استعراضات للتدين الظاهري!
لأول مرة اتحد نواب الحزب الوطني الحاكم مع نواب الإخوان المسلمين داخل البرلمان المصري في مهاجمة وزير الثقافة فاروق حسني والمطالبة باعتذاره أو استقالته نتيجة لتصريحاته لإحدى الصحف المستقلة بأن انتشار الحجاب في مصر يعد ردة للخلف. حوار مع نبيل عبد الفتاح الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في القاهرة عن خلفيات أزمة الحجاب.
كيف ترى حالة الاستنفار التي أصابت الرأي العام في مصر بعد تصريحات وزير الثقافة فاروق حسني حول الحجاب؟
نبيل عبد الفتاح: يرجع الاستنفار إلى عدة أمور منها ظهور هذا النمط من المزايدات السياسية بالدين وعلى الدين في السياسة المصرية من قبل الحزب الوطني الحاكم وهو كتلة الأغلبية داخل البرلمان وكتلة المعارضة وهى جماعة الإخوان المسلمين.
فما حدث مع وزير الثقافة يؤكد أن هناك تؤاطؤ على ضرورة تأميم الديانة الإسلامية وفرض تصوراتها الفقهية وهي تصورات بشرية ودعوية ووعظية على أنها هي التي تمثل الدين الإسلامي وأننا قد أصبحنا بالفعل أمام كنيسة وسلطة ذات طابع كنسي على ما تعرفه الديانات الأخرى مع الاحترام لها لكن هذه تقاليد لا توجد في صحيح الإسلام.
ومن ثم تدخل كل هذه المحاولات في إطار سياسي محض وفي إطار بناء مكانات ومصالح خاصة لدى هذه الجماعات والمؤسسات وهؤلاء الدعاة الذين يطلق عليهم "علماء الدين".
وجاء اللجوء مؤخرا للحجاب كجزء من استراتيجيات أسلمة المجال الخاص تمهيدا للسيطرة على المجال العام. فالمجال الخاص يعد نظام الزى فيه شيئا أساسيا سواء من خلال أنماط الزى المختلفة التي أصبحت الآن جزء من تسليع للظاهرة الدينية وإدخالها لنظام السوق مثل شكل الحجاب الآن وإدخاله لنظام الموضة.
هناك رأي يقول أن الحجاب جزء من الفرائض الإسلامية وجزء من ثوابت الشريعة الإسلامية في حين أن هناك رأي آخر يقول عكس ذلك بأنه ليس فرضا بل يعد من مكارم الأخلاق وجزء من الحريات الفردية، فمن شاءت أن تتحجب فلتتحجب ومن لم تشأ فلها كامل الإرادة في ذلك ولكن طبعا في إطار الأخلاقيات العامة للمجتمع.
ولكن الأخطر هو محاولة فرض رأى يعد في أقصى درجاته أنه رأى فقهي أو دعوى على أنه جزء من ثوابت الدين الإسلامي وجزء لا يتجزأ من العقيدة الإسلامية بمعنى أن الفتاة التي لا تؤمن بالحجاب تعد خارجة على الدين كما قال ذلك للأسف رئيس جامعة الأزهر.
وأنا أرى أنه لابد من الرصانة وإمعان النظر الفقهي بأن الإسلام يسر وليس عسر وأن المسالة ليست قسر وإرغام لأن حرية التدين والاعتقاد هي أساس من أسس الديانة الإسلامية ولذلك لا يجوز فرض شيء على الشخص بمقولة أنه لا يصح إيمانه إلا بذلك.
كما إننا في دولة حديثة ومدنية وليست دولة دينية يحكمها رجال دين أو وعاظ و فقهاء، فالدولة يحكمها الدستور الذي يعطى للمرأة المصرية حريتها متساوية مع الرجل.
فما حدث في البرلمان هو جزء من مشروع سياسي تشارك فيه أطراف مختلفة بهدف تصفية الدولة المدنية لصالح دولة ذات أيديولوجية وضعية من قبل بعض رجال الدين وبعض الحركات الدينية التي تتخذ من بعض تأويلاتها للإسلام على أن ذلك هو الديانة الإسلامية.
وهذه مسألة بالغة الخطورة لأن ذلك يعنى نهاية فكرة الدولة المدنية المصرية ونهاية فكرة الحداثة على الطريقة المصرية بمعني حداثة متأصلة في إطار التراث الثقافي المصري المتعدد، كما أنه تصفية لأي محاولة لإنعاش التعددية الثقافية أو السياسية أو العرقية أو الدينية أو المذهبية.
وكيف تفسر انتشار الحجاب بصورة كبيرة بين الفتيات في الشارع المصري؟
عبد الفتاح: انتشار الحجاب نتج عن عدة عوامل منها مسألة تسييس الدين ومحاولة فرض نمط من الرؤى على المجال الخاص. كما أن الحجاب ليس كل دوافعه دينية محضة، فقد بدأ الحجاب كقناع اجتماعي في مواجهة الفقر والحاجة وتدني مستويات المعيشة لدى الفئات الوسطي والصغيرة من العمال والفلاحين. وبالتالي ظهرت طالبة الطب المحجبة التي جاءت من الريف في السبعينيات كظاهرة في مصر حيث لا تمتلك الأموال الكافية للذهاب لمصففي الشعر أو اللجوء للملابس الفاخرة.
إذن نحن أمام ظاهرة جديدة فقد تحول الحجاب من قناع اجتماعي للحفاظ على كرامة الفتاة المصرية الفقيرة سواء في الريف أو في المدن إلى قناع ديني، وإلا بماذا نفسر انتشار كل هذا الفساد في مصر، فهناك فساد في الخدمة المدنية وفي كافة مرافق الحياة باعتراف كافة المراقبين وقادة النظام. فنحن أمام استعراضات للتدين الشكلي الظاهري وليست تجارب إيمانية شخصية حقيقية لأن الإيمان تجربة فردية بالأساس.
البعض قال أن هذه الزوبعة حول الحجاب ما هي سوى مسرحية لإلهاء الناس عن مشروع التوريث ومشكلات البطالة وغيرها؟
عبد الفتاح: لا اعتقد أنها مسرحية، فما حدث هو خطأ سياسي فادح من حكومة الحزب الوطني وأعضائها في البرلمان ومن جماعة الإخوان وفي نفس الوقت ترتب عليه إلهاء المصريين عن مناقشات جادة لمستقبل النظام الدستوري والسياسي ومشروع التوريث الذي يحاول به البعض استمرارية نمط من المصالح السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وأعتقد أن ما حدث في البرلمان سيدفع الإخوان ثمنه سياسيا لأنه في حقيقة الأمر أفقدها ذلك تعاطف بعض الفئات التي كانت تريد دمجها في العملية السياسية دمجا كاملا.
كما أن مسألة الضغوط الدولية وفشل "حماس" في إدارة السلطة الفلسطينية وما تقوم به جماعات إسلامية من مقاومة في العراق وجماعات شيعية موالية للنظام الإيراني كجزء من أدواته في اللعبة السياسية، أدت إلى تراجع الضغوط الدولية على الأنظمة السياسية القائمة في منطقة الشرق الأوسط، بهدف إدماج القوى السياسية الإسلامية ضمن اللعبة السياسية.
وأصبح الآن هناك تخوف حقيقي لدى المصريين الأقباط من وصول جماعة الإخوان إلى الحكم أو حدوث تحالف بينها وبين عناصر من الحزب الوطني كما ظهر كغالبية داخل البرلمان في أزمة الحجاب حيث ظهرت هذه العناصر مؤيدة للتوجهات المؤسلمة لجماعة الإخوان.
هل تعتقد أن الفتاوى المنتشرة الآن بلا حسيب أو رقيب على شاشات الفضائيات هي السبب في ظهور موجة التدين الشكلي، وأين محاولات تجديد الخطاب الديني؟
عبد الفتاح: لا توجد حتى الآن دراسة للخطابات الدينية السائدة في السوق القومي أو الإقليمي أو الدولي. وبدون دراسات جادة لا يمكن بناء تصورات أو استراتيجيات لتشكيل خطابات دينية تتسم بالعقلانية والمعاصرة.
أما عن سوق الفتاوى فهو سوق فوضى ناتج عن اختطاف بعض العوام من غير المتخصصين لحق الفتوى باسم الإسلام وللجماعات الإسلامية السياسية مثل الإخوان وغيرهم من الجماعات الإيدلوجية التي تحاول أن تجد سندا لخطابها الوضعي عن الدين.
وهناك حروب بين الفضائيات الدينية سواء الإسلامية السنية أو الشيعية أو القبطية وهناك تنظيم لهذه الفوضى بمعنى أنه هناك من يمول هذه الفضائيات ويضع أجندة عملها وذلك بهدف السيطرة على العالم العربي ومحاولة تطويق وخنق المراكز المعتدلة وللأسف لا تجد هذه الفوضى من يقف في مواجهتها بحزم وحسم.
أجرت الحوار نيللي يوسف
حقوق الطبع قنطرة 2007
نبيل عبد الفتاح باحث متخصص في شؤون الجماعات الإسلامية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في القاهرة.
قنطرة
الحجاب موضة
مصممة الأزياء الألمانية سوزانة كومبر، المدرّسة في كلية الفنون التطبيقية بجامعة حلوان، تعمل سوية مع طالباتها على ابتكار موديلات جديدة وجريئة للحجاب، تم عرضها أخيرا في حديقة معهد غوته في القاهرة
الجدل حول الحجاب
مناقشات حامية تدور حول اللباس الإسلامي للمرأة، ليس في المانيا فقط بل في أوربا والعالم الإسلامي أيضا. نقدم في الملف التالي خلفيات ومواقف مختلفة وأمثلة من دول شتى