بانوراما بيئية.... واحة "النجوم الخضراء"
يشاهد المرء عندما يسافر من مطار الغردقة إلى مدينة الجونة التي تقع على بعد عشرين كيلومترًا نحو الشمال منظر الصحراء والرمال والحجارة - منظر يغلب على طبيعة مصر ويعتبر في الواقع منظرًا مدهشًا. ولكن كذلك ومع الأسف يشاهد المرء منظرًا معروفًا عن مصر، منظر القمامة! حيث تنتثر مع الرياح الزجاجات البلاستيكية وعلب الألمنيوم والورق والنفايات بكلِّ أنواعها. وثم تظهر فجأة للعيان مدينة ملوَّنة. وبعد الانعطاف نحو اليمين والمرور على حاجز تفتيش يبدو العالم مختلفًا؛ طرق معبدة على أفضل نحو، ولا يوجد أيضًا في أي مكان حتى قطعة واحدة من القمامة. وكلّ شيء يبدو هنا كأنَّه خارج مصر.
ويقول سميح ساويرس وهو يضحك من أعماق قلبه:"يوجد لدينا على نحو ما - الجونة منطقة نظيفة، وهذا ليس بالضرورة ما يعرف عن مصر، والجونة منطقة منظمة تنظيمًا جيدًا، وهذا ليس ما يعرف عن مصر، ولا يوجد فيها كذلك تجار يكثرون من الإلحاح ويحاولون جذبك إلى داخل المحالات التجارية، مثلما هي الحال في معظم الأسواق. ويضيف ساويرس باللغة الألمانية التي يتكلمها بطلاقة: "في الواقع الجونة أشبه بمنطقة غير مصرية". وسميح ساويرس تعلم الألمانية في برلين، حيث درس الهندسة الصناعية.
ويعد سميح ساويرس الذي ولد في عام 1957 لأسرة مسيحية قبطية وتقدَّر ثروته بنحو عشرين مليار دولار أغنى رجل على ضفاف النيل. وعائلة ساويرس تعمل في مجال الاتصالات وشركات البناء وتطوير الأراضي ومجال الفنادق. ويقول البعض بسخرية إنَّ سميح ساويرس كان يبحث قبل عشرين عامًا عن مرسى ليخته عندما وصل إلى الجونة. وفي ذلك الوقت لم يكن يوجد هنا شيء أخر سوى الصحراء الوسخة والبحيرات الشاطئية وكان يطلق عليها اسم الجونة.
وطن لعشرين ألف شخص
وفي يومنا هذا يعيش في الجونة نحو عشرين ألف شخص، منهم سبعة عشر ألف مصري. ويعمل السكان فقط في قطاع السياحة. وفي الجونة أربعة عشر فندقا من كلِّ الدرجات والعديد من الشقق والبيوت السياحية التي تجعل الجونة واحدة من أهم شواطئ السباحة على البحر الأحمر، وقبل كلِّ شيء بسبب النظافة غير العادية. كما أنَّ لها نوعية شواطئ سباحة جيدة تمتد على شبكة من البحيرات الواسعة، وشواطئها لا تمتاز فقط بلونها الأبيض الناصع، بل هي كذلك لامعة ونظيفة.
ويوجد في الجونة مدارس وفرع لمكتبة الإسكندرية المشهورة عالميًا ومستشفى خاص مع حجرة لإزالة الضغط الناتج عن حوادث الغوص، بالإضافة إلى صيدلية وبعض المتاجر الكبيرة وبعض المحالات التجارية وسوق صغيرة. وبالإضافة إلى ذلك يوجد في الجونة ميناءان ومطار للطائرات الخاصة، وكلّ ذلك على مساحة أقلّ من عشرة كيلومتر مربع. ويتم بناء كلّ شيء هنا بالطين والحجر الطبيعي وبأسلوب نوبي، الأمر الذي يضفي على هذا المكان رونقًا أصيلاً. والفنادق هنا لا تلاصق بعضها بعضًا قطّ. وحتى أنَّه تم تصميم شبكة مواصلات عامة للنقل المحلي. فمن ناحية هناك حافلات ومن ناحية أخرى هناك "سيارات أجرة مائية" تصل البحيرات ببعضها بعضًا. وفي الواقع لا تشبه الجونة باقي أرجاء مصر في أي شيء تقريبًا.
ويقول سميح ساويرس: "هذا أيضًا شكل من أشكال البيئة المستدامة". ويضيف: "إذا كان الناس الذين يعملون هنا يشعرون بالراحة، فعندئذ سيشعر أيضًا النزلاء بذلك. ومن مسؤوليتنا أن نضمن للذين يأتون إلى هنا أنّهم سيشعرون بأنَّهم في وطنهم".
إعادة التصنيع هواية الملياردير ساويرس
وتتبع ذلك أيضًا النظافة الفريدة من نوعها والتي تذكِّر تقريبًا بعالم والت ديزني. وفي كلِّ مكان في الجونة توجد جرار ملوَّنة لجمع النفايات وفصلها حسب أنواعها. وعملية الفصل الحقيقي للنفايات تجرى في مناطق لا يراها النزلاء، حسب قول ألفريد هايم، مدير فندق شتايغنبيرغر Steigenberger ذي الخمس نجوم.
ويقول سميح ساويرس بفخر واعتزاز: "لقد حقَّقنا نسبة ثمانية وتسعين في المائة في إعادة التصنيع"، ويضيف: "ولكن هدفي هو تحقيق نسبة المائة في المائة. وهذه النسبة غير موجودة في أي مكان. ولدي ثروة تمكّنني من ممارسة هذه الهواية المكلفة. وأطمح في أن أتمكَّن من قول إنَّني نجحت في ذلك وأصبحنا نعيد تصنيع نفاياتنا بنسبة مائة في المائة".
وهذا ليس مجرد دعاية للتسويق على المدى البعيد؛ إذ أنشأ سميح ساويرس على أبواب هذه المدينة مصنعًا لإعادة التصنيع كلّفه الكثير من المال. ويتم هنا فرز كلِّ أنواع النفايات وإعادة تصنيعها، حيث يتم تذويب المواد البلاستيكية وتصنع منها أكياس بلاستيكية أو شمَّاعات أو حجارة لتعبيد ورصف الطرقات. ويتم جمع الألمنيوم وبيعه. ويذهب الزجاج إلى مصنع الجعة. وحتى إنَّه يتم تحويل نفايات الطعام إلى علف للأغنام والعجول. وتأكل الديوك الرومية بقايا الشعير التي تنتج عن مخلَّفات مصنع الجعة.
ويقول سيف مهندس إعادة التصنيع إنَّ نحو تسعين شخصًا وجدوا عملاً لهم في مصنع إعادة تصنيع النفايات هذا. ولكن لا يمكن لأحد أن يكسب المال من خلال إعادة التصنيع - فهذه مجرَّد هواية ملياردير.
ملعب إيكولوجي للغولف في وسط الرمال
وفي الواقع يعتبر وجود ملعب للغولف في الصحراء من وجهة نظر بيئية كارثة. فخطوط اللعب الثمانية عشر الموجودة في هذا الملعب تحتاج يوميًا إلى ثلاثة ملايين وحتى أربعة ملايين ليتر ماء. وكمية الماء هذه تكفي في أوروبا لري ملعب غولف طيلة بضعة أشهر. ولكن يستخدم المرء في الجونة وعلى خلاف ما في أوروبا ماءً غير صالح للشرب، يتم نقله من الغردقة في أنابيب. ويتم تجهيز هذه المياه طيلة يوم واحد، ومن ثم يرش باليد على أرض الملعب. وفي الحقيقة يتسنى هذا فقط لأنَّ نوعية عشب "Seashore Paspalum" المزروع في أرض الملعب تتحمَّل الحرارة الشديدة ونسبة مرتفعة للغاية من الملوحة.
ولكن في الحقيقة يجب على لاعبي الغولف التكيَّف مع طبيعة هذا الملعب، وذلك لأنَّ الكرة لا تتدحرج هنا لمسافات بعيدة ولأنَّه تنبعث هنا في بعض الأحيان رائحة رطوبة نتنة. ويبلغ مجموع تكاليف المياه نحو ثمانمائة وخمسين ألف يورو. ولكن كما قلت سابقًا: هذه هواية ملياردير، ففي آخر المطاف يعتبر كلّ ما في الجونة ملكًا لشركة أوراسكوم، وهي شركة سميح ساويرس.
خمس نجوم خضر
يوجد الكثير من الفنادق ذات الخمس نجوم في العالم، ولكن توجد قبل كلِّ شيء في الجونة فنادق بخمس نجوم خضر. فقد ابتكرت شركة أوراسكوم وبالتعاون مع الحكومة المصرية والوكالة الألمانية للتعاون التقني والوزارة الألمانية الاتِّحادية للتنمية "النجوم الخضراء" باعتبارها علامة فندقية مميَّزة. ويتم منح الفندق من ثلاث وحتى خمس نجوم بحسب التزامه بالمحافظة على البيئة. ويقول مدير الفندق جون وود John Wood بالإضافة إلى فندق شتايغنبيرغر يسمح أيضًا لفندق موفنبيك أن يطلق على نفسه اسم "فندق بخمس نجوم خضر".
ويتم تدريب جميع العاملين لمدة ثلاثة أيَّام. ويهدف هذا التدريب إلى التقليل من هدر الطاقة أو المياه بقدر الإمكان. وتزرع هنا فقط الأشجار والأعشاب التي تحتاج إلى كميات قليلة من المياه. وتسعى الجونة في هذا الصدد إلى أن تكون مثالاً تحتذي به فنادق أخرى في مصر وكذلك في باقي أنحاء العالم. وهذا يعجب السياح كثيرًا - "إنقذ كوكبنا واقضي إجازة بيئية".
صاحب رؤية أم شخص مهووس بيئيًا؟
وفي حين تزداد باستمرار محافظة منتجع الجونة على البيئة، يهزّ أصحاب الفنادق الأخرى رؤوسهم. ويقول سميح ساويرس ضاحكًا: "هم يقولون إنَّني واهم مهووس". ويضيف: "إنَّهم يعرفون أنَّ كلَّ شيء يكلِّف أموالاً ضخمة. ويجب على المرء أن يكون قادرًا على تكاليف المشاريع المستدامة وليس أن يدَّعي ذلك وحسب. ونحن لدينا بطبيعة الحال وبسبب حجمنا شعور أكبر بالمسؤولية من أصحاب الفنادق الأصغر ممن يرون بصفتهم دافعي ضرائب أنَّ حماية البيئة من واجب الدولة أو البلدية. وأنا بنفسي مدينة. لذلك لا بدّ لي من أن أفعل أكثر من جميع الآخرين".
وربَّما سيفعل سميح ساويرس ذلك قريبًا في سويسرا. فحاليًا تستثمر شركة أوراسكوم نحو مليار في منطقة أندرمات Andermatt السويسرية. ومن المفترض كذلك أن يتم تحويل هذه المنطقة الجبلية النائمة إلى "منتجع الجونة السويسرية"؛ فنادق سويسرية أصيلة من جميع الدرجات وملعب للغولف - وتراعى فيها بالطبع البيئة المستدامة. وهذه هي هواية سميح ساويرس الجديدة.
توفيق خليل
ترجمة: رائد الباش
حقوق الطبع: دويتشه فيله 2009
قنطرة
الإسلام والمحافظة على البيئة:
"أزمة البيئة هي أيضا أزمة روحانية"
منذ سنين يدور جدل عالمي حول البيئة يربط بين الموضوعات المتعلقة بالبيئة والأخلاق الإسلامية. ولكن إلى أي مدى يمكن أن يستقي المرء من الإسلام إرشادات سلوكية للمحافظة على البيئة؟ إيرين جويرجين تحدثت حول هذا الموضوع مع الخبيرة زيجريد نوكل.
الإسلام ومشاريع التعاون التنموي:
حماية البيئة بالاستعانة بالقرآن؟
لا بدّ للمنظَّمات والجمعيَّات الحكومية وغير الحكومية العاملة في مجال المساعدة التنموية من تحديد القيم المشتركة التي تريد التعاون على أساسها مع شركاء مسلمين. لكن ما مدى أهمية الاستناد إلى الإسلام بالنسبة لنجاح مشاريع المساعدة التنموية في واقع الحال؟ مقالة بقلم مارتينا صبرا.
مشروع دولي ـ مصري لتنمية حي الدرب الأحمر:
مزابل تتحول الى حدائق في القاهرة
يشهد حي الدرب الأحمر الواقع في قلب القاهرة القديمة مبادرة متميزة من مؤسسة أغا خان، الصندوق المصري السويسري للتنمية، بنك التعمير الألماني ومؤسسة فورد ومحافظة القاهرة بهدف تنميته وخاصة أنه يعد من أفقر مناطق القاهرة وأكثرها ازدحاما. نيللي يوسف قامت بزيارة للمشروع.