الجالية العربية بألمانيا
تدفع الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد العربية الشباب منذ عقود إلى مغادرة أوطانهم والبحث عن لقمة العيش والاستقرار في الخارج. وبدأت العديد من الحكومات العربية في الآونة الأخيرة الاهتمام بهذه الجاليات، مبادرة مكتب الجامعة العربية في ألمانيا تقع في هذا السياق. تقرير حميد سكيف
المهاجرون العرب غدوا محط اهتمام متزايد من طرف حكومات بلدانهم الأصلية بسبب الوزن الاقتصادي والسياسي الذي أصبحوا يتمتعون به في بلدان إقامتهم. بعض البلدان أنشأت وزارات خاصة مهمتها الاهتمام بشؤون المهاجرين، بينما بلدان أخرى تكتفي بتكوين سكريتاريات وزارية أو هياكل أقل حجما تأخذ على عاتقها مهمة الاهتمام بمشاغلهم. غير أن هذه الجهود تظل محدودة مع ذلك مقارنة بحاجيات الجالية.
كما بادرت الجامعة العربية من جهتها ولأول مرة منذ تأسيسها سنة 1945 بتوجيه اهتمامها إلى العرب المقيمين في البلدان الأجنبية، وهي تقدّر عددهم بـ35 مليون نسمة، أي ما يعادل 12% من مجمل سكّان البلدان الأعضاء في الجامعة.
هذه الأرقام تعبر بوضوح عن الأهمية الكبرى للهجرة العربية التي تحاول أن تنتظم داخل أطر ديمقراطية معلنة بذلك عن قطيعتها مع الأجهزة البيروقراطية التابعة لأنظمة بلدانها الأصلية التي يفر منها المهاجرون بسبب ممارساتها البوليسية التعسفية.
أهداف متواضعة
منذ السنة الماضية بادر مكتب الجامعة العربية بألمانيا بإقامة علاقات مع الجاليات العربية المقيمة بالمدن الكبرى. وقد انتظمت عدة اجتماعات في هذا الإطار، آخرها الاجتماع الذي انعقد في يوم 15 من شهر ديسمبر الجاري في مدينة هامبورغ. وقد جمع هذا اللقاء بين السيد سالم كوتين رئيس بعثة الجامعة وممثلين عن الجاليات العربية المقيمة بهامبورغ.
وقد حدد المشرفون على تنظيم هذا الاجتماع أهدافا متواضعة لهذا اللقاء مثل إمكانية بعث أطر لتعليم اللغة العربية والتنسيق بين مختلف الجمعيات والدفع بعملية الاندماج.
كان الغرض الأساسي للمشرفين من وراء هذا اللقاء هو اغتنام فرصة هذه الزيارة التي يقوم بها ممثل الجامعة العربية للتعبير بصراحة عن مشاغل الجالية وانتظارتها وإحباطاتها، وللتحاور حول أهداف عملية ملموسة بعيدا عن الجعجعة والخطب الرنّانة.
أسباب الهجرة
وقد أسهمت الطريقة الواقعية الصريحة التي تطرق بها سفير الجامعة إلى المسائل المطروحة في تحديد الغرض المنشود من خلال هذا اللقاء. وقد اعترف بالأسباب التي تقف وراء هجرة الأدمغة التي تكلف المجتمعات العربية ثمنا باهضا ودعا المشاركين إلى الاعتماد على أنفسهم من أجل المضي بمشاريعهم إلى تحقيق مبتغاها.
وقد عبر بالإضافة إلى ذلك عن ابتهاجه للمبادرات المسجلة بين صفوف المهاجرين بهامبورغ. فقد تم مؤخرا تأسيس ناد للمحاضرات تطرح داخله شتى المشاكل التي تعاني منها المجتمعات العربية، كما سيتم بعث نادي سنمائي إلى الوجود عما قريب.
وفي مجال التعليم أشارت النقاشات إلى أن تونس هي البلاد العربية الوحيدة التي تقدم دروسا عربية منتظمة لأطفال الجالية وذلك بتعيين مدرس قار ومتفرغ كليا لهذا العمل. وسيتم التداول مع السلط المحلية في هامبورغ حول مسألة تنظيم دروس لتلقين لغة المتنبي أثناء ساعات التعليم المدرسي الرسمي أو بعدها. وقد تساءل أحد المشاركين لم لا تفكر الجالية في إمكانية تمويل ذاتي لجزء من تكاليف هذا المشروع.
كما تم التنويه بإلحاح بضرورة الانخراط داخل الأحزاب السياسية الألمانية. وقد رأى بعض المشاركين في هذا طريقة لإبلاغ صوت المواطنين ذوي الأصل العربي الذين يعتبرون جسورا حقيقية بين مجتمعاتهم الأصلية والمجتمع الألماني، وينبغي أن يكونوا عناصر نشطة في حوار الثقافات.
أما عن النتائج العملية لهذه المبادرة فذلك ما ستبديه لنا الأشهر القادمة. وفي الأثناء قد أعرب المنشطون لهذه المبادرة عن التزامهم بمواصلة ربط الصلة بالجامعة العربية والإعداد في الآن نفسه إلى تحقيق أفكار عملية من أجل إنشاء إطار فدرالي يجمع الجالية العربية المهاجرة.
بقلم حميد سكيف
ترجمة علي مصباح
حقوق الطبع قنطرة 2006
حميد سكيف كاتب وصحفي جزائري مقيم في هامبورغ