الجيل الجديد للإرهابيين جاء من منابع السخط وغياب الأمل والإحباط

أثارت الاعتداءات التي شهدتها القاهرة في الأسابيع الماضية عددا من التساؤلات عن خلفية المعتدين الشباب ودوافعهم، هذه هي محاور الحوار التالي مع نبيل عبد الفتاح، الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية في القاهرة.

نبيل عبد الفتاح، الصورة: نيللي يوسف
"أنا أعتقد أن منظمي العمليات الأخيرة ينتمون لتنظيمات جهادية إسلامية ولذلك فالحديث عن المبادرات الفردية العشوائية أمر غير دقيق".

​​أثارت الاعتداءات التي شهدتها القاهرة في الأسابيع الماضية عددا من التساؤلات عن خلفية المعتدين الشباب ودوافعهم، هذه هي محاور الحوار التالي مع نبيل عبد الفتاح، الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية و الإستراتيجية في القاهرة.

ما هو تقييمك للاعتداءات الأخيرة في القاهرة ؟

نبيل عبد الفتاح: هذه الأحداث التي تميزت بالعودة إلى أنماط العنف المحمل بالطابع الديني هي تعبير عن حالات احتقانات مستمرة ومتزايدة منذ فترة طويلة في مصر. ونتيجة ارتفاع معدلات الفساد السياسي والاجتماعي، ووجود فجوات كبيرة ومتسعة بين النخبة السياسية الحاكمة وبين قطاعات الجماهير العريضة.

فلا يوجد تمثيل لمصالح الجماهير السياسية والاجتماعية من خلال المؤسسات المختلفة مثل البرلمان وغيرها. وهناك أيضا ما يمكن أن نطلق عليه ظاهرة اضمحلال الخيال السياسي للنخب الحاكمة نتيجة الشيخوخة السياسية القائمة في مصر حتى أصبح الحس السياسي أمرا بعيدا عن أداء وسلوك وتفكير النظام السياسي المصري سواء من قيادات الحزب الوطني أو الحكومة و رئيسها وغيرهم.

فالحزب الوطني يضم بداخله عناصر بيروقراطية وديكتاتورية تجعله حزبا بلا جذور حقيقية في الواقع وغير قادر على الخروج للناس في الشوارع ليكون حزبا شعبيا.

كل هذا أدى إلى غياب الآمال لدى الشباب المصري وخلق فراغ كان السبب الرئيسي في العودة مجددا إلى الإرهاب لأنه حتى الاستراتيجيات التي اتخذتها الدولة في مواجهة الظواهر الدينية والسياسية على اختلافاتها ليست نابعة من رؤية سياسية منظمة.

فعلى مدى عقدين يقولون إنهم يكافحون الإرهاب وحتى الآن لم يكن هناك مواجهة سياسية وإعلامية للإرهاب سوى بتصدير مصطلح الإرهاب فقط دون فحص للتركيبة الاجتماعية لهذه المنظمات أو الاتجاهات السياسية لهذه العناصر ولا معرفة دوافع الشباب وانخراطهم في مثل هذه المنظمات ذات الطوابع السلوكية السياسية الراديكالية العنيفة.

فهؤلاء الشباب الذين قاموا بالاعتداءات الإرهابية لم يجدوا حياة سياسية سليمة لينخرطوا فيها ويستطيعوا من خلالها أن يظهروا على سطح الحياة المصرية ويعبروا عن اتجاهاتهم وأرائهم ويدخلوا في جدال مع القوى السياسية المختلفة.

أيضا المجتمع المدني في مصر محاصر بالقيود القانونية والإدارية والأمنية. فالأمن هو الذي يدير ملفات عديدة في مصر لثقة النخبة الحاكمة ودوائر صنع القرار بالأدوات الأمنية دون غيرها من الأدوات السياسية لمواجهة الأمور حيث انه يدير ملفات دينية وسياسية حساسة مثل ملف الأقباط و ملف الأزهر والجماعات الإسلامية و الصحافة.

وأيضا هناك اضطرابات شديدة في وصف هذه العمليات الإرهابية واصطناع نيات لهذه الأعمال لم يقلها القائمين بها.

وهذه إستراتيجية حكومية مصرية لتبرير هذا النمط من العمليات الإرهابية كالقول بأن ما حدث هو في حقيقة الأمر تعبير عن غضب إزاء الأحداث الفلسطينية والعراقية والسياسات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، وقد يكون هذا احد الدوافع ولكنه لن يكون الدافع الوحيد.

إلا أن هذه التبريرات الحكومية ما هي سوى جزء من عملية متكاملة لن تفيد البحث العلمي ولن تصلح لفهم أكثر عمقا، حتى يتسنى وضع سياسات للتعامل مع هذا النمط من العنف الديني ومحاولة إيجاد حلول ذات طبيعة اجتماعية وثقافية وديمقراطية.

كل ذلك أدى لتفاقم الظاهرة الإرهابية وحدوث مثل هذه العمليات الأخيرة والتي سيحدث المزيد منها في الفترات المقبلة أيضا من وجهة نظري، لأن أسبابها مازالت قائمة.

هل يمكننا التحدث عن جيل جديد من الإرهابيين الإسلاميين فعلا، أم علينا اعتبار ما حدث مبادرات فردية بدون تنظيم يذكر؟

عبد الفتاح: استطيع أن أقول بوضوح إننا بالفعل أمام جيل جديد من الإسلاميين المتشددين، فقد قيل في البداية من قبل الجهات الحكومية المسؤولة إنها عمليات فردية ثم عائلية وهذا أمر خاطئ و خطير وينم عن تعجل واضح.

فحتى إذا كانت هذه عمليات فردية وعشوائية، وأنا أخالف هذا الرأي تماما، إلا انه في هذه الحالة أيضا نحن أمام مشكلة خطيرة ومحاولة وضعها في حدود وقوالب صغيرة لن يفيد فهناك أرواح تزهق من المصريين والأجانب الأبرياء وكما تخرب الممتلكات العامة.

فالنظام أيضا هو الذي سمح بانتشار هذه المناطق السكنية العشوائية التي ينتمي إليها الأشخاص الذين قاموا بالتفجيرات الأخيرة، ونحن تحدثنا كخبراء في هذا الأمر مرارا و تكرارا، ووضعنا بدائل لتطوير الحياة بهذه المناطق لأنها حياة دون المستوى الآدمي، ولكن لا احد يسمع لنا صوتا.

هذا الجيل الجديد جاء من منابع السخط وغياب الأمل والإحباط في مصر، و هو يعد امتدادا لجيل تنظيم القاعدة الذين يلجأ للإمكانيات الفنية البسيطة والاعتماد على الخيال السياسي والخيال الإرهابي مثلما قاموا بهجمات 11 سبتمبر/ أيلول بالولايات المتحدة الأمريكية.

فأنا أعتقد أن منظمي العمليات الأخيرة ينتمون لتنظيمات جهادية إسلامية ولذلك فالحديث عن المبادرات الفردية العشوائية أمر غير دقيق.

كيف تفسر اشتراك النساء لأول مرة في مثل هذه الاعتداءات الإرهابية؟

عبد الفتاح: أرى ذلك بأنه يمثل نقلة نوعية في تجنيد النساء حيث كانوا من قبل يقمن بأدوار لا تتعدى نقل الرسائل بين كوادر الحركة أو جمع المعلومات عن بعض الأهداف أو الأشخاص الذين يشكلون هدفا للعمليات الإرهابية أو إيواء ناشطين هاربين من قوات الأمن أو الجماعات الإسلامية.

ولذلك هذه نقطة جديدة وخطيرة وتعبر أيضا عن إلى أي مدى نجحت الحركة الإسلامية السياسية في تحويل البيئة الثقافية والدينية المحيطة بالمرأة المصرية والسيطرة عليها من خلال فرض أنظمة معينة من الزى مثل الحجاب وأنماط السلوك حيث قاموا بوضعها في بيئة من الأفكار والسلوكيات المتأسلمة لإعادة الصيغة الإيمانية لديها.

وفي حقيقة الأمر هذا جزء من ما أطلق عليه استراتيجية السيطرة على المجال الخاص التي نجحت فيه القوى السلفية وجماعة الإخوان المسلمين لأنه من خلال إعادة صياغة إسلام المجال الخاص للمرأة والشباب يمكن إعادة صياغة المجال العام في مصر.

ولكن هناك جوانب شخصية أخرى تتعلق بأسباب اشتراك فتاتين في الاعتداء الأخير في منطقة السيدة عائشة مثل زواج إحداهما الفاشل ونمط تربيتهما الذي يتسم بالمغالاة في فهم الدين نتيجة الفوضى الشديدة التي أصبحت منتشرة الآن بمصر في مجالات الفتوى والدعوة الدينية.

فالمشهد خطير ومرتبك ويحتاج للانتقال بالمجتمع المصري من حالة الاحتقان والتخلف الشديد على مختلف الأصعدة إلى أفاق أكثر تقدما من خلال رؤى سياسية وعلمية وتعليمية جديدة.

ما تأثير هذه الاعتداءات على حركة الإصلاح في مصر؟

عبد الفتاح: اعتقد أن كل طرف يستخدم هذه العمليات الإرهابية سندا لأرائه ولتبريرها، فالذين يريدون استمرار الوضع كما هو عليه يشيرون لضرورة العمل بقانون الطوارئ لأنه يستخدم في مواجهة الإرهاب على الرغم من إن هذا القانون لم يمنع أي عملية إرهابية من الحدوث، بل انه يشير لوجود حالة من عدم الاستقرار بالبلاد و يضرب فكرة دولة القانون في الصميم.

إلا انه بالرغم من ذلك هناك ظواهر ايجابية أخرى تتمثل في وجود مزاج سياسي متغير من أسبوع لأسبوع وربما أيضا من يوم لآخر في مصر يعبر عن رفض للصيغة والهياكل الدستورية والسياسية والإعلامية القائمة منذ عام 1952 ولم تشهد تغيرات كبيرة حتى هذه اللحظة، فربما ما حدث من عمليات إرهابية سيعجل بدفة الإصلاح.

في رأيك ما الوسيلة الأمثل للتعامل مع هذه الاعتداءات الإرهابية؟

عبد الفتاح: التعامل يتم وكأننا لا نزال نعيش في مصر منذ 24 عاما، فالأدوات الأمنية والقمعية هي السلاح الوحيد وهذا ليس كافيا.

فانا أرى أن الحلول المثلى هي الدراسة العلمية بحيث يتاح للمتخصصين معرفة المعلومات وملفات التحقيق والوثائق التي عثر عليها في بيوت منظمي العمليات الأخيرة، وإعادة النظر بشكل عميق حول ماهية الأسباب التي تدفع كل مجموعة للقيام بهذه العمليات وفتح المجال أمام إجراء حقيقي لتغيير الدستور ورفع القيود عن المجتمع المدني لاستقطاب هذه الطاقات المنفلتة لدى الشباب وإعادة توزيعها داخل أطر و قنوات سلمية.

وأيضا لابد من إعادة النظر في الفتاوى والخطاب الديني الذي كان يصلح لخمسين عاما مضت وليس للوقت الحالي الذي نعيه.

أجرت الحوار نيللي يوسف
حقوق الطبع قنطرة 2005

نبيل عبد الفتاح باحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية و الإستراتيجية في القاهرة.

قنطرة

المسلمون والإرهاب
تطالب الصحفية البريطانية الشابة فارينا علم الرجوع إلى القيم الدينية الإسلامية - التي تفضل الحوار على العنف والفضائل الاجتماعية على الحماس الديني المتعصب – وترى في ذلك إحدى الإمكانيات لتهدئة غضب الشباب المسلم

إلى أين يتجه العالم العربي؟
مظاهرات سلمية في لبنان، إسلاميون وليبراليون يحتجون في مصر ضد نظام مبارك، انتخابات بلدية في السعودية، ومفاوضات بين الأحزاب في العراق من أجل تشكيل ائتلاف حكومي. هل يمر العالم العربي بمرحلة تحول جذري؟ تحليل الباحث عمرو حمزاوي

لا للتجديد، لا للتوريث
تطالب العديد من الأطراف في مصر بتغيير الدستور لكي يتمكن المصريون من انتخاب رئيس الجمهورية بين أكثر من مرشح. في الحوار التالي يتحدث المدير التنفيذي لمركز هشام مبارك للقانون عن خلفية اندلاع هذه المناقشة وردود فعل السلطة على مطالب الإصلاح

www
مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية