"عدو البشرية": حماية المؤمنين من فيروس كورونا فوق كل اعتبار
انتشر فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) عبر العالم، كما تنتشر النار في الهشيم، وضعٌ أجبر رجال الدين على التعامل مع هذا الوباء القاتل. فها هو البابا فرنسيس الأول بدا، في مشهد مثير، وكأنه معلق على أسوار الفاتيكان وهو يحتفل بالقداس الكاثوليكي الرسمي الوحيد في كل إيطاليا.
فيما ألغى أساقفة الكنسية من مختلف الجنسيات المؤتمرات واللقاءات التي كانت مبرمجة قبيل انتشار الفيروس. كما أعلنت دولة الفاتيكان إغلاق كاتدرائية وساحة القديس بطرس أمام السياح حتى الثالث من نيسان / أبريل 2020 في إطار الإجراءات الهادفة إلى وقف انتشار فيروس كورونا المستجد.
وأقفلت عديد الكنس والمعابد اليهودية أبوابها في الولايات المتحدة الأمريكية. كما ألغى اليهود إحياء عيد المساخر "بوريم" الذي يشبه إلى حد كبير احتفالات الكرنفال. نفس القيود شملت مهرجان "هولي" الهندوسي للألوان الذي ألغي هذا العام لنفس السبب.
وبالنسبة للديانة الإسلامية، في السعودية ورغم إعادة فتح صحن الكعبة عقب إغلاقه مؤقتا لمنع انتشار الفيروس، لا يزال قرار تعليق العمرة غير المسبوق قائما. القرار الخاص بالكعبة استثنائي بكل المقاييس وبعث برسالة واضحة لكل مسلمي العالم بشأن التعامل مع الوباء القاتل.
وفي ألمانيا، أُعلن عن عدة مبادرات في نفس الاتجاه، من بينها دعوة المجلس الأعلى للمسلمين إلى تعليق إقامة الصلوات في المساجد وأدائها في المنازل إذا لزم الأمر، وذلك بعد التشاور مع علماء دين وخبراء في الصحة الوبائية.
وناشد المجلس الجمعيات الإسلامية المحلية تجنب تنظيم فعاليات كبرى في المساجد في المستقبل القريب، لا علاقة لها بأداء الشعائر، تجنبا لانتشار الفيروس. وأكد المجلس أن تعليق إقامة صلاة الجمعة وصلوات أخرى في المساجد لأجل اعتبارات تتعلق بالوقاية الصحية أمر "يُبيحه الإسلام".
وفي مقابلة مع دويتشه فيله ذكًر البروفيسور مهند خورشيد عميد معهد الدراسات الإسلامية بجامعة مونستر الألمانية بإغلاق الحرم المكي، واصفا إياه، بأنه "أقوى إجراء ممكن وأظهر مدى جسامة المسؤولية وخطورة الموقف".
بين الطقوس الدينية وقواعد الوقاية
تتبنى معظم الأديان مجموعة من الطقوس تهدف إلى خلق روابط حسية وروحية بين مؤمنيها. من بينها تقبيل أحجار مقدسة، أو تقديم لفائف التوراة وكتب الصلاة أو الصلبان، كما يشرب الجميع من نفس الكأس في القداس المسيحي على سبيل المثال لا الحصر. كاتدرائية القديس بطرس في روما أغلقت أبوابها أمام الزوار والمؤمنين.
وذهبت كنائس كبرى في نفس المنحى، إذ قيدت كاتدرائية سانت ستيفن في فيينا عدد زوارها بشكل كبير. وفي إسرائيل فرضت الحكومة تقليل الزائرين على جميع معابد البلاد ومنعت تقبيل الأدوات المستعملة في طقوس العبادة.
وبهذا الصدد وصف فرانك روزاليب، الباحث الألماني المتخصص في دراسة الأزمات، ما بادرت به الكناس الألمانية بـ "الخطوة الصحيحة"، فهي تتحمل المسؤولية في نهاية المطاف تجاه المؤمنين. وقد استندت في ذلك لتوصيات ومعاير تقييم المخاطر ذات الصلة كما حددها معهد روبرت كوخ، وهو أعلى مرجعية صحية في ألمانيا.
جهل بروح الأديان؟
من اللافت أيضا، أن أتباع الأديان أنفسهم عجلوا في بعض الحالات بانتشار فيروس كورونا، كما هو الحال في كوريا الجنوبية، حيث تجاهلت الطائفة المسيحية مناشدات متكررة للحكومة بتعليق التجمعات الدينية. وساهمت من حيث لا تدري في ارتفاع مهول في عدد المصابين. أما في إيران، فباتت مدينة قم، وهي أهم مركز للدراسات الشيعية في البلاد، مصدرا لإصابة الآلاف بالفيروس. كما رفض الكثير من آيات الله والقيادات الدينية الأخرى مبدأ الحجر الصحي، والنتيجة هي أن البلاد بأسرها وجدت نفسها في حالة حرب ضد المرض.
ربما يكون معظم الأئمة المسلمين في أوروبا أبعد من هذا التفكير المتشدد، حيث أكد مهند خورشيد على "الدور الإيجابي للغاية" لأن المسؤولين الدينيين دعوا بشكل مبكر، على سبيل المثال، إلى عدم مصافحة المسنين وضرورة رعاية الضعفاء.
تحذير من سيناريوهات "نهاية العالم"
البروفيسور خورشيد مطلع تماما على "نظريات المؤامرة" بشأن فيروس كورونا. وأشار إلى "دول معينة في الجنوب" حيث وصف رجال دين مسلمون الوباء بأنه "عقاب من الله". هذه "إساءة لاستعمال سلطة الإمام"، يقول خورشيد.
يوجد جهل بحقيقة الفيروس أيضًا في دوائر كاثوليكية يمينية في الولايات المتحدة أو في إيطاليا. وبالنظر إلى إلغاء الفعاليات الدينية في إيطاليا حتى أوائل أبريل / نيسان 2020، فإن هناك من بات يُروج للعمل الكنسي السري، وهو ما يذكر بالمقاومة المسيحية في الأوقات المظلمة للشيوعية. وحذر خورشيد من ترويج المتطرفين لسيناريوهات التهويل والوعيد بـ "نهاية العالم".
كريستوف شتراك
ترجمة: ح.ز
حقوق النشر: دويتشه فيله 2020