بين الدولة الدينية والديمقراطية

شعار قنطرة
محمد محمود في احدى محاكماته في فيينا، الصورة: د.ب.ا

يقدم كتاب "دليل الإسلام السياسي" نظرة شاملة للرؤى المختلفة للإسلام السياسي وما يموج به من تيارات. ويولي الدليل اهتماماً خاصاً بالنشطاء الإسلامويين وبالتنظيمات الموجودة في ألمانيا والنمسا. غوتس نوردبروخ يعرفنا بهذا الكتاب.

"الإسلامويون يهددون ألمانيا والنمسا" – هكذا كانت العناوين في شهر مارس/آذار 2007 عندما ظهر فيلم فيديو باللغة الألمانية من محيط تنظيم القاعدة، وفيه تم التحذير من تنفيذ ضربات ضد أهداف ألمانية ونمساوية. صنّاع الفيلم اقتيدوا إلى المحكمة في فيينا حيث صدرت ضدهم – في محكمة الدرجة الأولى - أحكام بالسجن.

في هذه المحاكمة المليئة بالعواصف كان أحد الأسئلة المطروحة هو: هل يحق للمحكمة أن تمنع المتهمة البالغة من العمر احدى وعشرين سنة من حضور جلسات المحاكمة لرفضها خلع الحجاب؟ وفي نهاية أغسطس/آب صدر قرار من المحكمة العليا بإعادة النظر في القضية مرة أخرى.

تيارات إسلامية محلية

أوضحت القضية أنه قد حان الوقت في النمسا أيضاً لكي تواجه الدولة التيارات الإسلاموية المحلية. ومن المساهمات الناجحة في هذا النقاش كتاب "دليل الإسلام السياسي" الذي أصدره توماس شميدينغر ودنيا لاريسه. يقول المحرران في المقدمة إن الكتاب لا يهدف "إلى التهويل أو التهوين، بل يريد أن يساعد في التوصل إلى نظرة نقدية أكثر وضوحاً".

ومن ميزات الكتاب أنه يضم بين دفتيه عدداً من المؤلفين الست عشر ممن يعتبرون أنفسهم مسلمين. "يهمنا أن نشارك في النقاش الدائر حول صورة الإسلام، وأن ننأى بأنفسنا بوضوح عن الإسلام السياسي الذي – حسب رأينا - لا يمثل أغلبية المسلمات والمسلمين بأي حال من الأحوال"، هكذا يشرح المحرران السبب الذي يحتم على المسلمين أيضاً أن يشاركوا في النقاش حول التيارات الإسلاموية. إن من الأهداف أيضاً هو توضيح أن "المسلمين أنفسهم هم هدف الإسلام السياسي"، مثلما نقرأ في موضع آخر من الكتاب.

"أسلمة الإسلام"

تحت مصطلح "الإسلام السياسي" يجمع المؤلفون كافة التيارات التي تفهم الإسلام باعتباره "مرشداً إلى الفعل السياسي والتي تطمح إلى أسلمة المجتمع والسياسة، أياً كان شكل هذه الأسلمة". ويؤكد الكتاب على أن إشكاليات الإسلام السياسي لا تنحصر فحسب في الأوجه المعادية للديمقراطية والمشرعة للعنف.

إن المجتمع الذي ينادي النشطاء الإسلاميون إلى إقامته يتسم بسمات معادية لليبرالية ومعادية للسامية، كما أنه معاد للمرأة. فالإسلاميون لا يكافحون أعداء الأمة الإسلامية من الخارج فحسب، إنهم يريدون أيضاً فرض ما يعتقدون أنه قيم وتقاليد إسلامية حقيقية على الداخل، أي أنهم يريدون "أسلمة الإسلام". ولذلك سيكون من الخطأ – يحذر المؤلفون – إذا اقتصرت المواجهة مع الإسلاموية على منع حدوث ضربات إرهابية ومنع العنف السياسي.

التحكم في الأخلاق الجنسية

وبخصوص الرؤى التي تحاول الجماعات الإسلاموية نشرها يقول الكتاب إن "الجنس يمثل صورة عدائية أخرى يُستهان بأهميتها في كثير من الأحيان. وتعتبر الممارسات الجنسية التي تحدث خارج نطاق المفهوم البطريركي المحافظ النابع من الأخلاق الدينية من أكثر الأشياء المثيرة لقلق الرجال المسلمين المحافظين الذين تعدهم الحركات الدينية بالضمانات التي يقدمها النظام البطريركي. إن التحكم في الأخلاق الجنسية هي من أهم أهداف الإسلام السياسي، مثله في ذلك مثل عديد من النظم المجتمعية التوتاليتارية والأوتوقراطية."

غير أن القارئ يُصاب بخيبة الأمل بعض الشيء عندما يمضي في قراءة الكتاب ويكتشف أن هذا المنحى بالذات يكاد يغيب عن المقالات التي كتبها الناشطون الإسلامويون في النمسا، وأنه لا يُذكر إلا عَرَضاً. يلم القارئ بالكثير عن خلفيات التيارات المختلفة سواء من الناحية التاريخية أو السياسية، كما يتعرف على العلاقات الشخصية والتنظيمية التي تربط بين بعضها البعض في النمسا وألمانيا والبلاد التي هاجروا منها أولئك الإسلامويون.

إن العرض المنفصل للتيارات ذات الخلفيات العربية والتركية والبوسنية وفي جنوب شرق آسيا، وكذلك الشيعية وتيار الأغلبية في النمسا، يتيح للقارئ أن يطلع إطلاعاً جيداً على السياقات شديدة التباين التي تتحرك في إطارها الجمعيات الإسلاموية في أوروبا.

علاقات بالسياسة النمساوية

خلال هذا العرض تتضح تأثيرات شديدة التناقض في الغالب، مثل تلك التي تحكم سياسة الجماعات الإسلاموية البوسنية. بالنسبة لتلك الجماعات فإن العلاقة مع مجتمع الأغلبية في النمسا ليست فقط حُبلى بالصراعات، بل إنها أيضاً مرآة للصراعات الدائرة في البوسنة بين المعتدلين وأتباع المذهب الوهابي.

ولذلك فإن النصوص القصيرة الملحقة بالفصول مفيدة للغاية، وفيها يتم تقديم الجمعيات كلٌ على حدة. ويقدم المؤلفون معلومات تفصيلية عن تاريخ نشأة كل جمعية من الجمعيات الإسلاموية وممثليها وأهدافها السياسية.

وهكذا يتعرف القارئ على مباردات المسلمين في النمسا وقربهم الإيديولوجي من الجناح المعتدل في الإخوان المسلمين، كما يتعرف أيضاً على العلاقات التي تربطها بالسياسة النمساوية والمنظمات غير الحكومية في عديد من البلدان الأوروبية. كما يتم تسليط الضوء النقدي على مجموعات صغيرة، مثل جماعة "حزب التحرير" الممنوعة في ألمانيا أو "تبليغي جماعات" التي يسيطر عليها مسلمون من باكستان.

في هذا العرض للجماعات المنفردة تسلط المقالات الضوء على العلاقة بين قضية العنف والديمقراطية، غير أنها لا تفرد سوى مساحة ضئلية للعلاقة المبتغاة بين الجنسين وللنظام العالمي المراد إقامته – هذا القصور يتم تعويضنه بذكر الروابط الإليكترونية لكثير من المصادر التي يستند عليها مؤلفو مقالات الكتاب.

وبذلك يغري الكتاب القارئ للاطلاع بنفسه على منشورات الجماعات الإسلاموية. مَن يبحث عن معلومات عن مواقف الإسلامويين بالنسبة لموضوعات لم يتناولها المؤلفون إلا على الهامش، سيجد ضالته بسرعة في المواقع الإليكترونية لتلك المجموعات. وبذلك يقدم الدليل مساعدة قيّمة "لفهم" تلك المواقف ووضعها في سياقها الصحيح. ويشير المؤلفون إلى موضوعات عديدة تفيد كل من يهتم بالتيارات الإسلاموية في أوروبا. إن الفواق العديدة، وأيضاً التشابهات الكثيرة، بين الوضع في النمسا وألمانيا، تجعل قراءة هذا الكتاب شيقة أيضاً بالنسبة للقارئ الألماني.

غوتس نوردبروخ
ترجمة: صفية مسعود
قنطرة 2008

Thomas Schmidlinger/Dunja Larise (Hrsg.): Zwischen Gottesstaat und Demokratie. Handbuch des politischen Islam (Wien: Deuticke, 2008)

قنطرة
آفاق الإسلاموية الراديكالية:
أجيال الغضب- راديكالية سياسية بلغة دينية
ماذا يغذي الإسلاموية الراديكالية؟ وما الفوارق بين تياراتها المختلفة؟ فولكر بيرتيس، الخبير المعروف في شؤون الشرق الأوسط يقدم في تحليله المعمق فروقا جذرية بين هذه التيارات ونقاطا محددة للدور البنّاء الذي يمكن لأوروبا أن تضطلع به في العالم الإسلامي.

أخطار الإرهاب في القارة الأوروبية:
"لا يمكن الانتصار على الإرهاب بالحلول الأمنية فقط"
عبر عدد من الخبراء في مؤتمر أمني عقد مؤخرا في برلين عن مخاوفهم من تنامي قدرة تنظيمات إرهابية على تجنيد شباب مسلم في أوروبا وتوظيفه لخدمة أجندات المنظمات الإرهابية. المشاركون في المؤتمر أجمعوا على أهمية وجود رؤية اجتماعية وسياسية لمحاربة التطرف. هيثم الورداني يعرفنا بأهم مجريات هذا المؤتمر.

حوار
وطنيون أوروبيون باسم الإسلام
مصطفى جريتش، رئيس العلماء في البوسنة، يتحدث في الحوار التالي عن خصوصية المسلمين في بلاده، عن المساهمة السعودية في إعادة إعمار المساجد والنقد الأوربي لذلك.