صراع يتجدد كل يوم!

عادة ختان البنات ما زالت شائعة في مالي بشكل كبير. مؤتمر إسلامي عالمي كان من المقرر تنظيمه في مالي عن هذه العادة في شهر أيلول/سبتمبر المقبل ألغي لتخوف رئيس جمهورية البلاد من معارضة علماء محليين. حوار مع الإمام الشيخ محمد ديالو، الأمين العام لإتحاد مسلمي ومسيحيي غرب أفريقيا حول صراعه المرير ضد ختان البنات في مالي

كنت قد اشتركت في المؤتمر الأول لعلماء المسلمين حول موضوع تشويه الأعضاء التناسلية للبنات. ما هو الصدى الذي أحدثته قرارات جامعة الأزهر في القاهرة في مالي؟

الشيخ محمد ديالو: لقد نشرنا نص الفتوى هنا ولكن لا حياة لمن تنادي، فالمجلس الإسلامي الأعلى وإتحاد الإئمة والمثقفين المسلمين يؤيدون الختان. ويعتقد خمس وتسعون بالمئة من المسلمين هنا أن الختان واجب إسلامي. هذه هي النقطة التي يجب أن تتغير وإلا ستذهب كل محاولة لتوعية الشعب أدراج الرياح. إذا لم تغير السلطات الدينية نظرتها للموضوع وموقفها منه، فلن تحقق أية حملة توعية النجاح المنشود.

لقد تم إقصائي من إتحاد الأئمة في عام 2000 لأني استنكرت ختان البنات في خطبة تلفزيونية ووصفته بكونه لا إسلاميا، وما زالت مستبعداً حتى يومنا هذا.

يا ترى ما سبب تأصل هذه العادة في مالي؟

ديالو: إن مالي حالة خاصة في المنطقة هنا، فقد تم إصدار قانون في جميع دول غرب أفريقيا الأخرى يمنع هذه العادة ولكن ثمة خوفا يسيطر على السلطات المختصة هنا. فعلى سبيل المثال لا تقوم "ولوف" أكبر المجموعات العرقية هنا بختان البنات، بل تقوم بها المجموعات العرقية الصغيرة فقط. لذا كان من السهل استصدار قانون هناك يمنع تلك العادة. أما في مالي فتؤيد جميع المجموعات العرقية تلك العادة باستثناء المالويين من أصول عربية ولكنهم لا يشكلون أكثر من اثنين بالمئة من الشعب.

يولي الناس هنا الختان أهمية كبيرة من منطلق اعتقادهم بأنه يعني الثقة بالفتاة من الناحية الجنسية. نعيش في بلد أكثر من نصف شعبه أمّي وثمة قناعة راسخة لديهم بأن الفتاة غير المختونة تشرق وتغرب في علاقاتها الجنسية. ولكننا لا نستطيع بتر جزء من أعضاء المرأة التناسلية لتصبح أهلاً للثقة! لقد جف حلقنا من تكرار هذا الكلام. إنها مسألة تربية وعقلية والثقة لا تأتي عن طريق القطع.

يقوم المسيحيون أيضاً في مالي بختان البنات، إلا أن المسلمين متشبثون بهذه العادة، لماذا؟

ديالو: في الواقع المسلمون هم المشكلة هنا، فهم محاطون بألغام من العادات والدين. ثمة أحاديث لا تُحصى غير صحيحة تتكلم عن موضوع ختان البنات وغير المتعلمين تائهون في غياهبها. يذهب كل ما نقوله للمؤمنين عن العواقب الصحية والمشاكل الطبية للختان سدى، حيث يُقال لهم في الجامع إنه من واجبات الإسلام. حينها لا يقتنع هؤلاء سوى بما يُقال لهم في الجامع وينسون كل ما أخبرناهم به.

وتجدر الإشارة إلى أن الختان ليس إسلامياً ولا يمت للدين بأية صلة! فالإسلام يُندد بهذا بكل وضوح، إذ يقول الله سبحانه وتعالى: "لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم." قال الله تعالى "في أحسن تقويم"، عندما يعتقد الإنسان أن عليه قطع جزء من الجسد، فماذا يعني ذلك؟!

هل لدى الواعظين في مالي إطلاع كاف على التعاليم الإسلامية؟

ديالي: كلا، أبداً. فالأغلبية لم تذهب الى المدرسة التقليدية، إنما اكتفت بزيارة المدرسة القرآنية لمدة ثلاث أو أربع أو خمس سنوات كحد أقصى وتخرجوا منها ليصبحوا واعظين والأغلبية أيضاً لا تعرف تفسير القرآن. إنها حقاً لمشكلة كبيرة وثمة عدد كبير من الأئمة في مالي غير ملمين باللغة العربية، ما هذا الإمام الذي لا يجيد العربية! لا يملك غالبية الواعظين والإئمة المستوى المطلوب من الثقافة.

لقد درست في مصر والمغرب، ما الذي أثر على موقفك تجاه ختان البنات؟

ديالو: إني أحارب هذه المشكلة منذ اثنين وعشرين عاماً ورأيت حالات يُرثى لها. لقد رأيت ماذا يفعل التشويه بالإنسان وشاركت في مؤتمرات عالمية واتصلت بجامعة الأزهر ومفتى الديار المصرية وبالسعودية وتبادلنا الآراء بهذا الشأن. ولا يملك معظم المسلمين في مالي هذه الفرصة، فليس لهم أي نوع من الإتصال بالعالم الإسلامي الخارجي. هذا هو الفرق.

ما الذي بإمكانك عمله لتحسين مستوى المعرفة والإطلاع؟

ديالو: إنه لصراع يتجدد يومياً! فمعارضو الختان ليسوا سوى مجموعة صغيرة ولا نشكل سوى اثنين أو ثلاثة بالمئة من الإئمة الذين يصل عددهم إلى الآلاف. فالعاصمة المالية، باماكو، تضم آلاف المساجد. أتكلم من خلال المذياع ولكن لا يُسمح لي بالتكلم في جميع المحطات الإذاعية وأتطرق الى الموضوع في موعظتي ولكن الأمر ليس باليسير ولا تجري الرياح دائماً بما تشتهي السفن.

هل تم تشويه سمعتك؟

ديالو: لدي العديد من الأعداء وجميع أطياف المشاكل. ولا يسلم عليّ الكثير من الأئمة باليد والغالبية لا تتكلم معي أصلاً، حتى أني تعرضت لهجوم جسدي في حديقة منزلي قرب المسجد من قبل متطرفين مأجورين من خارج البلاد. وبعدها وضعت الشرطة حراسة على بيتي مدة أسبوعين بهدف حمايتي. إن الأمر في غاية الصعوبة والتعقيد.

تسعى لعقد مؤتمر إسلامي ثان في مالي عن موضوع الختان بعد المؤتمر الأول الذي انعقد في القاهرة ولكن يبدو أن الفكرة أُحبطت. ما رأيك بموقف الحكومة المالية؟

ديالو: على الحكومة أن تغير سياستها وتُدرك أنها في تلك المسألة غير مرتبطة بالمنظمات الدينية. لقد وضعت الحكومة برنامجاً ضد الختان، ولكن للأسف لم يلق دعماً كافياً من قبلها! إنها فقط ثرثرة في الهواء! لو أن الرئيس أخذ هذه المسألة على محمل الجد ودعم الحملات التوعوية لكان لدينا الآن عدد أقل بكثير من المشاكل. بصراحة لا أعرف مما يخاف.

لديك أربع بنات، هل تم ختانهن؟

ديالو: نحن نعيش في أسرة كبيرة. أحد أخوتي أخضع بناته للختان، أما الآخر فاتبعد عن الأمر. أنا لن أدع بناتي يخضعن للختان حتى لا يتسبب ذلك لهن بأية مشاكل لاحقاً.

أجرت الحوار شارلوته فايدمان
ترجمة منال عبد الحفيظ شريده
حقوق الطبع قنطرة 2007

قنطرة

"مؤتمر العلماء العالمي نحو حظر انتهاك جسد المرأة "
لأول مرة قام مفتي الجمهورية المصرية برعاية مؤتمر دولي عن ختان الإناث. وحضرت المؤتمر شخصيات دينية تتمتع بنفوذ كبير، وخرج المشاركون بالعديد من التوصيات ولكنهم لم يتفقوا إصدار فتوى تحرم الختان. تقرير نيللي يوسف

مبادرات مصرية لمكافحة ختان الإناث
تشير الإحصائيات الأخيرة إلى أن ممارسة ختان الفتيات في مصر تراجع خلال السنوات الماضية، ولكن ما زال أكثر من خمسين بالمائة من المصريات يقعن ضحية هذه العادة القديمة. مبادرات مصرية تسعى إلى الحد من هذه الممارسة في القرى بشكل خاص. بقلم نيللي يوسف

السينما حينما تقول: لا للتقاليد المشوهة
كان عثمان سيمبين من أشهر المخرجين السينمائيين في افريقيا، ولم يتردد في الإعلان عن موقفه الأخلاقي والجمالي، في أحد أفلامه الأخيرة في قضية تعد من المآسي الإنسانية في أفريقيا ألا وهي قضية ختان النساء