تجاوز الخطوط الفاصلة
عرض كل من عبد الله غول وفرانك ـ فالتر شتاينماير في شهر شباط/فبراير من العام الماضي على نحوٍ شخصي، كيف يمكن للتعاون الألماني-التركي أنْ يكون على المستويين الإعلامي والسياسي.
ردًا على أزمة الرسوم الكاريكاتورية كتب وزيرا الخارجية مقالاً مشتركًا تم نشره في وقتٍ متزامن في جريدتين يوميتين واسعتي الانتشار هما جريدة "بيلد" "Bild" الألمانية وجريدة "حريات" "Hürriyet" التركية.
شكا الوزيران في هذا المقال، إلى جانب أمور أخرى، من النقص المتبادل في الاحترام، والحساسية، والمعرفة في كلا البلدين. لذا أطلق غول وشتاينماير في شهر أيلول/سبتمبر 2006 مبادرةً مشتركةً تسعى على نحو خاص إلى دفع عجلة التفاهم بين الحضارات إلى الأمام.
لا يتعين على تركيا وألمانيا التقارب على المستويين الرسمي والسياسي في المرحلة التحضيرية لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي فحسب، بل أيضًا على مستوى التبادل المجتمعي المدني. وقال عبد الله غول بمناسبة احتفالات التأسيس في اسطنبول بهذا الصدد: "هذه المبادرة ليست شأنًا حكوميًا، فالشعوب هي التي ستقوم بالخطوة الحاسمة".
ملاذ آمن من النازيين في تركيا
تعود تسمية مبادرة التفاهم الألماني-التركي إلى السياسي إرنست رويتر، الذي مكث ثلاثة عشر عامًا في منفاه التركي، كما هو حال عدد وافر ممن لوحقوا في ألمانيا النازية –حيث كان من بينهم الكثير من العلماء والفنانين- كما لقي إرنست رويتر في تركيا ملاذًا آمنًا أثناء الحكم النازي، وأصبح محافظًا لبرلين بعد القضاء على النازية في ألمانيا.
رويتر الذي تبوأ أثناء هجرته منصب مستشار للحكومة التركية، أصبح بعد نهاية الحرب أحد أهم شخصيات ألمانيا الاتحادية الفتية.
الجدير بالذكر أنّه يتم التخطيط ضمن إطار "مبادرة إرنست رويتر" لأنشطة في المجالات الاقتصادية، والإعلامية، والتعليمية، والرياضة، ومجالات العلوم واللاهوت. ولا يبدو أنّ هناك نقصًا في الشركاء المهتمين. فكما أوضح وزير الخارجية الألماني شتاينماير: "إنّ شركات ألمانية مثل بوش، وزيمنس، وأوغر كانت قد سمعت النداء وأبدت استعدادهم لدعم مشاريعٍ محددة".
نشرات مشتركة قيد التخطيط
كذلك انضم إلى المبادرة ممثلون مهمون عن الإعلام من كلا البلدين. حيث يشترك بالأنشطة كل من "دويتشه فيله"، جريدة "بيلد"، وكذلك جريدتا "حريات" و"زود دويتشه تسايتونغ" تحديدًا. كما يجري التخطيط لدورات تعليمية صحافية، ولبرامج للتبادل، ولنشرات مشتركة كذلك. علاوةً على هذا سوف توسع دويتشه فيله من حضورها الإعلامي في تركيا.
كما يؤكد أصحاب هذه المبادرة على الدور الأساسي الذي يتخذه الإعلام في سياق التفاهم المنشود. لا سيما وأنّ أزمة الرسوم الكاريكاتورية كانت قد بيّنت بوضوح أهمية دور الإعلام في نشوء وترسيخ صورة العدو الوهمية.
فمن شأن علاقات التعاون الثنائية بين ممثلي الإعلام أن تضفي روح الموضوعية على الحوار بين الحضارات. ولا بد من مواجهة الاستقطاب الحضاري والديني المتزايد باطراد كما يقول شتاينماير.
جامعة ألمانية في تركيا
ويشكل التبادل الشبايي والتعليمي، وكذلك التعاون الأكاديمي والعلمي بنودًا رئيسية أخرى للمبادرة. فعلى سبيل المثال، تدعم "مبادرة إرنست رويتر" تشييد جامعة ألمانية-تركية يكون مقرها في تركيا.
وسيتم تعزيز وتوسيع التعاون القائم بين جامعة هومبولدت وجامعة الشرق الأوسط التقنية في أنقرة.
كما تشمل المساعي الثنائية موضوع الاندماج أيضًا. حيث اتفق الوزيران في تصريحهما على دعوة المنحدرين من أصول تركية والشعب الألماني على السواء إلى تجاوز الأضغان وعدم الاهتمام بالآخر.
وتسعى مبادرة إرنست رويتر في هذا السياق إلى مد يد العون من خلال الأنشطة التعليمية والتنويرية.
بدلا عن الخطوط الفاصلة
أخيرًا وليس آخرًا تولي المبادرة اهتماما بموضوع الدين، حيث سيتم التخطيط لدورات تعليمية لرجال الدين المسلمين في ألمانيا.
بالإضافة إلى ذلك تم إقرار دعم عمل المكاتب التركية-الإسلامية للشؤون الدينية (DITIB) . كما يجري التحضير لسفر أساتذة جامعيين زائرين ألمان ليحاضروا في كلية علوم الدين في جامعة أنقرة.
وسوف يكون من شأن "مبادرة إرنست رويتر" المساهمة بنجاح في تجاوز الخطوط الفاصلة من خلال التبادل الذي سيشمل قطاعات اجتماعية واسعة، كما صرح متحدثون رسميون في أنقرة وبرلين.
الممثلة رينان ديميركان التي تقيم في ألمانيا والمنحدرة من أصول تركية والتي رافقت وزير الخارجية شتاينماير في احتفال التأسيس الرسمي في اسطنبول، عبرت في هذا الصدد بكلماتها التالية: "أمنيتي أنْ يرى الألمان والأتراك العالم بعيني الآخر بعض الشيء".
بقلم آريانا ميرزا
ترجمة يوسف حجازي
حقوق الطبع قنطرة 2007
قنطرة
تركيا والاتحاد الأوربي
ملف شامل يناقش العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوربي من جهة والعلاقة بين تركيا والعالم الإسلامي من جهة أخرى