين فُصِل أكثر من سبعمائة أستاذ من وظائفهم وفصل آلاف الطلاب من دراستهم. وهذه القيود والإقالات من العمل ما تزال مستمرة منذ ذلك الحين وكثيرًا ما تصل إلى مستويات جديدة - من بينها ما بلغته في عهد الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد (2005 - 2013) وحاليًا في ظل حكومة إبراهيم رئيسي.
وهذه الحملة السياسية تهدف إلى تعزيز تأثير الدين في المجتمع وترسيخ نتائج الثورة الثقافية. وجمهورية إيران الإسلامية تواجه فقدانها السيطرة بإجراءات تزداد شدة باستمرار. ما يزال الحكَّام في إيران يتحدَّثون بعد أربعة عقود من تأسيس نظامهم عن "ضرورة خلق جيل ثوري".
ومن المفترض خلق هذا الجيل من خلال ثورة ثقافية وموجات مستمرة من الفصل من العمل في الجامعات وسياسة تعليم إسلامية صارمة. وهذه السياسة تركِّز بشكل خاص على العلوم الإنسانية. علمًا بأنَّ المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي يعتبر من أشدّ منتقدي "العلوم الإنسانية الغربية" وكذلك من أشدّ المدافعين عن ما يعرف باسم "العلوم الإنسانية الإسلامية".
وفي حوار مع موقع راديو فاردا الناطق باللغة الفارسية في براغ، ذكر المحاضر الجامعي داريوش رحمانيان - المفصول من عمله أيضًا - أنَّ هناك أطرافًا من النظام تعاني من نوع من "الرهاب الجامعي" وخاصةً في مجال العلوم الإنسانية. ولكن مع ذلك من المتوقَّع أيضًا أن تساهم أجهزة الدولة الأخرى في "خلق الجيل الثوري" هذا. فقد أعلنت في نهاية شهر تمُّوز/يوليو 2023 وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي عن نيَّتها ملء أربعمائة وظيفة إضافية - بشباب ناشطين موالين للنظام.
ومع ذلك فإنَّ السياسة الثقافية الدعائية في جمهورية إيران الإسلامية يتم تقييهما على أنَّها فاشلة من قِبَل العديد من النقَّاد. وبحسب النقَّاد فإنَّ هذا الفشل يتَّضح في حقيقة أنَّ جيل الشباب بالذات -الذين كان من المفترض أن يتم تلقينهم من خلال نظام التعليم "الإسلامي" في إيران بعد الثورة- يحتجُّون منذ عام على قواعد اللباس ويهزُّون بذلك ركنًا أساسيًا في نظام قيم الجمهورية الإسلامية.
وفي الواقع أنَّ عمليات الفصل الجماعي والضغط على الطلاب كانت تهدف أيضًا إلى إيجاد تأثير رادع ومنع حدوث اضطرابات جديدة قبل وقت قصير من ذكرى وفاة جينا مهسا أميني في السادس عشر من أيلول/سبتمبر. وتسير في هذا الاتجاه أيضًا استدعاءات واعتقالات الناشطات والناشطين وأفراد عائلات المتظاهرين الذين قُتِلوا في احتجاجات العام الماضي 2022.
ووزير العمل السابق علي ربيع متأكِّد من أنَّ هذه الاجراءات سيثبت أنَّها خاطئة أيضًا. وحول ذلك كتب علي ربيع في مقال صحفي: "على العكس من الهدف المقصود الرامي إلى جعل الجامعات أماكن غير سياسية ومنع الاحتجاجات المحتملة هناك، ستزداد الاحتجاجات بعد مثل هذه القرارات".
إيمان أصلاني
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: ايران ژورنال / موقع قنطرة 2023