هل يستحق صدام حسين الشفقة؟
كانت الأحكام الثلاثمائة التي سنّها الملك الاسطوري حمورابي قبل حوالي أربعة آلاف سنة في بلاد الرافدين تهدد في كل واحد ما بين عشرة منها بعقوبة الإعدام، مثلا لمعاقبة السرقة والتستر على المجرمين أو السطو. كان حمورابي ملكا قاسيا واحكامه كانت الأولى من نوعها في تاريخ البشرية وبالتالي لا يمكن التعليل بأن العراق ليس له تاريخا قانونيا في ظل التخمينات الجارية هذه الأيام حول كيفية التعامل مع الديكتاتور السابق صدام حسين.
ورغم أن القانون بالذات لم يكن من الفضائل العليا خلال العقود الماضية في العراق، فإنه لا يمكن إدراج هذا الوضع السيئ لتجريد القضاء صيته، لا سيما وأنه تقرر في الأيام الأخيرة إنشاء محكمة جرائم الحرب المكلفة بالنظر في الماضي القريب.
فالرئيس المخلوع قد يصبح أول متهم يمثل أمام هذه المحكمة. ولا توجد بدائل حقيقية إلى حد الآن. فمحكمة العدل الدولية غير واردة لأنه لا الولايات المتحدة ولا العراق وقعا على وثيقة تأسيسها. ومحكمة تابعة للأمم المتحدة على غرار محكمة جرائم الحرب ليوغسلافيا السابقة أو رواندا يجب أولا ان ترى النور.
وهذا النوع من المحاكم لا يفلت من الانتقاد بحجة أنه قد يمارس من خلال الأمم المتحدة التي تؤثر عليها الولايات المتحدة قانون المنتصر. وستكون الحالة أكثر سوءا إذا أعطت الولايات المتحدة لنفسها الحق في محاكمة صدام حسين، كما حصل في محاكمات نورنبرغ الألمانية إثر الحرب العالمية الثانية.
وبالتالي فإن إحالة قضية صدام حسين إلى محكمة عراقية ستكون له فوائد واضحة. أولا سيكون ذلك خطوة أولى في اتجاه سيادة عراقية وجدال عراقي حول الماضي القريب. وثانيا يمكن للولايات المتحدة أن تنسحب إلى ما وراء الكواليس، الأمر الذي قد يخفف من الأعمال المعادية للأمريكيين.
يجب أن يشعر العراقيون بأنهم قادرون لأول مرة على إصدار قرارات، رغم أنهم سيظلون في الوقت القادم بدون شك بعيدين عن السيادة الكاملة. كما أن الأمريكيين لن يغادروا البلاد بسرعة، حتى بعد تشكيل حكومة انتقالية وتنظيم انتخابات. إلا أن دورهم سيتغير عن ما يقومون به الآن.
وبالنسبة إلى محاكمة الديكتاتور السابق فإن على الولايات المتحدة أن تبذل ما في وسعها لكي تكون المحاكمة قانونية. ويوصي خبراء بأن لا تخضع المحاكمة لمراقبة أمريكية فقط بل لمراقبة دولية.
الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان أوصى بعدم إصدار عقوبة الإعدام، ولكن من المستبعد أن تدعم الولايات المتحدة بالذات هذا المطلب. فالرئيس جورج بوش يعتبر من أشد مؤيدي هذه العقوبة في بلاده.
بقلم بيتر فيليب، دويتشه فيلله 2003
ترجمة محمد المزياني