محاربة اليأس
أفنيري ونسيبة يحصلان على جائزة كوبليف للسلام
تقديرا لكفاحهما المشترك من أجل السلام نال الصحفي الإسرائيلي المعروف أوري أفنيري مع الأكاديمي الفلسطيني سري نسيبة جائزة كوبليف للسلام وحقوق الإنسان لهذا العام. هذه الجائزة تمنح كل عامين في مدينة كولونيا، وهي تحمل اسم الكاتب الروسي ليف كوبليف والذي سُحبت منه الجنسية السوفيتية عام 1981 لكتاباته النقدية. آنذاك استضافه الكاتب الألماني الكبير هاينريش بُل في بيته، وظل كوبليف يعيش في وطنه الثاني كولونيا حتى وافته المنية عام 1997. والآن تمنح جائزة باسمه لأشخاص يعملون في خدمة السلام ويناضلون من أجل حقوق الإنسان.
أفنيري ونسيبة يعملان معا منذ سنوات طويلة للمصالحة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وهو الأمر الذي خلق لهما عداوات كثيرة واتهامات عديدة بالخيانة العظمي، كلٌ في معسكره. فريتس بلايتغن، رئيس منتدى ليف كوبليف يشرح حيثيات منح الجائزة إلى افنيري ونسيبة: "عن وعي توجه اختيارنا هذا العام إلى اسرائيل وفلسطين، لأننا نرى أن السياسة لم تعد قادرة على الإمساك بزمام الأمور. نحن نعتقد أننا بحاجة إلى جهود مخلصة من أشخاص مثل الإسرائيلي أوري أفنيري والفلسطيني سري نسيبة حتى نستطيع بدء حوار مرة أخرى. هذا ما يحاوله الاثنان منذ عقود. إنهما يحاولان ألا يركزا النظر على التاريخ، بل أن يتطلعا إلى البشر وفتح قنوات الحوار بينهم، وهو ما ندعمه بمنحهما جائزة كوبليف."
محاربة اليأس
في كلمة الشكر التي ألقاها أفنيري بمناسبة حصوله على الجائزة تكلم بلغة واضحة، وسمي الأشياء بمسمياتها. قال – مثلا - عن الوضع المأساوي الحالي في الأراضي الفلسطينية: "ليس هناك مساواة بين من يحتل أراضي الغير ومن يقع تحت الاحتلال، بين السائد والمسود. لذا لا يمكن مقارنة العنف الذي يمارسه جنود الاحتلال بالعنف الذي تمارسه المقاومة. إن واجبنا هو محاربة اليأس المستشري بين الطرفين، لأننا نؤمن بالمبدأ القائل: بدلا من أن تلعنوا الظلام أضيئوا شمعة."ويستعرض أفنيري تاريخ أسرته المتجذرة في الثقافة الألمانية، وكيف أجبرت على ترك ألمانيا بسبب تنامي معاداة السامية في الفترة النازية. ولكنه يضيف: "علينا ألا نسمح بأن تكون لعنة معاداة السامية ذريعة لقمع أي نقد موجه إلى دولة إسرائيل وحكومتها.
"
وإلى الفلسطينيين يقول أفنيري أن عليهم ألا ينظروا إلى معادي السامية على أنهم أصدقاء الشعب الفلسطيني: "سيكون خطأ عظيما أن يظن الفلسطينيون التالي: لأن معادي السامية يكرهون اليهود، ولأن اليهود يشكلون الغالبية في إسرائيل، ولأن إسرائيل تقمع الفلسطينيين، فإن معادي السامية أصدقاء الفلسطينيين. بدون معاداة السامية ما كان العالم سيعرف يوما الحركة الصهيونية."
تهمة الخيانة
أما أستاذ الفلسفة والعلوم السياسية سري نسيبة فهو لا يقل إثارة للجدل داخل مجتمعه عن أوري أفنيري. ولد نسيبة في القدس بعد عام من النكبة، وهو ينتمي إلى عائلة مقدسية عريقة. درس الفلسفة والعلوم السياسية وحاز الدكتوراة من جامعة هارفارد الأمريكية المرموقة. بعد عودته من هارفارد عام 1978 عُين نسيبه أستاذا في جامعة بير زيت في الضفة الغربية، وهو يشغل منذ عام 1995 منصب رئيس جامعة القدس. وبعد وفاة فيصل الحسيني أصبح سرى نسيبة ممثلا للسلطة الفلسطينية في القدس الشرقية. وأثار نسيبة جدلا كبيرا عندما بدأ سلسلة اجتماعات مع مسؤولين إسرائيليين، منهم زعماء في حزب الليكود اليميني، وأعضاء في أجهزة المخابرات. فوجهت إليه تهمة الخيانة، لاسيما عندما دعا إلى أن يتنازل الفلسطينيون عن حق العودة لأنه أمر غير واقعي. حول موقفه في هذه القضية قال نسيبه في حديث لإذاعة الدويتشه فيله: "الحقوق تتعارض في بعض الأحيان، وعلى الإنسان أحيانا أن يتنازل عن حق لكي يكتسب حقا آخر. حق العودة حق مقدس، لكنه غير ممكن واقعيا. علينا أن نتعامل مع الواقع وكفانا خطبا وشعارات لا تفيد شيئا."
بمناسبة منح جائزة كوبليف خاطب الرئيس الألماني يوهانيس راو الحاضرين عبر شاشات التلفزيون بكلمة مسجلة، قال فيها إنه "برغم كل النكسات التي تتعرض لها قضية السلام فإنها لم تمت. والفضل في هذا يرجع لأشخاص مثل أوري أفنيري وسري نسيبه".
سمير جريس، دويتشه فيلله 2003