حلّت ساعة الإسلاميين!

لم تحقق حكومة الصومال المؤقتة التي اعتمدت دستوريا في شهر ديسمبر/ كانون الأول 2004 أي نجاح حتى الآن بينما بدأت الجماعات الإسلامية تقوي مركزها، محاكم الشريعة أحسن مثال على ذلك. مقال كتبه مارك انغيلهارت.

​​لم تحقق حكومة الصومال المؤقتة التي اعتمدت دستوريا في شهر ديسمبر/ كانون الأول 2004 أي نجاح حتى الآن بينما بدأت الجماعات الإسلامية تقوي مركزها. محاكم الشريعة المنتشرة أحسن مثال على ذلك. مقال كتبه مارك انغيلهارت.

أخذت المدافع المضادة للطائرات تدوي في نهاية فبراير/شباط في موقاديشو مخترقة تراكم الحطام الذي خلّفته الحرب. وهيمن على الشوارع دوي القنابل المضادة للمدرعات والصواريخ المركبة فوق العربات المستخدمة في الطرق الوعرة.

لم يعهد سكان العاصمة الصومالية التي ظلت ابتداء من عام 1991 دونما حكومة مثل هذه المعارك منذ سنوات عديدة انصرمت. مئات منهم عمدوا إلى الفرار من أحيائهم السكنية هربا من الطلقات العشوائية للمليشيات التي يفتقد أغلب أفرادها إلى التدريب العسكري الجيد، ولقي على الأقل 15 شخصا منهم حتفهم.

بعد مرور عام على اندلاع المعارك كف المقاتلون عن إطلاق نيران مدافعهم، لكن المعارك في حد ذاتها لم تنته بعد. هناك طرفان متصارعان، الطرف الأول هو كالتالي:

تم تشكيل اتحاد يضم كلا السياسيين ورجال الأعمال يسمى "التحالف ضد الإرهاب ومن أجل استعادة السلام". ويضم التحالف المذكور خمسة وزراء تابعين للحكومة المؤقتة التي اعتمدت دستوريا قبل أكثر من عام. أما في الطرف الآخر فتتواجد مليشيات محاكم الشريعة الإسلامية.

محاكم الشريعة تمويه فقط؟

يبدو أن هذا النزاع الدائر في الصومال قد أكد على صحة الظن الذي ساور أذهان البعض بكون منطقة القرن الأفريقي بؤرة لتجمع حركات إسلاموية مرتبطة ببعضها البعض عبر شبكات اتصال عالمية. هذا وينظر الكثيرون إلى محاكم الشريعة الإسلامية على أنها ليست إلا غطاء تمويهيا لتلك الجماعات المتطرفة.

وإن رأى نيكولاوس غروبيك الذي يبحث في جامعة هارفارد في ملف الأنظمة القانونية لدى الدول التي فشلت في تكريس وجودها بأن الوضع أكثر تعقيدا من ذلك، فهو يقول: "ليست أغلبية محاكم الشريعة في الصومال متسمة بتوجه متطرف، كما أن زعماءها يشددون على نحو صريح بأنهم لا يريدون أبدا أن تكون لهم أية علاقة بالإرهابيين".

يضيف الباحث بأن هذه المحاكم التقليدية التي يترأسها قائد ديني يحمل لقب "الشيخ" قد تم تأسيسها بعد فرار الدكتاتور زياد بري في عام 1991 لتكون ردا على حالة الفوضى وانعدام سلطة القانون. ففي الفترة التي لم تتواجد أثناءها لا حكومة ولا قوانين في الصومال شكّلت تعاليم الشريعة الإسلامية في هذا البلد الذي يتألف مجتمعه بنسبة 100 بالمائة تقريبا من المسلمين القاسم المشترك الوحيد في هذا المجتمع.

سرعان ما كرّست هذه المحاكم في أماكن تجمع العشائر والقبائل المختلفة النظام والأمن. لهذا السبب يضمر على وجه خاص أبسط الناس في الصومال مشاعر الاحترام لتلك المحاكم. في أغلب الحالات لم تصدر عن تلك المحاكم أحكام صارمة كقطع اليد في حالة السرقة. في هذا السياق يقول أحد قضاة تلك المحاكم: "إننا في الصومال ندين بنهج إسلامي مبني على التسامح، أما مثل هذه الأحكام (الصارمة) فإنها تتناقض مع روح قوانيننا التقليدية".

لكي يتسنى لمحاكم الشريعة إصدار أحكام في مدينة تتعدد فيها العشائر والقبائل مثل موقاديشو فقد التحمت ببعض عبر شبكات اتصال تتبع إليها إحدى المليشيات المسلحة. بناء على تقديرات "المجموعة المعنية بالأزمات الدولية" يبلغ عدد الجنود التابعين لهذه المليشيا عدة مئات، هذا بالإضافة إلى الجنود التابعين لكل محكمة على حدة.

في موقاديشو التي يعتمد فيها الوزن السياسي لمجموعة ما على حجم المليشيا التابعة لها أصبحت محاكم الشريعة بالتالي عامل قوة لا يسع لأحد أن يغفل الاهتمام عنه. وهنا يستنتج غروبيك الذي أجرى لتوه لقاءات مع عدد كبير من القضاة بأن "تزايد نفوذ بعض محاكم الشريعة وخاصة ذات التيار الأكثر محافظة من غيرها قد جعلها تتحرر من الهياكل القبلية لتصبح في هذه الأثناء طرفا من أطراف النزاع قائما بنفسه".

حركة الجهاد في الصومال

حسن ظاهر عويس هو من أكثر رؤساء محاكم الشريعة المسيسة نفوذا. إنه يبلغ من العمر 61 عاما وينتمي إلى جيل المؤسسين القدامى داخل الحركة الجهادية ذات الهياكل المرئية المعروفة والتي تعرّف خطابها السياسي بالكفاح ضد كافة الكفار.

وقد أسس عويس في بداية التسعينيات بالتعاون مع المحاربين القدماء المتدربين على يد حركة طالبان في أفغانستان الذراع العسكري لمنظمة "الاتحاد الإسلامي" التي كانت الحكومة الأمريكية قد وضعتها بعد اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 في القائمة السوداء المتعلقة بالجماعات الإرهابية الناشطة على مستوى عالمي.

عويس نفسه مطلوب للقبض عليه بتهمة الإرهاب. لكن منظمة "الاتحاد الإسلامي" التي بدأت نشاطها كحركة مقاومة موجهة ضد نظام بري المروع لم تلق صدى إيجابيا يستحق الذكر لدى الصوماليين إزاء كفاحها من أجل تأسيس دولة مبنية على أسس الدين الإسلامي. وقد تطلب الأمر من هذه المنظمة نقل مقرها الرئيسي مرارا من موقع إلى آخر نظرا لأن العشائر المجاورة للمقر لم ترغب في تمركز الجهاديين بالقرب منها.

وقد أدت الضربات القاتلة التي وجهتها قوات الجيش الأثيوبي ضد معسكرات الاتحاد الإسلامي إلى مقتل العدد الأكبر من أعضائه. ولا يعرف اليوم عما إذا كانت هذه المنظمة ما زالت اليوم في حيز الوجود بعد أم لا. لكن زعماء المنظمة الذين ما زالوا على قيد الحياة كحال عويس لم يعدلوا عن جهودهم الرامية إلى تبوء السلطة.

يصف دبلوماسي أمريكي الوضع الراهن في هذا السياق فيقول إن: "الاتحاد تحول من منظمة إلى فكرة ما زالت تشع قوة". وفي جميع الأحوال فإن عويس نفسه ما زال يعرب عن قناعاته وأفكاره بملء الصراحة فقد قال على سبيل المثال "نحن المسلمين لن ندعم الحكومة العلمانية المؤقتة. فأية حكومة لا تحكم وفقا لكتاب الله تكون غير جديرة بالدعم".

تأسست في العامين الماضيين بجانب تنظيم المحاربين القدماء حركة جديدة تتألف فعالياتها من الجهاديين يتزعمها قائد إحدى مليشيات الشريعة أدين هاشي فرح ايرو الذي لا يتعدى عمره ثلاثين عاما. يعتقد المراقبون بأن عدد أعضاء هذه الحركة ما زال صغيرا حيث لا يتعدى بضع عشرات من الأشخاص، لكنها متورطة في مقتل أربعة أجانب كانوا يعملون في قطاع المساعدات الإنسانية وعشرات من الصوماليين بحجة أنهم كانوا يتعاونون مع مخابرات غربية.

يقال إن ايرو الذي ترعرع في ظل عويس وكان قد تم تدريبه على يد حركة طالبان يتمتع بأحسن الاتصالات مع شبكة القاعدة. و بناء على تقييم ماثيو برايدون الذي يعمل لدى المجموعة المعنية بالأزمات الدولية لهذا التطور الجديد فإن "ايرو (يشكل) مزيجا مثيرا للقلق بين الجهاديين ومحاكم الشريعة الإسلامية وحركة الاتحاد الإسلامي".

الكفاح على السلطة في القرن الأفريقي

يخالج الجماعات الإسلاموية إزاء الكفاح الدائر آنيا حول السلطة في الصومال إحساسا قويا بالثقة في النفس. هذه من ضمن الأسباب التي تجعل أعضاء الحكومة المؤقتة الرابع عشرة في غضون 15 عاما يأخذون الصراع مع الإسلامويين مأخذ الجد. وقد شن مؤخرا أعضاء مليشيات تابعة لمحاكم الشريعة هجوما على أستوديو تمت فيه دبلجة أفلام هندية.

برر فيما بعد رئيس اتحاد محاكم الشريعة الشيخ شريف أحمد ذلك الهجوم بقوله "إن القانون الإسلامي يمنع الأفلام والموسيقى والرقص". ووقف مئات من الصوماليين يشاهدون الأستوديو بعد تدميره بساعات ومشاعر الذهول تهيمن عليهم، الأمر الذي دل بناء على رؤية برايدون بأن أغلبية الصوماليين تنتابها مشاعر النفور العميق حيال الإسلامويين.

يقول برايدون: "الأمر الملفت للاهتمام على نحو خاص كون الحركة الجهادية لم تحظ حتى الآن على تأييد يستحق الذكر،هذا على الرغم من وجود تربة خصبة مبدئيا للإسلامويين إذا أردنا أن ننطلق من قراءة تقليدية في هذا الشأن". والواقع أن الصوماليين لا ينشدون تأسيس دولة مبنية على الدين بل يطمحون في أن يتم تشكيل حكومة فاعلة من الناحية الوظيفية.

ينصح برايدون الغرب بتقديم أكبر درجة ممكنة من الدعم لمنطقة القرن الأفريقي لجعلها قادرة على محاربة التيار الإسلاموي الذي أخذ يتداخل في أطرافها.

مارك انغيلهارت
ترجمة عارف حجاج
حقوق الطبع قنطرة 2006

قنطرة

ما زالت الحكومة المركزية غائبة
قد يدخل الصومال وتسونامي طي النسيان، لأن نسبة الضحايا ومدى الخراب في منطقة القرن الإفريقي تعد ضئيلة إذا ما قورنت بالأعداد الكثيرة من الضحايا والدمار الشديد في آسيا. ولكن سكان المناطق الساحلية ما زالوا يعانون من تبعات الكارثة الطبيعية.

رجوع أصحاب الكفاءات إلى الصومال
يتخلى الكثير من الصوماليين عن حياة آمنة ودخل ثابت في الخارج ويعودون إلى بلادهم لتقديم المساعدة لشعبهم في شتى المجالات مثل بناء المستشفيات والعمل على احلال السلام ودعم ثقافة الحوار بدلاً من لغة السلاح. تقريربتينا رول

لاجئون أفارقة في اليمن
عشرات الآلاف من اللاجئين، لا سيما من الصومال، يتوافدون سنويا إلى اليمن عن طريق البحر. وعلى الرغم من استقبالهم وإيوائهم إلا أنهم لا يجدون أملا في المستقبل هناك، ولهذا تريد غالبيتهم السفر إلى أوروبا

www

International Crisis Group (عن الصومال باللغة العربية)