"النظام العالمي الحالي ليس مصيرا حتميا"
لقد كانت ردود الفعل على قيام حركة تنادي بالعدالة العالمية تتسم بالدهشة. كيف يمكنك وصف هذه الحركة؟
سوزان جورج: يسرني جدا أن عددا متزايدا من المراقبين وصانعي القرار ومن السياسيين يقولون إن هذه الحركة تنادي بعدالة اجتماعية عالمية. لقد حاول البعض حتى الآن التقليل من شأننا بنعتنا "بمناهضي العولمة". إن هذا التطور في الموقف يبدو خطوة إلى الأمام. إنني أعتقد أن مجموعة كبيرة من الناس حققت في السنوات الخمس الأخيرة أمرين أساسيين:
أولهما أن النظام العالمي الحالي ليس مصيرا حتميا. لقد حاول الإيديولوجيون الليبراليون الجدد إقناعنا بأنه لا بديل هناك قط للنظام العالمي السائد.
ثانيهما لقد فهم الكثير من الناس بأن لهذا النظام العالمي تأثيرات سيئة جدا على الغالبية العظمى من سكان العالم. لدى الناس إحساس مبدئي بالعدالة، يتم المساس به على الدوام. إن الناس في سن الشباب أمميون بشكل عفوي، لا سيما وأنهم يعلمون أننا لا نستطيع ترتيب الأمور على الصعيد المحلي، إذا لم نأخذ البعد العالمي على كافة الأصعدة بعين الإعتبار. وبالطبع استطاع الليبراليون الجدد على مدى عشرين عاما ترتيب العالم حسب حاجتهم، وقد نجحوا في ذلك إلى حد بعيد. ولكن توجد دوما لكل فرضية فرضية معاكسة.
لقد قامت في العقود السابقة نشاطات يسارية أيضا، تهتم بمسائل الهوية، أو الحركة النسوية وحركة المثليين وحركات ذات قاعدة إثنية، كما قامت حركات وحيدة الهدف مثل حركة حماية البيئة على سبيل المثال. الأمر المثير في حركة نقد العولمة هو بالتأكيد العالمية الجديدة، المعنية بمحاولة إستيعاب كافة هذه المسائل. من أين جاء هذا؟ ما هو السبب الكامن وراء هذا التغيير المفاجئ؟
جورج: قد تكون واحدة من الإجابات على ذلك، أن الحركات القديمة كانت ناجحة. إن وضع المرأة والمثليين بالتأكيد أفضل بكثير مما كان عليه الأمر قبل عشرين عاما. لقد تربيت في وقت لا يمكن للفتيات هذه الأيام أن يتصورنه أبدا. ويدرك الآخرون بأننا إذا لم نتعاون مع قوى تقدمية فعلية، فسوف نخسر جميعا. فكثير من الناس الذين لم يعرفوا بعضهم البعض قبل خمس سنوات أصبحوا اليوم يعملون مع بعضهم البعض بشكل روتيني. أيضا لأنهم اضطروا إلى الاعتراف بأن مسائل الهوية والحياة الشخصية تتأثر بشكل كبير جدا بالعولمة. ففي حال قررت شركة متعددة الجنسيات على سبيل المثال نقل مواقع إنتاجها إلى فيتنام، فإن هويتك معنية في هذه الحالة مباشرة. علاوة على ذلك فإن المسائل التي نطرحها، على سبيل المثال مراقبة الأسواق المالية العالمية، هي مسائل ديموقراطية أساسية. وتتزايد بإضطراد أعداد الناس الذين باتوا يخشون من ضياع حقوقهم الديموقراطية التي ناضلوا من أجلها، خاصة وأن هناك أسسا بدأت توضع في مستوى لم يعد للعمليات الديموقراطية أي تأثير عليه. إذن فالنقطة الحساسة هي: يجب علينا أن نناضل من أجل إمكانية التأثير في هذا المجال، وإلا فسنخسر ما حققناه في المراحل السابقة نتيجة نضالاتنا.
هناك بعض الناس، مثل مانويل كاستيل Manuel Castells ، يصفون المجتمع الحالي بأنه عبارة عن مجتمع شبكي على مستوى كوني. هذا تناقض، أليس كذلك؟ بحيث أن الحركة التي نتحدث عنها، تقع هي الأخرى تحت تأثير مبادئ الشبكة السريعة ونقاط الارتباط، وتعمل بشكل غير مركزي وبدون هرم سلطوي واضح، ويمكننا القول بأن الحركة تضاعف روح العصر ؟
جورج: أنت نظري أكثر مني بكثير، أنا إنسانة تؤمن بالتجربة العملية. إنني أستطيع فقط وصف كيفية عمل هذه الشبكات. إن الناس مشاركون في حركة عالمية، إلا أنهم ما زالوا يهتمون على المستوى الشخصي وبشكل أساسي بمسائلهم الخاصة. فهناك المزارعون الصغار والنقابيون والنساء والمعلمون والأطباء والممرضون والمدافعون عن البيئة وأناس مهتمون بمسائل الديموقراطية، وكلهم يلتقون للعمل والتعاون المشترك في موضوع خاص، على سبيل المثال في الحملات المناهضة لمنظمة التجارة العالمية. ولكن هذه العلاقات ليست سطحية بل هي علاقات تزداد عمقا باستمرار. إنكم بالطبع على حق: إننا جميعا سئمنا الأهرام السلطوية. يحتاج المرء إلى مقدار معين من ذلك من أجل الوصول إلى قرار بالإضافة إلى هيكلية، ولكن قيادة هذه الحركة هي قيادة معنوية، أو بتعبير آخر هي عبارة عن قيادة قامت على أساس نتاج ثقافي بعكس منطق الأحزاب التقليدي، حيث أن أحدهم يتعب ويجهد نفسه من أجل الإرتقاء ضمن هذا السلم الرتبي في تلك الأحزاب. أما في هذه الحركة فتسير الأمور بشكل آخر تماما، والناس هنا مسرورون جدا بذلك.
لقد تحدثت إلينا عن الكثير من السمات الإيجابية لطبيعة التنظيم هذه، ألا يوجد برأيك بعض السلبيات أيضا؟ إن للهيكليات السابقة بالطبع الكثير من الآثار السلبية، إننا نعرفها جميعا، ولكنك تتحملين أيضا قدرا محددا من المسؤولية، كونك في قيادة هذه الحركة، خاصة تجاه القاعدة. إن قيادة معنوية كالتي تتحدثين عنها، ليست سوى قيادة مسؤولة أمام نفسها فقط ...
جورج: إننا نتمتع جميعا بعضوية. أنا نائبة رئيس أتاك ATTAC، تم إنتخابي لمدة ثلاث سنوات وفي تشرين أول/أكتوبر إما أن يعاد إنتخابي أو لا يعاد. إنني أشعر بمسئولية كبيرة تجاه الـ 30.000 عضو في أتاك ATTAC، الذين يقدمون الكثير لهذه المنظمة. وبمقدورهم بالطبع عدم إنتخابي إن تصرفت بشكل غير مقبول. إن هذا الأمر عينه في منظمات المزارعين الصغار وفي النقابات التقليدية. إن المسئولية تجاه الحركة ككل أمر آخر. عندما نجتمع لحضور لقاء، إما أن يقبل أحدنا كممثل لمجموعته أو لا يقبل. أن ذلك يسير بدون أية صعوبة تذكر. في الحقيقة يُطرح سؤالك هذا علينا من الجهات اليمينية. هؤلاء يقولون: نعم، منظمات غير حكومية هذا شيء جميل جدا، ولكن من انتخبكم؟ إنني أقول: إننا لا نطمح في الوصول إلى السلطة! إننا لا نبحث عن مناصب! إننا نشعر بالمسؤولية تجاه من معنا من الناس، هذا كل ما في الأمر، ولا نريد أكثر من أن نسبب لأمثالكم من الناس الإزعاج. أذكروا لي شركة واحدة فقط متعددة الجنسيات ديموقراطية. من انتخب الناس الذين يسافرون إلى دافوس Davos ؟ يقولون إن أصحاب الأسهم قاموا بإنتخابهم. إذا فإن منظمات ساعية للتأثير على السياسة الحكومية مثل منظمة السلام الأخضر GREENPEACE أكثر ديموقراطية، لا سيما وأنها لا يتوفر لديها جمهور كبير من الأعضاء، وهي بالطبع مرتبطة بمن يقدم لها التبرعات. ففي حال قيامها بأي حماقة ما، تنقطع عنها المساعدات المالية. وهنا يتم الإنتخاب بمحفظة النقود.غالبا ما يطلق على الحركة اسم >>حركة مناهضة العولمة<<، أنت تطلقين عليها اسم الحركة من أجل العدالة العالمية. إن هناك مطالب من قبل أتاك ATTAC تركز فيها على نظام عالمي اقتصادي جديد، أي نظام تنسيق عالمي، أي كينزية عالمية (إستنادا إلى الإقتصادي البريطاني كينز: ملاحظة المترجم)، ومن جانب آخر يسعى الكثيرون إلى الدفاع عن أساليب الحياة المحلية مقابل النهج الذي يتبناه السوق الدولي الداعي إلى التجانس. هذا تناقض، أليس كذلك؟
جورج: لا، أبدا، إنني لا أرى أي تناقض في هذا الأمر. نحن من أتباع فكرة توزيع الاختصاصات. وينبغي للقرارات أن تتخذ بالقرب ممن يعنيهم الأمر مباشرة. ففي بعض الحالات يكون الأمر محليا وفي حالات أخرى وطنيا وفي حالات لاحقة إقليميا. على مستوى الاتحاد الأوروبي مثلا، وفي حالات غيرها يكون الأمر عالميا. إن إعادة التنظيم ضروري، ولكنها تتطلب مشاركة الناس على كافة الأصعدة. إن المشكلة الوحيدة هي ذات طبيعة عملية، حيث أنه من الصعب علينا أن نتواجد وأن ننشط بنفس الوقت على كافة الأصعدة.
لكن هذه الحركة مليئة بالتناقضات. فهناك كم هائل من الناس يعتبرون أنفسهم من الكنزيين الكلاسيكيين (نسبة إلى كينز)، وكانوا ضمن الإتجاه السائد منذ 30 عاما، كما أن هناك آخرين يريدون دحر الرأسمالية – وكل هذا تحت مظلة أتاك Attac. علاوة على ذلك هناك من يريد تدمير منظمة التجارة العالمية، وهناك من يدعو لدعم المؤسسات العالمية، من أجل الإمساك بزمام المبادرة.
جورج: إنني في هذه المسائل أيضا براغماتية جدا. سوف أكون مسرورة، لو كان بمقدورنا أن نجد بديلا للرأسمالية. ولكنني أعتقد بأن هذا البديل لن يتوفر، وتحديدا بالشكل الذي نادى به الشيوعيون وسموه "اللحظة الحاسمة" للثورة. دعونا وبكل بساطة ننجز بعض الخطوات. كل نجاح نحققه، يفتح أمامنا مجالا جديدا. إنني لا أعتقد أبدا، أن أيا من المسائل التي تحدثت عنها، ستؤدي على المدى القريب إلى تفريقنا عن بعضنا البعض. إنني أعتقد شخصيا بأنه لدينا الدولة القومية ولدينا دول الرعاية الاجتماعية القومية، ولن يكون بمقدورنا التأثير على مسيرة العولمة سوى من خلال الحكومات المحلية. يجب علينا أن نجبر حكوماتنا في أوروبا على العمل بشكل سليم في إطار الاتحاد الأوروبي وفي إطار المؤسسات الدولية، وعلينا أيضا أن نعمل على إفهام هذه الحكومات، بأنها ستواجه مشاكل في الانتخابات، إذا لم تراعي ولم تأخذ في الحسبان مصالح الغالبية من المواطنين. كذلك يمكننا التركيز على بعض الشركات المتعددة الجنسية، ولكن ليس لدينا في هذا الخصوص أداة قانونية ولا أرضية لنظام قانوني عالمي نعمل على أساسه. ولو سألتني، فيما إذا كنا لا نريد بقاء أي من الشركات المتعددة الجنسية، فقط أقول: ربما لا. لكنني أقول وبشكل خاص: إننا بعيدون كل البعد حتى عن طرح مثل هذا السؤال، خاصة وأن هذا السؤال بلا معنى ولن يؤدي إلى نتيجة، سوى إلى خلافات. لقد قضى الناس في الستينات والسبعينات من القرن الماضي وقتا طويلا في مناقشة أسئلة لم تكن مطروحة ولم تكن ملحة في تلك الفترة. إنني أفضل التعامل مع مسائل وحلول واقعية.
إنكم تطالبون بضريبة توبين Tobin . إن هذا الموضوع يمكن أن ينجح فقط في حال فرضت جميع الدول مثل هذه الضريبة، وهو ما يمكن أن ينفذ عمليا بعد 20 عاما وليس غدا؟
جورج: لو فرضت ضريبة توبين في أوروبا فقط، فسوف تنطبق على 50% من عمليات التحويل المالي. إن الولايات المتحدة الأمريكية ستكون آخر من يفرض مثل هذه الأشياء، وهذا نعرفه بالطبع.
يقول الكثير من خبراء الإقتصاد إن فرض هذه الضريبة على الصعيد الوطني أو الأقليمي ليس له معنى إطلاقا، لأن ضريبة توبين سوف تؤدي إلى إلحاق الضرر في مجال المنافسة الاقتصادية الحرة.
جورج: إننا نسمع ذلك بالطبع كثيرا، إذا خفض أي بلد نسبة الضرائب المفروضة هناك فإن الجميع سينقلون أموالهم ومنتجاتهم إلى ذلك البلد. ولكن هذا لا يحصل بالشكل وبالكم الهائل الذي يصورونه. إنني لا يمكن أن أتخيل بأن كافة المصرفيون الشباب في لندن سوف يرحلون إلى جزر كايمان Cayman . بالطبع الإمكانية موجودة من الناحية الفنية لتحويل الأموال ولن يكون بوسعنا تحقيق النجاحات التي نطمح إليها مائة بالمائة على المدى القريب. إن هذا الأمر في الحقيقة لا يقلقني كثيرا. أما ما يقلقني فهو عمليات اتخاذ القرار، من يقرر في مصير الضرائب التي يتم تحصيلها ولمصلحة من تعود في نهاية المطاف: النخبة المرتشية في البلدان المتخلفة أو المجتمعات المدنية أو صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي؟ إن هذا الأمر يقلقني أكثر بكثير. أرجو من حضرتك أن تفهم ما يلي: لقد غيرنا في السنوات الأخيرة وبشكل جذري طبيعة الحوار القائم حول ضريبة توبين. لقد أصبح السؤال الآن مطروحا، بعد أن اعتبرونا على مدار بضع سنوات سفهاء ومعتوهين. إن هذا ليس نصرا بعد، ولكنه خطوة هامة.
هذا جزء من تاريخ النجاحات، أقصد تاريخ نجاحات أتاك ATTAC. إن أتاك ATTAC هي المنظمة الوحيدة في هذه الشبكة العاملة على المستوى العالمي .
جورج: لا، هناك منظمات أخرى، مثل VIA CAMPESINA، منظمات المزارعين الصغار أو منظمة حماية البيئة مثل السلام الأخضر GREENPEACE. إلا أن أتاك ATTAC هي فعلا الأكثر إلفاتا للنظر.ما هو سر نجاح هذه المنظمة؟
جورج: لقد سألني مرة شخص في لندن، وأجبته يومها بشكل سريع قائلة: >>لقد جاوز أولاد الكلب حدهم<<. لقد بدأ الكثيرون يحسون بذلك. وهناك بالطبع ردة فعل إنسانية على ذلك، لأن الناس ليسو "أولاد كلب"، خاصة وأن 90% من الناس لا يريدون أن يجوع الآخرون ولا يريدون أن يتم استغلال هؤلاء ولا يريدون القبول بهذا الظلم الصارخ. إنهم يقومون بردود فعل. علاوة على ذلك فإن أتاك ATTAC منظمة ناجحة لأنها تنشط خارج إطار الفئة السياسية التقليدية. إن الكثير من الناس سئم الأحزاب السياسية التقليدية.
تطرح أتاك ATTAC مطلبا واحدا مميزا، هل هذا هو سر نجاح المنظمة؟
جورج: ممكن، ولكن كان هذا في البداية. لقد قطعنا الآن شوطا بعيدا في هذا المضمار.
لكنكم وصلتم إلى مفترق طرق. فلقد غيرت أحداث 11 أيلول/سبتمبر القاعدة التي ترتكزون عليها في مبادراتكم.
جورج: بعد 11 أيلول/ سبتمبر توقع الليبراليون الجدد بأن الحركة من أجل العدالة الإجتماعية ستتلاشى مقبورة تحت حطام مركز التجارة العالمي. لكن الحركة آخذة بالنمو. قبل فترة وجيزة خرج عشرون ألف إنسان في نيويورك إلى الشارع للتظاهر ضد لقاء دافوس البديل. وتحدثت قبل أيام مع ناعوم تشومسكي Naom Chomsky ، الذي لم يسبق له أن باع هذا العدد الكبير من كتبه مثلما باع في الأيام الأخيرة، ولم يحصل على هذا العدد الهائل من الدعوات لإلقاء محاضرات، مثل هذه الأيام. وينطبق هذا الأمر أيضا على آخرين. لقد أثرت بالطبع تطورات أحداث 11 أيلول/ سبتمبر على أصدقائنا وواجهوا صعوبات أثر ذلك. فكر من فضلك فقط بذلك الجو الذي كان سائدا، والذي يذكر بعهد مكارثي McCarthy . ولكن الأمر بدأ يتغير تدريجيا. وأود القول أيضا بأنني أشعر ولأول مرة منذ الستينات من القرن المنصرم، بأن هناك شيئا جديدا حقا يحدث، وأن تاريخا يكتب.
وبالرغم من ذلك فإن تاريخ 11/9/2001 أصبح شرخا تاريخيا.
جورج: نعم ولا. لقد فكرت حقا في بداية الأمر، بأن 11 من أيلول/ سبتمبر قد يغير الأمور بالاتجاه الأفضل وذلك كما كان عليه الحال إثر الحرب العالمية الثانية، حيث تغيرت الهيكليات القائمة بشكل جذري، فلم يكن على سبيل المثال من الممكن نشوء ما يسمى بنظام بريتون وودز Bretton-Woods-System (نسبة إلى مكان إنعقاد مؤتمر الأمم المتحدة للنقد والمالية في نيوهامبشير في الولايات المتحدة الأمريكية من 1 إلى 23/7/1944 وشاركت به 44 دولة وتم على أثره تأسيس صندوق النقد الدولي والبنك الدولي: ملاحظة المترجم)، دون تجربة الأزمة والحرب. وتبدو المؤسسات العالمية اليوم هرمة، عاجزة عن العمل، وإلى حد ما فاسدة، وتعمل عكس الهدف الذي أنشئت من أجله. وأحداث 11 أيلول/ سبتمبر لم تكن على ما يبدو كافية، وكذلك الكارثة في الأرجنتين وقضية إنرون Enron ، لإعادة النظر بالفكر السائد. تريد فئات النخبة في هذا العالم الاستمرار بعملها ما دام بإمكانها ذلك. كل ما يدور في خاطرهم، هو رمي القنابل.
لقد تناقلت الصحافة العالمية في عناوينها الرئيسية حركتكم أيضا بسبب عسكريتها الجماهيرية ومشاهد العنف في سياتل ودافوس وبراغ وغوتيبورغ وجنوة. ما هو موقفكم من هذه الاستراتيجية الإعلامية؟
جورج: إنني لا أوافق على تحليلكم هذا أبدا. لقد حاول المسؤولون في الحركة منع ذلك. إن الأمر هو التالي، وبشكل خاص في الولايات المتحدة الأمريكية، لا يستطيع المرء جذب اهتمام الصحافة إذا خرج 100.000 شخص للتظاهر السلمي . إن الصحافة المهيمنة مهووسة برؤية العنف. والتقارير التي تبثها أحيانا شبكة سي إن إن عن مظاهرة ما تبدو غريبة بالفعل: >>باول، هل حصل عنف؟<< >>حتى الآن لم نرى أيا من ذلك، فرد<< >>هل سيحدث بعض من العنف، باول؟<<. يُجبر المرء عند سماع مثل هذه الحوارات التلفزيونية على الاعتقاد، بأنهم يصلون من أجل أن يرمي أحد حجرا. ولكني أقول بشكل واضح: إننا نحاول التحدث إلى الأشخاص الميالين للعنف، ولكن هذا غالبا ما يكون صعبا، خاصة وأن بعضهم يُستأجر بالمال من أجل الإستفزاز. إننا لسنا بحاجة إلى ذلك. يمكنني أن أفهم غضب الشباب، ولكن ذلك يعود على الحركة بالضرر الكبير. نحن حركة ديموقراطية، وإنه من غير المقبول أن يشارك بضعة مئات من الأشخاص في اللحظة الأخيرة، دون أن يسبق لهؤلاء الناس أن قاموا بأي عمل تنظيمي، ويأخذوا مئات الآلاف كرهائن. إنني لا أقبل ذلك أبدا. إنني أقول لهؤلاء الناس: إن ما تقومون به هو غباء. إذا كان بودكم نقل العنف إلى الشارع، فلتنظموا مظاهراتكم الخاصة بكم، ولكن لا تدمروا عملنا.
أجرى الحوار روبرت ميسيك، محرر مجلة Frankfurter Hefte ، ترجمة مصطفى السليمان
عن مجلة 5-2002, Frankfurter Hefte
سوزان جورج (1934)، عالمة اجتماعية ومديرة مساعدة في معهد TRANSNATIONAL INSTITUTE في أمستردام. درست الفلسفة والعلوم السياسية. ولدت سوزان جورج في الولايات المتحدة الأمريكية، لكنها تعيش منذ بضعة عقود في باريس. وتعد اليوم من الشخصيات القيادية البارزة لحركة نقد العولمة في العالم، كونها نائبة رئيس منظمة أتاك الفرنسية.