مرآة الهوية القومية

أذهل المنتخب التركي عالم كرة القدم من خلال انتقاله المثير إلى النصف النهائي لبطولة كأس أوروبا. لكن ما مدى إمكانيات الكرة التركية على أرض الواقع؟ أمين فرزانيفار تحدَّث حول ذلك مع الصحفي الرياضي والخبير بالشؤون التركية، توبياس شيشتر.

​​يصف توبياس شيشتر في كتابه الذي يحمل عنوان "الممتاز" كرة القدم التركية بمرآة الهوية القومية التركية. بيد أنَّ هذا الكتاب لا يتناول فقط كرة القدم التركية، إذ أنَّ توبياس شيشتر الذي عمل لمدة طويلة صحفيًا رياضيًا في إسطنبول لصالح وسائل إعلام سويسرية وألمانية، يصف أيضًا بشكل واسع وممتع تأسيس أكبر ثلاثة نوادي تركية - غلاطة سراي إسطنبول ونادي فنربخشة وبشكتاش، بالإضافة إلى وصفه للانتصارات التركية الأولى على المستوى العالمي.

وفي ذلك يربط بين كرة القدم وتاريخ تركيا، ويحلِّل كذلك بعض الظواهر مثل حالة الهستيريا التي أدَّت في عام 2006 إلى "فضيحة إسطنبول" - اضطهاد الفريق السويسري الأشبه باضطهاد اليهود في الحقبة النازية، بالإضافة إلى حالة الاكتئاب الجماعية التي تنتشر في عموم تركيا بعد كلِّ خسارة؛ غير أنَّه يصف أيضًا إرادة الأتراك القوية وحماسهم اللذين أوصلا المنتخب التركي عام 2002 إلى المركز الثالث في بطولة كأس العالم. إنَّ من يقرأ هذا الكتاب سيعرف في الوقت نفسه المزيد عن أمرين - عن كرة القدم التركية وعن تركيا. أمين فارزانيفار في حوار مع توبياس شيشتر.

السيد شيشتر، كيف كانت الأجواء في بازل قبيل المباراة التي جرت بين سويسرا وتركيا؟ فعلى كلِّ حال كانت هناك مخاوف من احتمال تكرر الأحداث التي وقعت قبل عامين في إسطنبول أثناء مباراة التأهُّل لبطولة كآس العالم.
توبياس شيشتر: أعتقد أنَّ كلا المنتخبين قد أخذا درسًا من تلك المباراة. كذلك كانت الصحف التي تعتمد على الإثارة متحفِّظة نسبيًا فيما يتعلَّق باستفزاز مشجِّعي المنتخبين . لقد تحدثت عن ذلك مع نائبة برلمانية سويسرية ذات أصول تركية، وقالت لي إنَّ الجالية التركية الليبرالية في بازل قد خجلت كثيرًا حينها من تلك الأحداث. وبازل التي يقيم فيها ثمانية عشر ألف تركيًا تعتبر من أكبر تجمعات الجالية التركية في سويسرا، ومن الممكن أن نطلق على ضاحية بازل الصغيرة اسم "إسطنبول السويسرية". وهذا يعني أنَّ هناك عددًا لا يستهان به من المشجِّعين الأتراك، كما أنَّ الكثير من الألمان ذوي الأصول التركية والأتراك المقيمين في ألمانيا يسافرون من أجل تشجيع منتخبهم.

كيف وصلت الأوضاع في تلك المباراة التأهيلية إلى مثل ذلك التصعيد؟

شيشتر: لقد استقلّت في آخر الأمر الصحف التي تعتمد على الإثارة في كلا البلدين بدعاياتها التحريضية. زد على ذلك أنَّ مدرِّب المنتخب التركي، فاتح تريم عمل على شحن الأجواء من خلال الشعارات القوموية المتطرِّفة ونظريات التآمر الفظة المغلطة؛ بالإضافة إلى أنَّ المباريات التي تخوضها تركيا ضدّ منتخبات أوروبية لها على العموم أهمية كبيرة جدًا. فتركيا أتاتورك نشأت من خلال حرب دفاعية ضدّ القوى الأوروبية، كما تسود منذ ذلك الحين علاقة متناقضة مع أوروبا - فمن ناحية يسعى الأتراك إلى الانضمام إلى أوروبا ومن ناحية أخرى يحرصون كثيرًا على الانفصال الثقافي.

وتركيا التي فازت بالمركز الثالث في بطولة كأس العالم لعام 2002 فشلت في التأهُّل لبطولة كأس الأمم الأوروبية لعام 2004 في البرتغال؛ فلو قُدِّر لها أن تضيِّع تلك المباراة للمرّة الثانية لكان ذلك سيكون أكثر وبالاً بالنسبة للأتراك. كذلك يتعلَّق هذا كثيرًا بمفهوم دور الرجال لدى الأتراك الذين يرون أنفسهم دائمًا على جانب الفريق الفائز. لا يوجد في كرة القدم التركية شيء مثل "الخسارة الشريفة".

من المفترض أن تخلق كرة القدم الطريق الأمثل لتفاهم الشعوب والتبادل فيما بينها. فأين هو مكان تركيا ضمن السياق العالمي - أيضًا في داخل أوروبا؟

​​شيشتر: لقد كانت إبَّان حرب التحرير الوطنية الكبرى التي قادها مصطفى كمال أتاتورك مباريات للمنتخب التركي ضدّ جنود الاحتلال الإنكليزي، في إزمير أو إسطنبول، كما أنَّ الأتراك كانوا يحتفلون بهذه المباريات باعتبارها نصرًا عظيمًا للهوية القومية التركية - إذ كان الأتراك يظهرون لأوروبا أنَّهم قادرون أيضًا على مجاراتها في رياضتها. وعلاقة الأتراك مع أوروبا متناقضة جدًا وهي كذلك مطبوعة بعقدة الشعور بالنقص. ومنذ أن قال أتاتورك: "نحن نريد أن نصبح مجتمعًا غربيًا" - منذ انهيار الدولة العثمانية - ينظر الأتراك دائمًا إلى المباريات العالمية أيضًا على أنَّها تعبِّر عن الهوية القومية.

أي أنَّ كرة القدم تعتبر نواة تبلور ذات أهمية محورية بالنسبة للأمَّة التركية؟

شيشتر: لقد قال عالم اجتماع من جامعة أنقرة ذات مرَّة: "إنَّ كرة القدم لم تكن - وما تزال - تشكِّل في أي بلد آخر عدا تركيا مثل نواة التبلور هذه الخاصة بالهوية القومية والعقلية التركية".

حالة الاكتئاب بعد الهزيمة والدعوة إلى استبدال المدرِّب بالإضافة إلى الصحف الهستيرية الصارخة - هل ينتشر كلّ هذا في تركيا من جديد أسرع من انتشاره في أي مكان آخر؟

​​شيشتر: تركيا هي بلد التطرّف وبلد الأزمة المستمرة، كما أنَّ القصص تترادف إثر بعضها في حركة يومية. وثمة مثال صغير على ذلك يكمن الآن في الاستغناء عن اللاعب هاكان سوكور Hakan Sükür الذي تنتقده الصحافة التركية منذ عدة أعوام بصورة متطرِّفة. والآن يتساءل نفس الأشخاص: "لماذا يا فاتح تريم لم تأخذ هاكان سوكور معك؟" هذه هي الانعكاسات النوعية الخاصة بالصحف التي تعتمد على الإثارة.

إذن هذا يعني المضي دائمًا نحو الأمام - النظر إلى الوقت الحاضر وليس إلى الماضي؟

شيشتر: يتعلَّق الأمر كثيرًا بمعالجة تاريخ تركيا، إذ توجد في تركيا الكثير من الموضوعات المحرَّمة، على سبيل المثال ما يعرف باسم إبادة الأرمن الجماعية أثناء الحرب العالمية الأولى. وتركيا تنظر دائمًا إلى الأمام وليس إلى الماضي.

هذا يعني أنَّ تركيا تنفتح ببطء نحو أوروبا. هل تشهد تركيا تحوّلاً أيضًا في كرة القدم؟

​​شيشتر: في عام 2000 حقَّق نادي غلاطة سراي إسطنبول أول فوز لنادٍ تركي بكأس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم UEFA-Cup، وفي عام 2002 أصبحت تركيا صاحبة المركز الثالث في بطولة كأس العالم في آسيا، حيث رأى الأتراك أنفسهم على نفس المستوى مع عظماء كرة القدم - ألمانيا والبرازيل. لكن هبوط المنتخب التركي إلى مستوى منخفض أدَّى إلى حالة ارتباك كبيرة. يوجد في كلِّ أوروبا الكثير من لاعبي الدرجة الأولى الأتراك، الأمر الذي يمكن أن يشكِّل مخاوف رهيبة بالنسبة للمنتخب الوطني التركي والأندية التركية. غير أنَّ هؤلاء اللاعبين لا يتصدَّرون تمامًا أجندات الصحافة: "هؤلاء اللاعبون ليسوا أتراكًا حقيقيين"، مثلما يُقال. وفي هذا الصدد يجب أن يقوم الأتراك بالمزيد من الانفتاح.

يلعب على كلِّ حال الكثير من النجوم العالميين في واحد من الأندية الإسطنبولية الكبرى؛ ولكن من ناحية أخرى يُقال في تركيا، إنَّ من يدع نفسه يتجنَّس بجنسية أخرى يجب عليه أن يغيِّر اسمه.

شيشتر: أشهر مثال على ذلك هو اللاعب ماركو أوريليو من ريو دي جانيرو. فقد تمَّ تعيينه في عام 2006 كأوَّّل لاعب "غير تركي" - مثلما يصفه القوميون الأتراك - في المنتخب الوطني التركي؛ لقد كانت هناك ضجة كبيرة وأشاع عنه الصحفيون أنَّه امتنع عن إنشاد النشيد الوطني التركي - لمجرَّد أنَّه لم يكن يستطيع في تلك الأيام إنشاد هذا النشيد. والآن أصبح اسمه "محمد"؛ وهذا يعتبر أيضًا تنازلاً لصالح القوميين.

ما هو الشيء الخاص الذي يميِّز العلاقة التركية الألمانية؟

شيشتر: تعتبر هذه العلاقة مميَّزة بطبيعة الحال بفضل وجود مليونين وأربعمائة ألف تركي أو ذوي أصول تركية في ألمانيا. وبالإضافة إلى ذلك كان المرء ينظر دائمًا إلى الألمان باعتبارهم معلِّمين، لقد بدأ هذا مع المدرِّب يوب ديرفال Jupp Derwall الذي انتقل إلى نادي غلاطة سراي إسطنبول، وبعد ذلك عندما تولّى في نهاية الثمانينيات المدرِّب سيب بيونتيك Sepp Piontek تدريب المنتخب الوطني التركي. ويتحدَّث المرء عن ذلك بكلِّ تقدير واحترام، كما أنَّ الصحفيين يطلبون الآن، للعام 2008، مدربا آخر مثل بيونتيك، ليحسِّن مرَّة أخرى تشكيلة المنتخب التركي ويثري بتأثير عالمي المشهد الكروي التركي.

ما هي توقّعاتك الشخصية بشكل مجمل لكرة القدم التركية؟

شيشتر: كرة القدم التركية تتمتَّع بثروات كبيرة من المواهب، كما أنَّها تتمتَّع أيضًا بإمكانيات اللعب باستمرار على أعلى مستوى. والطريق مفتوحة أمامها لخوض الدوريات والبطولات الكبيرة ولتحقيق الانتصارات.

أجرى الحوار: أمين فارزانيفار
ترجمة: رائد الباش
قنطرة 2008

قنطرة

لاعبي كرة القدم الناشئين الألمان من أصول تركية:
اللعب مع بلدي وضد بلدي
في المبارة الودية الأخيرة هزّم الفريق القومي التركي ألمانيا بهدفين أحرزهما نوري شاهين وخليل التنتوب الألمانيان النشأة من أصول تركية. هل فوّت الإتحاد الألماني لكرة القدم على نفسه الفرصة لإدماج المواهب التركية الشابة؟ بقلم أندريه توشيتش

تايكواندو وكرة القدم:
رياضيون عرب في ألمانيا
هاجر آباؤهم وأمهاتهم إلى ألمانيا وتحول الأولاد إلى رياضيين حققوا الشهرة لبلدانهم الأصلية أيضا. فيصل ابن طالب وعزيز الشرقي مثلا في لعبة التايكواندو ورشيد عزوزي وعبد العزيز أحنفوف في كرة القدم. جميعهم ينحدرون من المغرب. تقرير سمير عواد

النساء وكرة القدم:
لعب كرة القدم بالحجاب والمكياج والسراويل الطويلة
لاعبات النادي "الديرسيم سبور" في برلين لا يستطعن تصور حياتهن من دون كرة القدم وقد حققن حلمهن في المشاركة في بطولة العالم لكرة القدم النسائية في العام القادم. تقرير أريانا ميرزا.