معرض للرسام علي شمس الدين يحاكي الأزمات والانكسارات اللبنانية

 (رويترز) - يجري الرسام

اللبناني علي شمس الدين محاكاة بالريشة الناطقة لأزمات الانهيار

والتشرد والنزوح ويطلق ما يسميه (ثورة لونية) على كل الخراب الذي

يواجه بلاده في معرض تشكيلي افتتح ليل الخميس في شارع الحمرا

ببيروت ويستمر حتى الثالث من يناير كانون الثاني المقبل.



وشهد لبنان تدهوا اقتصاديا حادا دخل عامه الرابع، أدى الى

خسارة العملة لأكثر من 95 بالمئة من قيمتها ودفع ثمانية من كل عشرة

لبنانيين إلى براثن الفقر، وفقا لتقديرات الأمم المتحدة.



وجمع شمس الدين خيبات الأعوام السابقة وحملها على متن لوحات

تشكيلية تعكس الرفض للواقع وتشكل عالمها البديل وتعبر عن سنوات

الانكسار.



تحاكي لوحات شمس الدين مأساة الهجرة القسرية وضياع الأمكنة

التي عاش فيها الناس وأصبحت "حياتهم مرهونة لخيمة أو حبة دواء أو

كيس طحين" كما يقول الرسام اللبناني لرويترز.



جاءت لوحات المعرض تحت عنوان "اللا مكان والزمن المفقود" وهو

ما فسره شمس الدين قائلا "الواقع اليوم هو من صنع الأمس وكلاهما

مفتوح على المجهول".



وجاء في منشور وزع عن المعرض أن شمس الدين "بدأ العمل على

لوحاته مع بدء الربيع العربي وما رافقه من عنف ودم، مرورا

بالانهيار الاقتصادي والاجتماعي في لبنان الذي شرد العائلات

والأفراد إلى أربع جهات الأرض، وصولا إلى انفجار مرفأ بيروت

في الرابع من (أغسطس) آب المشؤوم، الذي دمر نصف المدينة وأغرقها

بالعتمة والغبار".



وتسبب انفجار مواد كيميائية كانت مخزنة في مرفأ بيروت لأكثر من

سبع سنوات في مقتل 215 شخصا على الأقل في عام 2020 وأحدث دمارا

واسعا بالمدينة.



وفي مكان أشبه بالمنازل المهجورة في شارع الحمرا الشهير الذي

كان يعد مرتعا للمثقفين في مقاهيه، يعرض شمس الدين لوحاته على

جدران (دار المصوّر) التي تحتضن غرفها العشرات من الكاميرات

القديمة المعلقة على الجدران كلوحات تجريدية معتقة عبر الزمان.



وعلى أدراج (دار المصوّر) التي تحافظ على هندسة لم تشوهها

جرافات الحضارة المعمارية، تستقبل الزائرين ملصقات أفلام قديمة

مصرية وعربية تأخذهم إلى سينما القرن الماضي.



وإلى جوار كل لوحة حرص شمس الدين على كتابة عبارات ذات دلالة

مثل (قبل بدء الرحيل) و(في انتظار غودو) و (ماذا تبقى لنا) و(ماذا

سنزرع حين نعود).



وتغيب المعارض الفنية عن بيروت إلا فيما ندر في ظل تصاعد

الأزمة الاقتصادية والسياسية بالبلاد، لكن شمس الدين يرى أنه "من

الواجب أن لا يصمت الفن بكل مجالاته التعبيرية أمام هذا الخراب

واستباحة الذات البشرية".



وأضاف أن المعرض "هو احتجاج لوني على ما يحدث، وهو تعاطف مع

الناس الذين في لحظة حرب وعنف، خسروا كل شيء وأُلقي بهم في

المجهول".



ويعتبر أن لوحاته "عبارة عن نافذة وإطار يؤبدان لحظة تاريخية

ممتدة في الزمان والمكان وباستطاعتها أن تلتقط أقسى ما يمكن من

الفرح وأعمق ما يمكن من الحزن بلغة بصرية مكثفة ومختزلة بعيدا عن

ثرثرة السياسة والتاريخ المكتوب".



شمس الدين (67 عاما) هو ابن الجنوب اللبناني، وحاز على جائزة

معرض الشارقة الدولي للكتاب عام 1996 عن كتاب (صديقي الذي يحبني

كثيراً) وحائز على جائزة الكتب المصورة من معهد اليونسكو الثقافي

لشرق آسيا في اليابان عن رسوم وإخراج كتاب (المولود الجديد)

عام 1994.



وتوافد على (دار المصور) رواد الفن واللون ممن اصطحبوا ذكرى

رافقت طفولتهم عن الرسام والمخرج والكاتب شمس الدين الذي كان ونيس

الصغار في ثمانينيات القرن الماضي حيث عرفه الأطفال آنذاك مصمما

لمجلة (العربي الصغير) ورساما ومصمما في مجلات (أحمد) و(سامر) و(كل

الأسرة).



وقال الروائي والصحفي عبد الحليم حمود "في هذا المعرض يجمع علي

شمس الدين التكعيبية تقنيا والسريالية فكريا دون أن يكون منتميا

إلى المدرستين فهو حر يلعب بالألوان، يدور بريشته مثل الراقص

المولولي صاعدا نحو فضاء المعنى في ألوان ترابية حارة مليئة

بالرموز الشرقية، نخيل وأقمار وقناطر ونساء جميلات بعيون مكحلة".



وأضاف لرويترز "جرئ هو في توليفاته تلك، ربما لأنه غاص عميقا

في عوالم الأطفال حيث رسم لهم لسنوات فعاد من ذلك الكوكب محملا

بسلة دهشات".