إصلاحات بدون ديمقراطية

في ماليزيا لاقى حزب الإسلاميين المعتدلين هزيمة كبيرة، حيث استطاع الحزب القومي العلماني أن يسحب البساط من تحت قدميه ويجتذب ناخبيه، تعليق شارلوته فيدهمان

إن صعود نجم حزب إسلامي في بلد ما له أسباب ذات طبيعة خاصة ولهذا فإن أفوله أيضا محتمل، وعليه فقد أوضحت نتيجة الانتخابات الأخيرة في ماليزيا بجلاء وبما لا يدع مجالا للشك أن أجواء العلاقة بين الشرق والغرب في أي مكان آخر غير ماليزيا تتميز بالحدة.

فحزب ماليزيا الإسلامي المعارض والمعتدل نسبيا فقد تأثيره بشكل كبير. استطاع رئيس الوزراء الماليزي الجديد عبدالله بدوي الذي تسلم مهام منصبه هذا منذ خمسة أشهر أن يستعيد أصوات الناخبين المسلمين ويصهرها في بوتقة واحدة بصبغة عصرية لصالح سياسة حكومته.

وحين سلم رئيس الوزراء السابق مهاتير محمد مقاليد الأمور بعد حكم دام اثنين وعشرين عام لخلفه عبدالله بدوي، تساءل المراقبون بحيرة أيهما الأكبر سنا؟

فإلى بجانب مهاتير الذي يبلغ من العمر ثمانية وسبعين عاما يبدو بدوي الحذر، رغم أنه أصغر بأربعة عشر عاما، ذا وجه شاحب وضعيف، والآن فقد حقق نجاحا فاق كل التوقعات، و فقد الحزب الإسلامي سيطرته على هذا البلد الغني بالبترول بعد أن كان قد حقق فوزا غاليا في الانتخابات منذ أربعة أعوام.وخسر الحزب الإسلامي في البرلمان وحقق نسبة وصلت إلى دون العشرة في المائة حتى أن رئيسه لم يفز وخسر مقعده.

الحزب الحاكم يستعيد قوته

لكن قوى منظمة الجبهة الوطنية الماليزية المتحدة والتي كانت تعصف بها الأزمات عادت لتتوحد. وتبقى هي القوة (المسلمة) المهيمنة في ائتلاف مع الأحزاب الصغيرة ذات الأصول الهندية والصينية.

وهيمن ما سمي "بمعركة استقطاب المسلمين"- الذين يمثلون 60 في المائة من السكان- على السياسة الداخلية في ماليزيا في الأعوام المنصرمة ودار نقاش قطبي فقير في مضمونه حول الإسلام الصحيح والسيطرة على الأفكار.

وأثناء علمية الشد والجذب السياسي تلك أصبح المجتمع الماليزي المسلم أصبح أكثر محافظة في ثقافته وساء الموقف تدريجيا تجاه غير المسلمين.

وهنا قرر عبدالله بدوي كسب المعركة الانتخابية من خلال خط سياسي متناقض أي عن طريق إظهار مزيد من التدين ووعود قوية بالنظافة والطهارة في سياسته وبنظام حكم إسلامي متطور يجمع بين الدين والعلم الحديث لكنه لم يعد بمزيد من الديمقراطية.

رئيس الوزراء الإمام

وإذا نظرنا إلى السيرة الحياتية لرئيس الوزراء لوجدنا أن للدين دورا هاما فيها، فوالده وجده كانا من علماء الدين الإسلامي وهو نفسه قد درس العلوم الإسلامية وتعلم اللغة العربية بل وكان يؤم المصلين عندما كان يحل زائرا في القرى.

ولذلك لم يجد الحزب الإسلامي نقاط ضعف كثيرة في شخصه في هذا الإطار، على عكس سلفه مهاتير الذي كان رجلا عصريا أكثر منه إسلاميا ، إضافة إلى ذلك أنه لازمته دائما قضية نائبه السابق أنور إبراهيم إذ عزله عنوة على خلفية اتهامات جنسية مشينة له وسلمه للمحاكمة ومن ثم للسجن.

وسعى رئيس الوزراء الجديد عبدالله في الشهور الأولى لبدايات توليه مهام منصبه أن ينأى بنفسه بكل حذر عما شاب عهد مهاتير من شطط وسلبيات، وعليه فقد أوقف مشاريع ذات تكلفة كبيرة، لم تكن إلا تعبيرا عن أمور تتعلق بالهيبة. فرفض خطة معدة من فترة طويلة لإقامة خزان مائي مثير للجدل.

أما بالنسبة لقوات الشرطة فهو يعتبرها مرتشية وغير قادرة على أداء مهامها وسيئة السمعة ولذلك فقد وضعها عبدالله على محك الاختبار، وأمر أيضا بأن يتم الإعلان مستقبلا عن مهام الحكومة أمام الرأي العام.

وكانت سياسة المحسوبية والمحاباة يصطدم بها الكثير من الماليزيين وهو مانجح في استغلاله الحزب الإسلامي منذ أربع سنوات حيث حقق نصره بالتركيز على التشهيربالفساد والسياسات القذرة في المجتمع. وبالتالي اكتسبت انتقادات عبدالله لكل مظاهر الحياة الفاخرة للسياسيين السابقين من حزبه شعبية كبيرة.

ولم يتم التأكد بعد من صحة إذا كانت المؤشرات الأولى لهذه التصريحات ستتبعها سياسة لمحاربة الفساد حقا، إلا أنه وبعد سجن ثلاثة من الأعضاء البارزين في الدولة بعد انتقادات حد الصحفيين تبين التأثير البالغ للصحافة المنتقدة للحكومة وهو ما أسعد ستيفن غان الذي يقوم بإصدار صحيفة يومية مستقلة على شبكة الإنترنت، حيث يقول بأن مهاتير لم يعد قادرا على حماية معاونيه القدامى.

لا توجد نية لإصلاحات ديمقراطية

أما على صعيد الحقوق المدنية فإن عبدالله بدوي يسير على نهج سلفه السلطوي مهاتير محمد، فماليزيا ماتزال دولة تمارس منع حرية التجمع والتجمهر، وليس لديها قضاء مستقل وتفرض قيودا متشددة على حرية الصحافة وهذا الأمر لا يزعج الأكثرية من الناخبين الماليزيين.

وكان رئيس الوزراء الجديد عبدالله بدوي وزيرا للداخلية في عهد مهاتير، وكانت كافة المراسيم التشريعية والأوامر الحكومية الخاصة بالملف الأمني الداخلي سيء السمعة تحمل توقيعه تحت اسم قانون الأمن.

وترجع أصوله إلى عهد الاستعمار البريطاني، وكانت بمثابة سلاح ناجع موجه ضد المعارضة حيث كان من الممكن اعتقال نشطاء غير مرغوب فيهم لمدد تصل إلى عامين دون أية أحكام صادرة ضدهم. ويُضرب في الوقت الراهن اثنا عشر من هؤلاء المعتقلين الطعام.

النائب السابق في السجن

ويأتي تطبيق القوانين التي تؤيد مكافحة الإرهاب الدولي، داعمة لهذه القوانين الاستبدادية. وفي حين أن ماليزيا كانت توجه إليها منظمات حقوق الإنسان الدولية انتقادات واسعة في هذا الشأن، أصبحت الآن تلقى مواقفها هذه استحسانا لاعتقالها هؤلاء الراديكاليين.

وليس هناك بوادر للتصالح مع ضحايا مهاتير البارزين: ففى قضية نائبه السابق أنور إبراهيم لايبدو في الأفق أي حل سياسي لها، فمباشرة تم رفض اسئناف تقدم به مؤخرا،وهو يعاني من متاعب صحية ويقبع في زنزانة منفردة بسجنه منذ خمسة أعوام.

ونظرا لطول مدة اعتقاله فقد قارب الناخبون على نسيانه. أضف إلى ذلك أن حزبا صغيرا كحزب العدالة الذي تتزعمه زوجة المعتقل وان عزيزه قد تم رفضه ولم يقبل لخوض الانتخابات. وفي حال إذا ماخيب رئيس الوزراء الماليزي عبدالله بدوي الآمال المعلقة عليه في الإصلاح فلن تكون هناك معارضة قوية لتقف أمامه وتوجه اليه أية اتهامات.

بقلم شارلوته فيدهمان

ترجمة شكري عبد الحميد

قنطرة 2004 ©