"يجب أن نكون قادرين على الحوار"
لقد كنت في هذا الفندق، فندق الكومودور، في الثمانينيات، أليس كذلك؟
لورنس بينتاك: نعم، كنت أَعمل في الثمانينيات مراسلاً لمحطة السي بي اس في الشرق الأدني وكانت بيروت مقر عملي. لقد مكثت في هذا الفندق - مثل الكثيرين من المراسلين الصحفيين - حوالي خمسة أَعوام تقريبًا. وبسبب المعارك الشديدة وسقوط القنابل كنّا ننام في هذه الحجرة، التي أَصبحت الآن صالة للمؤتمرات.
وهل دار الحديث في ذلك الوقت عن الحوار؟
بينتاك: عندما أشاهد ريبورتاجات من ذلك الزمن، مثلاً حول خطف الطائرة التابعة لشركة TWA، أُلاحظ أَنّنا أخذنا المصطلحات العامة من دون تفكير تقريبًا. إرهابيون، أَكانوا إرهابيين إسلاميين، نحن لم نشك في مثل هذه المصطلحات.
لم يتساءل أَحد فيما إن كانوا حقًا يمثلون الإسلام. لكن الأَحوال اختلفت اليوم، فالصحفيون يسألون أَكثر. في تلك الأَيام كانت الهيمنة لوسائل الإعلام الغربية التي كانت تحدّد نوع الخطاب. ولم تكن وسائل الإعلام العربية فعلاً مستقلة.
سمعنا أَثناء المؤتمر، أَنّ وسائل الإعلام العربية مقيّدة جدًا في عملها بسبب الأَوضاع الحكومية أو السياسية والاقتصادية أيضاً. لقد كان ذلك واضحًا جدًا في الثمانينيات. زدّ على ذلك، أَنّه لم يكن يوجد في تلك الأَيام لدى الطرفين، وسائل الإعلام العربية والغربية، حس للحوار.
ماذا يعني الحوار حاليًا في وسائل الإعلام بالنسبة لك؟
بينتاك: الحوار يعني الإصغاء والكلام بالقدر نفسه. في تلك الأَيام كان الغرب هو الذي يأمر، ولم نكن نصغي. وكوننا صحفيين فقد كنّا نجمع الأَخبار فقط ولم نكن نفكِّر في المجتمعات. ولم نكن نتساءل عن أَسباب التطورات.
كنّا نعمل، خاصة في التلفزة، مع أَشخاص تقليديين. كيف لنا أَنْ نتعامل مع المشاهدين، الذين لا يعرفون شيئًا عن المنطقة؟ كيف يريد الصحفي، وهذا ينطبق على وقتنا الحاضر، توضيح الأَوضاع المعقدة في لبنان للمشاهد العادي؟
كانت تُستخدم كليشيهات: المسيحيون والمسلمون والدروز، لكن الأَمريكيون أَيضًا. وبعد الوقت الذي قضيتُه في لبنان، اخترت طريقًا آخراً، لكي أعطي التنوّع الموجود في هذا البلد حقّه: كتبت كتابًا.
إذن ألاَ تؤمن بالحوار الافتراضي، مثلما سُمِّي عنوان المؤتمر؟
بينتاك: أَنتقد بشدّة الحوار الذي يجرى في الانترنت. وأَعتقد أَنّ هذا الحوار كمن يعظ من اتّعظوا. إنّ مستخدمي الشبكة انتقائيون للغاية. إذ أَنّهم يعرفون ماذا يريدون وهم كثيرًا ما يكونون مهتمين ونشيطين في مواضيع معيّنة.
وعلى الجانب الآخر فإنّ الإسلامويين يمارسون نشاطات كثيرة في الانترنت وقد تكيّيفوا مع الأَشكال الجديدة للتكنولوجيا وما تتيحه من إمكانيات. فهم يتواصلون أَيضًا مع مجموعاتهم الانتقائية. كثيرًا ما تساءلت، كيف تستطيع الأَصوات المعتدلة أَنْ تواجه ذلك. أَقول باختصار، إنّني أَعتقد أَنّه لن يتم إشراك الجماهير الواسعة في الحوار بواسطة الإنترنت.
لكن الأَمر يتعلق أَيضًا بتوفير إمكانية الوصول إلى المعلومات وبالفرص التي يتيحها الإنترنت.
بينتاك: لكن هؤلاء ليسوا الجماهير الواسعة. المعلومات تصل إلى نخب. إنّ الإنترنت بالطبع رائع لمن يبتغي جمع معلومات. كما أَصبح يمكن القول تقريبًا، إنّه يوجد معلومات كثيرة جدًا، ومن يبحث يتوه في التفاصيل، يضلّ الطريق. إذ يمكن للشبكة المعلوماتية أَنْ تلتهمك.
ولكن مع ذلك فقد أَتاحت وسائل الإعلام، وكذلك وسائل الإعلام الشعبية وممثلوها، إمكانية للحوار. على سبيل المثال الجزيرة: قدَّمت هذه القناة لأَصوات جديدة فرصة للتعبير. ومجرّد الانتباه لهذه الأَصوات يصنع حوارًا. كذلك تعمل البرامج الحوارية التي تبثّها هذه القناة والأطر التي يُناقش فيها، على تنمية التبادل والحوار.
أَتيت للتو من الدوحة، حيث تُصنع برامج الجزيرة. لقد قلت للمسؤولين هناك في القناة، إنّه من دون الجزيرة ما كان لابن لادن أَنْ يصبح لما هو عليه اليوم. لا أَقول هذا منتقدًا أَو أَنّي أَتّهم القناة بالتحيّز. لكن لم يكن التلفزيون السعودي أَو المصري سيتيح لابن لادن هذا الحضور الإعلامي.
كان بإمكانه أَنْ يقوم باعتداءات في نيويورك وأَيضًا من دون الجزيرة، لكن من المؤكد أَنّ تأثيره الإيديولوجي سيكون ضعيفًا لو لم يُتاح له التعبير على منبر تلفزيون الجزيرة.
لكن وبفضل التكنولوجيا أَيضًا، لم يعد بمقدور جورج يوش أَنْ يقول شيئًا ويفعل شيئًا آخر تمامًا. فعندما يبذل بوش جهدًا كلاميًا من أَجل دولة فلسطينية، في حين تكون الدبابات الإسرائيلية تقتل فلسطينيين في الضفة الغربية، فعندئذ تكون الصور هي الناطقة. فيستدل المشاهد على الازدواجية في المعايير.
لكنّك تحدَّثت في مشاركتك أَيضًا عن جيتّو معلوماتي Info Getto، فهل يمكنك أَنْ توضِّح لنا هذه الظاهرة؟
بينتاك: كان يوجد في السابق خطاب واحد، صيغة سائدة للحدث. وكنا جميعنا نشاهد الصور عينها. أَمّا اليوم فيوجد عدد كبير من الصيغ والصور للحدث الواحد بفضل القنوات التلفزيونية الفضائية العربية ومن خلال تطوّرات مشابهة في أَجزاء أخرى من العالم. اليوم يتابع المشاهدون والقرّاء الأحداث حيث يتناسب مع نظرتهم للعالم.
ففي الولايات المتحدة الأَمريكية يشاهد المشاهد المحافظ أَخبار قناة فوكس (فوكس نيوز)، وللمشاهد الليبرالي الأَمريكي وسائله الإعلامية الخاصة أيضاً. وهذا ينطبق أَيضًا على العالم العربي.
يؤدي ذلك إلى أَنّنا لم نعد نشاهد نفس الخطاب السائد. صحيح أَنّ الكثيرين جدًا من العرب يمكنهم الاطّلاع على وسائل الإعلام الغربية، لكن عدد الأَمريكيين الذين يمكنهم الاطّلاع على الخطاب العربي محدود جدًا. إذن نحن نعيش في غيتو افتراضي ذي جدران افتراضية.
وبهذا المعنى يجدر أَنْ نتساءل، كيف سيكون البرنامج الإنكليزي لدى الجزيرة. هل سيعتمد على الصيغ والمضامين العربية؟
ماذا يعني هذا بالنسبة لتدريب صحفيين شباب عرب؟
بينتاك: أحاول في برنامجنا، أَنْ أَجعل الطلاب يفكَّرون في دورهم كصحفيين. وهذا يسري على الطلاب في كل البلدان. ينبغي بهم أَنْ يفكّروا أَكثر في اللغة المستخدمة والصور.
ساهمت وسائل الإعلام في الاستقطاب. وينبغي بالصحفيين الشباب أَلا يركِّزوا فقط على الموقف المتطرّف الخاص بطرف ما.
قيل في المؤتمر، إنّه لا يجدر بنا أَنْ نتجاوز الاختلاف ما بين العالمين الإعلاميين، بل أَنْ نعترف بهذا الاختلاف. ما قولك في ذلك؟
بينتاك: لا يوجد صحافة غير متناهية. فالصحفي الغربي سيبقى دائمًا يعرض الخبر من منظوره. يجب على الصحفي أَنْ يراعي في التقارير الإعلامية وجهة نظره الخاصة ووجهة نظر الآخر. لا ينبغي بنا أَنْ نتجاوز الاختلافات، لكن يجب علينا أَنْ نكون قادرين على التواصل والحوار.
أَجرى الحديث برنهارد هيلنكامب
ترجمة رائد الباش
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2005 ©
يعمل لورانس بينتاك مديرًا لمركز الأَدهم للصحافة التلفزيونية التابع للجامعة الأَمريكية في القاهرة. وقد شارك في مؤتمر بعنوان "وسائل الإعلام والعلاقات الأوروبية مع الشرق الأَوسط - حوار افتراضي؟"
تم تنظيم هذا المؤتمر الدولي، الذي شارك فيه صحفيون وكذلك علماء، بشكل جماعي من قبل معهد الشرق (المعهد الأَلماني للدراسات الأَدبية في الخارج DGIA) ومؤسسة فريدريش إيبرت ومعهد الدراسات الفرنسي (المعهد الفرنسي للشرق الأَدنى IFPO).
يترأَس لورانس بينتاك منذ بداية عام ٢٠٠٥ إدارة مركز الأَدهم، الذي لا يقوم فقط بتدريب الصحفيين، إنما يعمل كذلك في مجال المسح الإعلامي في الشرق الأَدنى. كما يقوم المعهد بإصدار مجلة دراسات الإرسال عبر الدولية، التي يمكن تصفحها على الإنترنت.
القنطرة
الثقافات الإعلامية وتحديات العولمة
ما هي نتائج المنافسة بين الفضائيات الغربية والعربية؟ يقدم أوليفر هان أستاذ الصحافة في جامعة دورتموند الألمانية تحليلا للوضع الحالي ويقترح تعاونا إعلاميا وثيقا متعدد الثقافات
الثقافة ودورها في دعم الديموقراطية
تبادل الخبرات بين صحفيي صفحات ثقافية ألمان وعرب هو هدف المشروع الذي تنظمه مؤسسة هاينريش بول حاليا. أربعة صحفيين من مصر ولبنان والمغرب وفلسطين زاروا ألمانيا في شهر آب/أغسطس الماضي. وسيسافر في المقابل أربعة صحفيين ألمان إلى بيروت ورام الله والإسكندرية ومراكش. تقرير مارتينا صبرا.
وسائل الإعلام والمجتمع المدني
تميل وسائل الإعلام في مصر إلى وضع دور الحكومة في مركز اهتماماتها بينما تهمل المسائل المتعلقة بالمجتمع المدني. وذلك ما يجعل القوى العاملة في حقل نشاطات المجتمع المدني تشعر بالخذلان والقهر. لكن صفحات شبكة الويب العالمية تفسح المجال لإمكانيات جديدة. تقرير الباحثة نهى الميكاوي