ضمان الاستقرار أم تكريس حقوق الإنسان؟
في نفس الوقت الذي اعتمدت فيه مصر والإتحاد الأوروبي خطة عمل مشتركة لسياسة الجوار واصلت السلطات المصرية نهجها في إسكات الأصوات المطالبة بحرية الصحافة والتعبير. إزابيل شيفر من جامعة برلين الحرة تلقي الضوء على هذا التطور.
شكل الحكم على صاحب المدونة كريم عامر البالغ من العمر 22 سنة في 22 فبراير/شباط 2007 من قبل محكمة في الإسكندرية بالسجن لمدة أربعة أعوام تراجعا حادا في حرية الصحافة والتعبير عن الرأي في مصر، حيث استهدف الحكم إشاعة الخوف بين أصحاب مواقع الإنترنت التي بلغ عددها ما يقرب من 3000 موقع.
المس بالتابوات
كانت جامعة الأزهر القديمة العريقة قد فصلت الطالب كريم عامر بدعوى "التجديف" واتهمته بنشر نصوص على صفحات موقعه انتقد فيها جامعة الأزهر والرئيس حسني مبارك والإسلام بوجه عام. هذه الاتهامات تعني بأنه قد قام بالمساس بعدد من التابوات. انتقد كريم عامر في نصوصه بوجه خاص مناهج التدريس لدى جامعة الأزهر وخرق حقوق الإنسان ونادى بنشر الفكر العلماني.
بناء على تقييمات منظمة العفو الدولية فإن كريم عامر معتقل سياسي لا علاقة له بالعنف وتم اعتقاله بسبب لجوئه إلى التعبير عن رأيه الحر بالطرق السلمية. كما انتقدت المنظمة المذكورة قيام المشرع المصري بإقرار أحكام بالسجن نتيجة للقيام بأعمال لا تتعدى كونها تعبيرا سلميا عن حرية الرأي والفكر والضمير والدين لتضيف بأن ذلك لا يتمشى مع المعايير الدولية السائدة.
هل هو من سخريات القدر أم أنه مؤشر سياسي أن تتزامن إدانة صاحب موقع الإنترنت المذكور مع قيام كل من مصر والاتحاد الأوروبي باعتماد ما يسمى خطة عمل في إطار سياسة الجوار الأوروبي في السادس من مارس/آذار 2007؟
إستعراض القوة في الداخل
لقد استمرت المفاوضات المتعلقة بخطة العمل هذه وقتا طويلا جدا وكما كان عليه الحال إزاء اتفاقية المشاركة في إطار الشراكة الأوروبية المتوسطية لم يتوصل طرفا المفاوضات المصري والأوروبي إلى اتفاق بينهما حول النصوص المتعلقة بموضوع حقوق الإنسان.
لا شك بأنه لا توجد علاقة مباشرة بين هذين الحدثين (اعتقال الطالب والموافقة على خطة العمل) رغم أن الحكومة المصرية قد شددت من خلالهما على موقف ثابت هو أنها في الوقت الذي تتوق فيه إلى التعاون مع الاتحاد الأوروبي في القطاع الاقتصادي إلا أنها لا تحبذ تدخل الاتحاد في المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان في مصر.
من خلال ذلك يتم من جانب ما تقليل أهمية الانعكاسات الاقتصادية الطويلة الأجل المتوقعة لخطة العمل ومن جانب آخر تسخر الحكومة المصرية إشكالية حقوق الإنسان لكي تظهر للأطراف الأوروبية المتفاوضة على نحو استعراضي مدى قوة نفوذها في الداخل، ساعية في آن واحد لإكساب تعاونها مع الاتحاد طابع الشرعية حيال رأي عام داخلي يشدد عداءه للغرب على نحو متزايد.
تحدد خطة العمل التي تم إقرارها أجندة التعاون للسنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة ومن مهام هذه الخطوة دعم أجندة الإصلاح المصرية. انبثقت عن خطة العمل ثماني لجان فرعية من بينها لجنة معنية بـ "القضايا السياسية: حقوق الإنسان والديموقراطية". يبلغ مجموع حجم ميزانية خطة العمل 558 مليون يورو للفترة الواقعة بين 2007 و 2010 كما أنه من المحتمل أن تتضمن هذه الميزانية مبالغ استثمارية إضافية بمقدار 250 إلى 300 مليون يورو.
خيبة أمل
هذا وقد أعربت منظمات حقوق الإنسان مثل شبكة حقوق الإنسان الأوروبية المتوسطية EMHRN عن خيبة أملها من خطة العمل هذه حيث رأت بأن التعبيرات الواردة فيها تتسم بالتمييع والعمومية مما أكسب الخطة طابع الإعراب عن النوايا أكثر من الطابع الذي تتسم به في العادة خطط العمل المشتركة. كما اعترضت المنظمات المشار إليها على عدم إدخال التوصيات الصادرة عن خبراء شؤون حقوق الإنسان في خطة العمل.
لكن المنظمات رأت في الخطة مع ذلك عاملا إيجابيا فحواه دعوة كلا الطرفين مجددا إلى الحفاظ على استقلالية السلطة القضائية وتحسين الأوضاع القائمة في السجون والنهوض بحرية الرأي وعقد الاجتماعات وتأسيس الاتحادات ومحاربة أشكال التمييز والعنصرية والعداء للأجانب.
الجدير بالذكر أن الاتحاد الأوروبي كان قد قام عبر مبادرة "سياسة الجوار الأوروبي" الصادرة عام 2004 بإصلاح آلياته وبتقوية مطلبه الخاص بنشر الديموقراطية. والمعروف أن الهدف الأعلى لسياسة الجوار الأوروبي على المدى البعيد هو إنشاء هياكل ديموقراطية في الدول المجاورة للاتحاد الأوروبي.
نظرية السلام الديمقراطي
في هذا السياق تستند سياسة الجوار على نظرية السلام الديموقراطي التي ابتدعها الفيلسوف الألماني كانت والتي تقول إن الديموقراطيات تشن فيما بينها معدلات أدنى من الحروب مقارنة بالأنظمة الأخرى وأنها أكثر اهتماما وتجاوبا منها حيال حقوق الإنسان.
البرنامج المركزي في مجال النهوض بالديموقراطية وحقوق الإنسان تعكسه "المبادرة الأوروبية المتعلقة بالديموقراطية وحقوق الإنسان" EIDHR التي سيتم تمويلها في إطار آليات الجوار والشراكة الأوروبية.
كذلك أنشئ في مجال النهوض بالديموقراطية وحقوق الإنسان وجودة النظام الحكومي جهاز يسمى "الخدمات الحكومية" يقوم بتقديم دعم مالي من نوع خاص بهدف خلق حوافز أكثر نحو تحقيق الإصلاحات السياسية.
هذا وتحدو المفوضية الأوروبية الأمل في توفير ظروف ومعطيات ذات أشكال إيجابية قوية من خلال إنشاء هذه الآليات الجديدة. هذا يعني بصورة ملموسة محددة القيام بمشاريع في قطاعات النظام الحكومي الجيد والممارسات والقيم الديموقراطية وتكريس دولة القانون وتحقيق التضامن والقدرة على الحركة والانتقال بالنسبة للأفراد والجماعات في دول الشراكة وإجراء الحوار الثقافي والمتعلق بالمجتمع المدني.
دور المتفرج
من ناحية أخرى فإن الشك يخالج أذهان بعض الدبلوماسيين الأوروبيين عما إذا كان من الممكن فعلا الاتفاق على القيام بمشاريع تهدف إلى النهوض بالديموقراطية وحقوق الإنسان. وحجتهم في هذا السياق هي أن الاستعداد للقيام بمثل هذه الإصلاحات ما زال ضئيلا للغاية.
هنا تبقى أولويات الاتحاد الأوروبي حيال الأهداف والنزاعات الراهنة عالقة. فهناك أولوية عامل الاستقرار من جهة وأولوية تعزيز الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان من جهة أخرى. لكنه لا يوجد في حالة الدول المتوسطية ربط بين ضرورة تحقيق شروط معينة ثابتة وبين إمكانية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي كما هو الحال لدى دول أوروبا الشرقية.
مثل هذا الربط لا يمكن تطبيقه إلا إذا كانت عملية الإصلاح السياسي قد بدأت ورافق ذلك وجود اتفاق إزاء ضرورتها بين الحكومات والرأي العام في الدول المعنية. لكن هذا لا يعني بأن الأمر يتطلب من الاتحاد الأوروبي الاكتفاء بمحض دور المتفرج الذي ينتظر حلول أوقات وظروف أفضل.
بل كان على الاتحاد الأوروبي العمل على العكس من ذلك أن يلتزم بصورة ثابتة في العمل على تقوية أعمدة حقوق الإنسان، طالما أنه لم يشأ فقدان مصداقيته كأحد الأطراف الدولية المعنية. لكن هذا لا يعني اللجوء إلى استخدام الضغط السياسي، ذلك المطلب الذي كثيرا ما تم طرحه في الساحة السياسية، فلهذه الآلية مردود عكسي، بمعني أنها قد تتسبب في إضعاف مركز الناشطين في حقل الدفاع عن حقوق الإنسان الذين قد ينظر إليهم بأنهم "يتحالفون" مع الغرب الأمر الذي يجعلهم عرضة للمزيد من أشكال الاضطهاد والتنكيل.
تقييمات معيارية
بعبارة أخرى تظل الدوامة السياسية قائمة في هذا السياق. هنا يتعين على الاتحاد الأوروبي السعي لتحقيق هدف وحيد ثابت هو تقديم المساعدة اللازمة في إطار إنشاء الشروط الأساسية العامة في المجالين المؤسسي والسياسي والتي تجعل التحولات الاجتماعية قابلة للتحقيق. إذ أن الاتحاد الأوروبي لا يستطيع إلا العمل وفقا لمعايير طويلة الأجل وتقديم النصح والمقترحات الخاصة بالعملية الإصلاحية وممارسة أنماط غير مباشرة فقط من العمل السياسي.
من خلال ذلك وحده يمكن تقديم تقييمات معيارية حول أعمال الاتحاد الأوروبي. في نفس الوقت كان على الاتحاد الأوروبي أن يتحلى بقدر أكبر من الحيطة والتماسك في الموقف لا سيما إزاء الإصرار على الالتزام بالاتفاقيات المبرمة.
هذا يتطلب من الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال السعي للإفراج عن صاحب موقع الإنترنت كريم عامر فبغض النظر عن مسألة تقييم النصوص الصادرة عنه يمكن الاستنتاج بأن الحكم عليه بالسجن لمدة أربعة أعوام بسبب "فعلته" هذه على صفحات الإنترنت ونظرا لصغر سنه أمر بعيد عن مقاييس المعقول.
بقلم ازابيل شيفر
ترجمة عارف حجاج
حقوق الطبع قنطرة 2007
إزابيل شيفر باحثة في قسم سياسة الشرق الأوسط في معهد علم السياسة في جامعة برلين الحرة
قنطرة
"كليبات التعذيب"
الثنائي التكنولوجي الإعلامي الحديث الذي يتمثل في التصوير بالهاتف المحمول وعرض الفيديو عبر "المدونات"، نجح في إثارة قضية التعذيب في مصر.
الذكرى العاشرة لعملية برشلونة الأورومتوسطية
مشروع طموح بدأه الاتحاد الأوربي 1995 في برشلونة بغية تحقيق شراكة سياسية واقتصادية وثقافية حقيقية مع الدول الواقعة جنوب حوض البحر الأبيض المتوسط. هل هناك نتائج ملموسة لهذا المشروع بعد مرور عقد على البدء به؟ تحليل إيزابيل شيفر