فضل الرحمن والفهم الرحماني الأخلاقي للقرآن

مازالت الدراسات الإسلامية في المحيط العربي لا تعرف إلّا القليل عن مفكري الإسلام في شبه القارة الهندية، على الرغم من أن شيئاً من المقولات الاعتقادية والمفاهيم الكلية قد استعارها بعضُ المفكرين والكتّاب العرب والإيرانيين منهم، على اختلاف في طبيعة ما هو مستعارٌ إيرانياً وعربياً، كلٌّ حسب أفق انتظاره وخلفياته وسياقات اجتماعه الديني. وأضحت تلك المقولات والمفاهيم فيما بعد منهلاً لإلهام بعض الأدبيات الدينية المختلفة، تبعاً للاختلاف والتنوع في التفكير الديني لعالم الإسلام في شبه القارة الهندية. الإحيائيون من السلفيين والأصوليين استعاروا ما يسوغ ويكرّس أفكارهم في الدعوة لإقامة الدولة الدينية، في حين استعار الإصلاحيون والمجددون ما يفتقدونه في محيطهم، ما شكّل أفقاً لبناء رؤيتهم في التوحيد والوحي والنبوة.

كان ولي الله الدهلوي "1703 - 1762"، الذي يسميه بعض الباحثين مجدّد القرن الثامن عشر، يمتلك رؤية تتسع لعبور التراث، وتحاول أن تعيد قراءة القرآن والحديث في ضوء الأفق التاريخي لعصر البعثة، إذ أزاح شيئاً من ركام التفاسير المكررة والشروح التي دفنت القرآن وغيبت المقاصد الكلية للرسالة الإسلامية، وحاول أن يرى النص القرآني بلا وسائط تحجبه. بالرغم من أن برامج التعليم الديني لولي الله تركز على الحديث والعلوم التقليدية، لكنه شدّد على ضرورة التعامل مع القرآن مباشرة خارج التفاسير، ولم يقبل من التفسير إلا بحدود ما يشرح معاني الألفاظ وإعرابها نحوياً، كما أدرج التصوف في نهاية برنامجه التعليمي، وهو ما لم تألفه برامج التعليم الديني من قبل في شبه القارة الهندية. وكان لولي الله أثر ملموس في انتشار دراسة الحديث، وهيمنة المدرسة الحديثية، لكن انتهت هذه المدرسة إلى مواقف متشدّدة في شبه القارة الهندية لاحقاً.

نعثر على شذرات في آثار الدهلوي، تلمح إلى آراء اجتهادية، لا تكرر المكرر في التراث. وقد أضاءت هذه الآراء لبعض مفكري الإسلام الهندي في القرنين التاسع عشر والعشرين شيئاً من عتمة حاضرهم، وأسهمت في توجيه بوصلة تفكيرهم الديني.