التشادور والمساواة لا يتعارضان
لا تتمتع الجمهورية الإسلامية الإيرانية بسمعة طيبة فيما يخص شؤون المرأة ، فبعد استيلاء رجال الدين على السلطة عام 1979، تم إلغاء الكثير من القوانين التي كانت مطبقة في عهد الشاه وكانت تساوي المرأة بالرجل. وعوضا عن تلك القوانين صدرت قوانين جديدة تنادي وتشيد بدور المرأة المسلمة. وطبقا لهذه القوانين الجديدة احتلت المرأة المسلمة مكانة تقل عن مكانة الرجل وأصبحت بالطبع تابعة له. ووصفت النساء اللاتي يعتقدن غير ذلك بالأوروبيات أوالكافرات.
ولكن ظهرت مجموعة من النساء المتحررات تدعو إلى المساواة بين الرجل والمرأة معتمدة في حركتها على حجج وبراهين إسلامية. فبعد قيام الثورة بقليل كتبت السيدة شهين طباطبائي، التي مثلت الإيرانيات في مؤتمر المرأة العالمي عام 1980 مقالا رسميا عن دور المرأة المسلمة. وطالبت في مقالها بإعادة النظر في الآيات القرآنية المتعلقة بالمرأة. هذا ولم تكن الحركات النسائية في بداية الأمر قوية كما هو الحال اليوم ، فلقد قويت حركة تحرر المرأة المسلمة في السنوات العشر الأخيرة بشكل ملحوظ. ولم تبق المرأة بعد الثورة – على الرغم الرأي السائد – دون تأثير قوي ، فلم تخل الوظائف من النساء ، فالوظيفة كانت شرطا أساسيا لممارسة الحقوق السياسية لأنها تضمن للمرأة استقلاليتها الاقتصادية عن الرجل. كما أنه لم يلاحظ انخفاض مستوى تعليم المرأة بعد الثورة. وقد أوضح السيد مقدم أن مواصلة اشتراك المرأة بصفة دائمة في المجالات العامة يقوض فكرة سيطرة الرجال على كافة المجالات. وعلى الرغم من وجود الإمكانيات الاقتصادية والفكرية لديهن كسلاح مضاد، إلا أن كثيرا من النساء تقبلوا في السنوات الأولى للثورة الإسلامية مبادئ قانونية رسخت نظرية عدم التساوي بين الرجل والمرأة.
وحسبما أورد معهد طهران للدراسات والبحوث أنه على مستوى الحكومة ساد الرأي القائل: "من الواضح أن المساواة في الكم بين الرجل والمرأة ليست الهدف الوحيد للتقدم الاجتماعي. فلم تعد محاولة المساواة في العدد بين الرجل والمرأة في مجالات التعليم والصناعة – بعد قيام الثورة في إيران – إحدى علامات التقدم."
وقد حاول النساء - بحجج إسلامية - في التسعينات الحصول على الكثير، فطالبوا بنفس حقوق الرجال ولم يؤمنوا بأن الطبيعة تجعل المرأة خاضعة للرجل. إن عدم المساواة بين الرجل والمرأة في الوقت الحالي – في نظر المهتمات بشؤون المرأة – لا يرجع في الأصل إلى القرآن ، بل يرجع إلى أن الرجال فقط هم الذين فسروا القرآن. فكان تفسيرهم للقرآن لصالحهم ، ولهذا تطالب النساء المهتمات بشؤون المرأة في إيران بتفسير القرآن من جديد.
إن السيدة شهلا شركت، تبلغ من العمر أربعون عاما وحاصلة على ليسانس علم النفس، هي الناشرة لأهم المجلات النسائية الإيرانية "زنان" ، وكانت تعمل لدى مجلة "زن روز" من 1980 حتى 1990، ثم فُصلت من العمل بسبب خلاف مع الناشر بسبب خلافات جذرية في المواضيع المتعلقة بالنساء. وتعتقد بأن كل امرأة مثلها في المجتمع الإيراني لديها الإمكانية أن للتحرك، لذلك أسست مجلة خاصة تهتم فقط بمسائل المرأة، أسمتها "زنان" وصدرت لأول مرة في فبراير /شباط عام 1991. وهي ترى وجود كثير من المشاكل الخاصة بالمرأة تلك التي لو نشرت، فلن نجد مكانا لتقارير أخرى على صفحات المجلة. وتعتبر مجلة "زنان" هي المجلة الوحيدة المستقلة تماما وتتمتع بصوت حر، فهي ليست حكومية، ولا تتبع أي حزب سياسي، كما أنها لا تدار من قبل نساء لهن صلة قرابة بأشخاص ذوي سلطان في الحياة العامة.
إن السيدة شركت تنشر في مجلتها مقالات توضح فيها أن القرآن ليس عائقا أمام تحسين حقوق النساء، ولكن السبب في ذلك يعود إلى أعراف متوارثة. فضمن الموضوعات التي تعالجها المجلة الطلاق ، والزواج ، والميراث ، والدية ، والحقوق السياسية للمرأة ، ودور المرأة في نشر الدين ، وإذن الرجل للمرأة بالسفر ، و حقها في التصويت و الترشيح في الانتخابات كما حدث في مارس/ آذار عام 1996، وزواج القاصرات ومسألة تقلد المرأة منصب رئيس الجمهورية. كما أننا نجد في مجلة "زنان" مقالات طويلة عن الوزيرات في البرلمان. وتعقد السيدة شهلة شركت ندوات تعالج فيها اضطهاد المرأة، كما أن مهرانكيز، مستشارة الشؤون القانونية بالمجلة، توضح للقارئات حقوقهن في عامود بعنوان "آموزش حقوق زن" ومعناها (دروس في حقوق المرأة). وتصدر المجلة تقريرا سنويا بعنوان "ماذا أنجزنا هذا العام".
ولقد نفت شهلا شركت في حوار في مايو/ أيار 1997 وجود تناقض بين ما تطلبه وبين تعاليم القرآن - لا سيما وأن القرآن ينص صراحة على أن شهادة الرجل تعادل شهادة امرأتين. فهي ترى أن هناك نقاط ظلم قانونية ليس لها علاقة بالقرآن، أي أن القرآن لم يتطرق إليها، ونقاط ظلم أخرى نشأت نتيجة عن تصورات للأعراف المتوارثة لدى صناع القانون. وعلاوة على ذلك يستطيع المرء أن يثبت أن القرآن لا يعني ما فهمه صناع القانون الإيرانيين. ولقد أثبتت شهلا في مجلتها أن القرآن لم يسمح للرجال البتة بضرب النساء، وأن دية القتيل المالية – للرجل ضعف الأنثى – لم تحسم بعد وهي قابلة للنقاش، فهذه نقاط فسرت من بعض الرجال لغير صالح المرأة.إن مجلة "زنان" تثير في غالب الأحيان ردود فعل رجال الدين المتعصبين، الأمر الذي دعى رئيس مجلس القضاء الإيراني، آية الله يزدي، أن يرد على الكثير من مقالات مجلة "زنان". هذا وقد رأت كلية الدراسات الدينية في مدينة قم أنها لا بد أن تتحرك تجاه كثرة المجلات المهتمة بشؤون المرأة، و بناءً عليه أصدرت مجلة "بيام زان" - (رسالة المرأة ) - ، التي يديرها رجال، و التي تناقش موضوعات تخص المرأة، ولكن من وجهة نظر تقليدية. ولا يميل بعض القراء إلى المناقشة، فإننا نجد بعضهم، الممول من قبل رجال الدين، يهاجم إدارات مجلات النساء، ويصفهن بالأوروبيات، اللائى يساعدن على الغزو الثقافي الأوروبي، مثلما فعلوا مع السيدة شركت، وهم بهذا يضرون بالثورة. ولكن مثل هذا الهجوم لم يثن السيدة شركت عن المضي في نقدها للمحافظين، ولم تكتم فمها، فنجدها ترد على قانون صدر في ربيع عام 1998 يقرر عدم علاج المرأة إلا من قبل طبيبات، فكتبت تقول: "إننا سوف نجد في المستقبل القريب مجموعات النساء التي لم تقبلها المستشفيات، قد تحولن إلى مجموعات سياسية معارضة. وسوف تفسر هذه المجموعات أن مرجع هذا الجمود العقائدي هو الدين وليست القوانين التي اختلقها هؤلاء المحافظين. ولا بد أن يأخذ المرء بعين الاعتبار الصعوبة التي تواجهها النساء في هذا المجتمع في الحفاظ على دينهن. إن هذا التمييز في المعاملة لا يعني سوى القول : اذهبن إلى بيوتكن واجلسن إلى جانب نساء أفغانستان".
إن المسلمات المهتمات بشؤون المرأة يستخدمن الحجج الإسلامية الأصيلة للحصول على مطالبهن والتي تضاهي حجج النساء العلمانيات تطرفا. غير أن مطالبهن إذا ما قورنت بمطالب العلمانيات نجدها لا يحكم عليها من أول وهلة بأنها غير إسلامية، خاصة وأنهن ينظرن للنساء الرافضات للنموذج الغربي بعين النقد. والمهم هنا أن تلك الأفكار الدينية أخذت طابعها الديني من تلك النساء اللاتي يبدون من لباسهن أنهن مكبوتات الحرية ، لأنهن محجبات بطريقة مبالغ فيها، أكثر مما تقره قوانين الجمهورية الإسلامية. وهؤلاء النسوة يطالبن أيضا بالمساواة. وفضلا عن ذلك فإن اشتراك النساء المحجبات في مختلف مجالات الحياة في المجتمع يدل على عدم تعارض الحجاب مع ممارسة أي نشاط في المجتمع، فحن نجد اليوم نساء تعملن كطبيبات ومعلمات ومستشارات للرئيس ورؤساء بلديات. وعلاوة على هذا نجد أن المرأة احتلت مكانة الرجل التقليدية في الشرق الأوسط، فهي تقود سيارة التاكسي. وهنا نجد أن فاطمة مرنيسي ترى في الحجاب ميزة استراتيجية للتحرر، وهي في الأصل من معارضي الحجاب، وترى أن المرأة يجب عليها أن تخلعه، حتى تستطيع أن تخرج من البيت وأن تندمج مع المجتمع. ولكنها ترى أن للحجاب قيمة استرتيجية في حركة التحرر النسائي. وتذكر المجتمع الإيراني كمثال على أن مسألة المرأة لا تتعلق في المقام الأول بالحجاب، لدرجة أننا نجد المسلمات الأصوليات تقلدن مناصب سياسية في العالم الإسلامي.
إننا نجد من بين النساء اللاتي يدافعن عن حقوق المرأة في إيران بنات بعض رجال الدين المشهورين، رغم أن المرء لا يتوقع أن يقابل نساء مهتمات بأمر المرأة من هذا الوسط الديني، وهن بحكم منشئهن هذا يجدن آذان صاغية بين المحافظين. إن زهرة مصطفوي، ابنة آية الله خميني، ترأس الجمعية النسائية في الجمهورية الإسلامية، وتهتم بإتاحة فرص التعليم للنساء كما هي للرجال. ولقد سئلت ذات مرة بعد إلقاء إحدى الخطب، إذا ما كانت تنصح بالتحاق المرأة لدراسة العلوم الإسلامية، فأجابت أنه من الأفضل أن تصبح المرأة مهندسة أو طبيبة، وأن الوطن لديه رجال الدين بقدر واف. وفاطمة هاشمي، ابنة الرئيس الإيراني السابق رفسنجاني، تدير جمعية نسائية تابعة لوزارة الخارجية، وتدير أيضا مستشفى متطور لعلاج الكلى، وابنتها فائزة ترأس الجمعية الإيرانية للرياضة النسائية ونائبة رئيس اللجنة الأولمبية العالمية. ولقد أثارت فائزة هاشمي الانتباه، عندما قامت بدعوة لنساء رياضيات من دول العالم الثالث للاشتراك في أول أولمبياد نسائية إسلامية عام 1993. وقد حاولت السيدة هاشمي أن تجد إمكانية أخرى، لأن 33 دولة إسلامية خافوا على انتهاك قواعد اللبس الإسلامية ولم يرسلوا النساء إلى الدورة الأولمبية. وعقدت الدورة الأولمبية للمرة الثانية في إيران وهي ترى أن الرياضة للنساء خطوة مهمة على طريق التحرر، وتساعد أيضا على تقوية الجسم واكتساب الثقة بالنفس. وإلى جانب تشجيعها لرياضة المحترفين، فإنها تحاول تحريك اهتمام البسطاء للرياضة من خلال تنظيم المعارض و إلقاء المحاضرات في كافة أنحاء إيران.
والسيدة أعظم طالقاني، شريكة السيدة هاشمي في النقد، كان والدها من الرجال المشهورين، وهي ترأس مؤسسة النساء المسلمات في إيران، حيث تقوم بتعليم القراءة والكتابة للفقيرات من الشعب حتى يتمكن من اكتساب قوت يومهن باستقلالية عن الرجال. كما أنها تدرس لهم تفسير القرآن من كتب والدها آية الله محمود طالقاني، وهي غالبا ما تستشهد بتفسير والدها لمعاني القرآن التي تساند المرأة، مثل حق الإرث. فهنا نجد الأب وابنته يرون أن نصيب المرأة في أيامنا هذه مثل نصيب الرجل، لأن ظروف المجتمع تغيرت تماما عن التي كان المجتمع عليها أيام التشريع القرآني، ولهذا يرون ضرورة تفسير القرآن من جديد. إن السيدة طالقاني تدرس القرآن والتفسير للنساء، لأنها تريد بذلك أن تعلم النساء ماذا يقول القرآن، وحتى لا ينقادوا لما يقوله الرجال. وهي ترى أن الرجال يفسرون القرآن دائما حسب أهوائهم الشخصية.
إنني قد التحقت بدروس أعظم طالقاني عدة شهور، ووجدت أن هذه السيدة البالغة من العمر تسع وخمسون عاما لها سلطة قوية، ولا تعطي الانطباع أنها خادمة لرجال الدين. كما أنها تنتقد أيضا المكاسب التي حققتها الثورة، فهي ترى أن ثورة 1978/79 جلبت للمرأة الفقر وتعدد الزواج.وإلى جانب نشاطها الخاص بالنساء في المجتمع الإسلامي تنشر السيدة طالقاني المجلة الناقدة "رسالة هاجر" التي تهتم أيضا بشؤون المرأة. ومن ناحية فكرها السياسي نجدها قريبة من آية الله منتظري، ومن المفكر السياسي علي شريعتي وأيضا من والدها. ولقد منعت الحكومة صدور هذه المجلة من 1989 حتى 1996 بسبب مقالاتها الناقدة.
أما عن نشاط أعظم طالقاني كعضو في البرلمان ، فنجد السيدة مانكل بيلت تعترف بفضلها وتقول عام 1982 أنها ضد الرأي القائل إن هناك تعارض بين التحجب والمطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة. والسيدة طالقاني التي تتحجب بصورة متشددة تعارض فرض التحجب بالإكراه. فلقد صرحت يوم 4 يوليو/تموز 1980 لجريدة "إيران تايمز" – عندما تم التقدم للبرلمان بصيغة قرار جديد ينص على فرض لبس المرأة للشادور – أنه لا يجوز إجبار المرأة على لبس الشادور بقوة السلاح ، وأن للمرأة الحق في اختيار كيفية اللبس بطريقة محترمة ومناسبة للعادات ، وقامت بتدعيم مطالبها ببراهين إسلامية مثلما فعلت في البرلمان عندما طالبت بإتاحة فرص العمل للنساء مثل الرجال ، وقالت بأن عدم إصدار قانون بذلك سوف يؤدي إلى انعدام الثقة بالإسلام والحكومة.
ولقد أرادت السيدة طالقاني، وسبع نساء أخريات، الترشيح لانتخابات الرئاسة في 23 مايو/أيار 1997 ، ولكن مجلس أمناء الدستور رفض الترشيح. فقد كان الإمام الخميني هو الذي منع الترشيح للنساء بعد أن كان مسموحا في الصيغة الأولى للدستور التي أعدها حسن حبيبي، عندما كان نائب رئيس الوزراء وكان الإمام الخميني لا يزال في المنفى في باريس. كانت الصيغة الأولى للدستور تقضي بالسماح للمرأة بالعمل كقاضية و كرئيسة للجمهورية.
وحينما كان إبراهيم يزدي مع الإمام خميني ومهدي بازركان، الذي شغل أول منصب رئيس وزراء في الجمهورية الإسلامية، وسئل الإمام الخميني عن رأيه في تولي المرأة منصب رئيس الجمهورية قال: "حتى ولو أصبحت الشيخ نوري لوقفت ضد هذا القانون. إن رئيس الجمهورية لا بد أن يكون رجلا وأن يكون من الشيعة الإثنى عشرية." ولهذا تقرر في المادة 118 من الدستور أن يكون رئيس الجمهورية من الرجال.
وإلى جانب مقولة الإمام خميني، التي يتمسك بها الكثير، نجد تفسيرا لكلمة أخرى في الدستور الإيراني يرفض تولي المرأة للرئاسة، وهي أن وظيفة الرئيس "لرجال السياسة" فقط. وترى السيدة طالقانى عكس ذلك، حيث إن تولي المرأة شؤون المسلمين لا يتعارض مع القرآن والفقه الإسلامي، كما أنها ترى أن كلمة "رجل" قد تعني "شخص" ولا تعني "المذكر". ولتوضيح هذا المعنى نجدها تقتبس مجموعة من آيات القرآن الكريم التي يراد فيها بكلمة "رجل" النساء والرجال على حد سواء. ولقد فهم الإمام خميني كلمة "رجل" بمعنى المذكر. وعلى الرغم من أن انتخابات الرئاسة في 23 مايو/ أيار 1997 قد تمت دون السماح للنساء بالترشيح، إلا أن السيدة طالقاني تعتبر المسألة مازالت محل النقاش ، كما أنها لا تزال غير راضية عن رفض مجلس أمناء الدستور مبدأ ترشيح المرأة للرئاسة. وهي لم ترد بترشيحها للرئاسة أن تصبح رئيسة بالفعل، ولكنها أرادت أن تشير إلى مسألة غير عادلة وأن الدستور يجب تحليله من جديد. ومن ثم طرحت الموضوع للنقاش على صفحات مجلة "رسالة هاجر" لتجمع آراء شخصيات مشهورة، فكان من بينهم رجال قانون مشهورين مثل رئيس مجلس أمناء الدستور آية الله جنتي، وآية الله منتظري، المنشق الأول عن رجال الدين، كما أنها وجهت الأسئلة لرئيس الوزراء محمد خاتمي، والمحامية مهرانكيز كار، والمعارضين الليبراليين إبراهيم يزيدي وحبيب الله بيمان وعزت الله سحابي وحسن يوسفي إشكوري. ولقد سافرت السيدة طالقاني إلى مدينة قم لتقنع رجال الدين بتفسير فقرات الدستور لصالح المرأة، وطالبت الرئيس الجديد وبرلمان الجمهورية الإسلامية بالإجابة على الأسئلة التالية:
1- ما هي اللجنة التي يعهد إليها تفسير مصطلح "رجال السياسة الدينية" بطريقة مفصلة؟
2- ما هو تعريف الشخصية السياسية الدينية في حضارتنا السياسية الإسلامية؟
هذه الأسئلة كانت محل النقاش أثناء انتخابات مجلس الشورى، الذي لديه الصلاحية في تعيين وفصل قائد الثورة (المادة 107-1 II)، وهذا المجلس يتكون من 86 من رجال الفقه الإسلامي الذين يختارهم الشعب. وقد تم اختيار المجلس الأخير في 25 أكتوبر/تشرين الأول 1998، و كان 396 مرشحا للانتخاب، إلا أن مجلس أمناء الدستور سمح ل167 مرشح فقط، ولم يقبل الإصلاحيين الملتفين حول الرئيس خاتمي، ومن بينهم نائب الرئيس عبد الله نوري. كما تقدم للترشيح تسع نساء، ولكن المجلس رفضهن على الرغم من تصريح آية الله كاشاني وهو أحد أمناء المجلس المشهورين أنه لا مانع من ترشيح النساء طالما كن ذوات أخلاق وثقافة دينية. وكانت النساء قبل الانتخابات يطالبن على صفحات الجرائد والمجلات بحقهن في الترشيح، ومع ذلك لم ينلن ذلك في هذه المرة. و تعتبر حدة مناقشة موضوع المساواة بين الرجل والمرأة أهم من تلك الهزيمة المرة التي تلقينها، فإن الحركة الإسلامية للنساء يعلو صوتها والهزائم لا تثنيها عن المضي في كفاحها.ولكي تتمكن السيدة طالقاني وأمثالها من المهتمات بشؤون المرأة من الإتيان بالدليل ، كان لزاما عليهن معرفة القرآن وبعض الأحاديث النبوية ، لأن تلك الأدلة والبراهين تعتبر في إيران أقوى من الاستشهاد ببيان حقوق الإنسان ، ولهذا أصبح من الفائدة أن تصبح النساء متخصصات في الفقه الإسلامي. وللنساء الحق بعد حصولهن على "إجازة الاجتهاد" أن يفسرن ويشرحن المصادر. ولقد زاد عدد المدرسات في كليات العلوم الدينية منذ عدة سنين ، حيث أن تأهيلهن لا يختلف عن تأهيل الرجال ، والفارق بينهن وبين الرجال أنه لا يسمح لهن أن يصبحن "مرجع التقليد" ولا يسمح أن يكون لهن أتباع وأنصار، ولهذا نجد أن شهادتهن الجامعية ليس لها قيمة كبيرة في المجتمع ولا يحق لهن تقلد المناصب مثل الرجال المتخرجين معهن، فعلي سبيل المثال لا تكون المرأة عضوا في مجلس الخبراء، كما أن مسألة "مرجع التقليد" للمرأة أثارت نقاش حاد في الوقت الحاضر وأخذت حيزا كبيرا في مجلات كليات العلوم الدينية. ولأن النساء أصبحن يتخرجن من الجامعة كمجتهدات ويستطعن شرح الفقه الإسلامي، أصبحن يشاركن الرجال في هذا المجال.
إن النساء الإيرانيات المتمسكات وغير المتمسكات بالدين تتكاتفن مع بعضهن. ولا ترى نساء علمانيات أمثال المحاميتين مهرانكيز كار وشيرين عبادي والصحفية ناهد موسوي وأستاذة علم الاجتماع زاله شاديطلب أي حرج من الكتابة في تلك المجلات سالفة الذكر. وهؤلاء أصبحن مقتنعات ككثير من النساء المثقفات والغير متمسكات بالدين أن الثورة قد حسنت من وضع المرأة في كثير من الحالات. فنحن نجد الكثير من النساء المنتميات لعائلات تقليدية تلتحقن بالجامعات للدراسة وتشاركن في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وهؤلاء كن قد منعن من آبائهن الخروج من البيت، لأن الجامعة كانت في رأيهم وكرا لفساد الأخلاق.
واليوم نجد أن ثلث الحاصلين على لقب الدكتوراه من النساء، وتستشهد النساء المهتمات بشؤون المرأة على صحة ذلك زهرة مصطفوي، ابنة الإمام خميني - الذي كانت كلماته كقانون نافذ وكان يدافع عن حق المرأة في التعليم - فقد نالت لقب الدكتوراه، وعلاوة على ذلك فإننا نجد فرقا بين تصريحات الإمام خميني الباريسية وتصريحاته في الستينيات عندما كان ضد حق المرأة في الانتخاب، وضد قانون "حماية الأسرة" الصادر عام 1967. وهذه التصريحات المختلفة قد تتخذ اقتباسا يقوي أي اتجاه سياسي.
وقد كانت السلطة الاستبدادية الدينية هي إحدى العوامل المهمة التي ساهمت في تحسن وعي النساء المسلمات، حيث أنها دفعت النساء للمطالبة بالمساواة بسبب سياستهم المعادية للنساء. وهنا نجد أن للسيدة زيبا مير حسيني، نفس الرأي حيث تقول – على غير ما كان معروفا في الكتب القديمة – أن للثورة الإسلامية آثار تحررية، لأنها بهذا الأسلوب عبدت الطريق أمام تحسن وعي النساء.
إن النظام الجديد قد صاغ قانون الأسرة في قالب ديني من جديد، فأصبح التحجب إجباريا، وأصبح حق المرأة في الطلاق، وحق المطلقة في حضانة الأطفال محددا. كما حدد سن زواج البنات حتى الثالثة عشر، ثم خفض حتى العاشرة، وسمح بتعدد الزوجات، وان على المرأة أن تطيع الرجل، ولا يحق لها أن تتقلد منصبا تصدر فيه قرارا. بهذا نجد أن النساء فقدن حقوقا مدنية، ولم يبق لهن سوى الحقوق السياسية التي كانت مكفولة لهن أيام الشاه. وبلغ اليوم عدد النساء العاملات ثلث الأيد العاملة في إيران، وفي الجامعات نجد أنهن يمثلن حوالي النصف. والأهم من ذلك أنهن يذهبن إلى مكاتب الانتخابات ويشغلن مناصب سياسية، مثل نائبة رئيس الوزراء ومستشارة الرئيس ورئيسة بلدية جزء من مدينة طهران وأعضاء في البرلمان، وواجب هؤلاء النسوة المطالبة بالعدالة والوقوف ضد الظلم. والمتأمل للظروف الإيرانية يجد أن هؤلاء قد أحرزن تقدما كبيرا في البرلمان. فنجد أن المرأة المطلقة أصبح لها الحق في تعويض مالي، وأن للمرأة بعد الولادة الحق في أخذ إجازة لمدة أربعة أشهر، وأصبح للمرأة – بحكم القانون - نفس فرص العمل مثل الرجل، وأصبح الإجهاض مسموحا إذا كان الحمل سيودي بحياة الأم. وبسبب السياسة السكانية الجديدة أصبح اندماج المرأة في الحياة العملية أيسر. فنتيجة للتضخم السكاني صدر قرار حكومي في يوليو/ حزيران 1991 بعدم صرف كوبون مواد غذائية للطفل الرابع، حتى تتغير سياسة الثمانينات التي كانت تجعل الشاغل الأساسي للمرأة ولادة الأطفال، وأصبحت ولادة الأطفال لا تلق دعما من الدولة، وغير محببة اجتماعيا. كما أصبح على من يريد الزواج الالتحاق بدورة تعليمية لمدة ست ساعات ليتعرف على مختلف أنواع وسائل منع الحمل، وفي طهران نجد إعلانات على الحائط تظهر مزايا الأسرة الصغيرة.
إننا نجد أن بعض القوانين التي صدرت في عهد الشاه قد ألغتها الجمهورية الإسلامية لتحل محلها قوانين أخرى لصالح المرأة، مثل "قانون حماية الأسرة" الذي صدر عام 1967، ألغي عام 1992 وصدر بدلا عنه قانون يضيق على الرجال في مسألة الطلاق، ولأن المرأة لا تزال من الناحية المادية خاضعة للرجل فإن هذا القانون يعتبر أفضل لها عن القانون الصادر في عصر الشاه الذي كان يسهل للمرأة عملية الطلاق.
إن النساء المهتمات بشؤون المرأة أصبحن يتعاون مع غيرهن غير المتمسكات بالدين. فنجد أن السيدة محبوبة أمي، الكاتبة في المجلة النسائية "فرزانة" ترى وجوب العمل المشترك مع المهتمات بشؤون الدين واحترام رأيهن، حتى ولو اختلفت الآراء. ونجد أن كلا منهن يعمل يدا بيد للوصول إلى وظيفة "قاضي" التي منعتها الثورة. وأفضل مثال لهذا شيرين عابدي، التي نالت جائزة حقوق الإنسان، والسيدة أعظم طالقاني، اللتان تعترضان سويا على عدم تعيين المرأة وظيفة قاضي.
ولقد زادت من جديد فرص تحرر المرأة في إيران، فلأول مرة في تاريخ إيران أن يكون للنساء دور في انتخاب الرئيس، حيث أصبح عدد النساء الناخبات يعتد به، وبات الحصول عليها مهما.
وإلى جانب المعطيات الموجودة في الجمهورية الإسلامية يبدو لنا أن الاهتمام بشؤون المرأة إسلاميا هو الحل الأمثل، فنحن نجد اليوم بعض النساء غير المتدينات والمهتمات بشؤون المرأة، مثل القاضية شيرين عبادي ، يقلن "أن الإسلام دين يعادي المرأة مثل كل الأديان. وأن القاعدة السائدة أن الحقوق لا تمنح ، بل يجب الوصول إليها ذاتيا". ولهذا نجد أن النساء الإيرانيات بدأن يفسرن القرآن، ويرون أن الأمل الوحيد في المجتمع المسلم يكمن في قضية تحرر المرأة والاشتراك في المناقشات الدينية والقانونية، حتى يثبتن ما هو إسلامي في جوهره وما هي القوانين التي يمكن أن تتغير. كما أن المسلمات المهتمات بشؤون المرأة وكذلك بعض الرجال يرون أن قضية المرأة ما هي إلا اختبار للعالم الإسلامي ونقطة صراع مع العالم الحديث. وأيضا يرى أستاذ الأدب المصري نصر حامد أبو زيد، أن حل قضية المرأة يكمن في خلاصة عصر تنوير العقول. كما أننا نجد أن الإمام خميني كان أيضا مقتنعا بأهمية قضية المرأة في تغيير المجتمع، فنجده يقول: " لو تغير وضع المرأة سوف يتغير المجتمع."
عن 40(1990)3 Orient، ترجمة عبد اللطيف شعيب
كتايون أميربور باحثة في الدراسات الإسلامية وصحفية، مقيمة في ألمانيا