التمدن هو الحل

بعد مرور عشر سنوات على انعقاد المؤتمر العالمي في القاهرة حول السكان والتنمية، بدأت مرحلة التقييم لتطور عدد السكان والظروف المعيشية. الدور الأهم في عملية التغيير الاجتماعي ستقوم به المدن الكبرى في الدول النامية حسب رأي هاينريش برغشترسر

اجتاز البرنامج الذي ٌأقر قبل عشر سنوات في القاهرة والذي تم القبول به من قبل كافة دول العالم تقريبا ووضع لمدة عشرين عاما من أجل خفض نسبة النمو السكاني ومن أجل تحسين الظروف المعيشية العامة نصف المرحلة المقررة. وبالرغم من أن فترة العشر سنوات التي مرت على هذا البرنامج تبدو طويلة جدا في المعيار السياسي، لكنها من منظور التغيير الفكري وتغيير العادات البشرية ليست سوى لمحة بصر.

كرامة المرأة هي الأهم

ويتحدث كل من الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان ومديرة صندوق السكان العالمي ثريا أحمد عبيد عن تقدم ملموس في مجال تنظيم النسل وتقوية دور المرأة بالتحديد في عملية التطور هذه. لكن هذا التقدم يمكن أن يقاس بالمليمتر على أبعد الحدود وقد يذهب هباء مقارنة بزيادة عدد السكان الكبير على الكرة الأرضية. وما زالت هناك الملايين من حالات الحمل غير المرغوبة وحالات الاجهاض الخطيرة. هذا ناهيك عن نسبة موت الأمهات خصوصا الشابات منهن والفتيات الصغار.

لا يجوز المبالغة في التأكيد على حق منع الحمل، والذي اعتبرته لجنة حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة حقا انسانيا. ان ذلك يمر على المشكلة القائمة مرور الكرام، خاصة وأن ممارسة الجنس ومنع الحمل لا يمكن ضبطهما بالقوانين، وإنما يتطلب الأمر في هذا الخصوص تغيير جذري في التفكير القائم، بحيث لا يتم الاعتراف فقط بكرامة الانسان بشكل عام وإنما أيضا وبشكل خاص بكرامة المرأة على أساس أنها العنصر الأهم في عملية التكاثر البشري.

ويتطلب الأمر نمطا جديدا من الانسان، من أجل رؤية العلاقة الوطيدة بين تزايد عدد السكان والتطور والحرية وتحّمل النتائج المترتبة على ذلك. ولا يمكن أن يقوم هذا النمط الانساني سوى في المدن – وبغض النظر عن حجم تلك المدن – حيث تخلق عملية تقسيم العمل الانسان العصري والمواطن، الذي يطمح للحرية: حيث أن الحرية أيضا هي إنجاب عدد أقل من الأطفال في هذا العالم.

وبنفس الوقت فإن ضيق المكان في المدينة يولد بُنى تؤدي في نهاية المطاف إلى زعزعة نظام العائلة الكبيرة وتضع نماذج فكرية وتبتدع أساليب تعامل اجتماعي أخرى. وبالطبع لا يجوز تغييب حقيقة أن المدينة لها جوانبها المظلمة والاجرامية والاستغلالية. ان هذا ليس من الممكن بمكان تفاديه، ولكنه مقبول. وفي نهاية المطاف فإن المدينة هي الوحيدة التي تغير العادات والتقاليد القائمة منذ زمن بعيد: مثل طريقة الأكل والشرب والعمل والحب والتفكير.

تقودنا عجلة التطور إلى المدن الكبرى في هذا العالم والتي ستضم الانسان الجديد، الذي عليه التحرر من تصورات القيم لسكان المناطق الريفية. ان الاتجاه محدد من أجل التوصل في بضعة عقود زمنية قادمة على طريق التمدين إلى توازن سكاني ومن أجل الحفاظ على الموارد الطبيعية.

هاينريش برغشترسر، دويتشه فيلله 2004
ترجمة مصطفى السليمان