رسولُ اللَّه
يكمن أحد أهم واجبات الحوار بين الأديان في عرض الاختلافات وإظهار الأمور المشتركة. خير مثال يتيح الفرصة لذلك في الحوار بين المسيحية والإسلام وعلى نحو رائع جدًا هو يسوع المسيح ومريم العذراء. إذ أنَّ كليهما، النبي يسوع المسيح وكذلك أمه مريم العذراء، يحظيان بقدر عالٍ من التكريم والاحترام في الإسلام.
سُمِّيت في القرآن سورة بكاملها باسم مريم. كذلك قال عنها النبي محمد: "خير نساء العالمين مريم ابنة عمران" وقال: "لم يكمل من النساء ... إلاَّ مريم ابنة عمران". يعتبر حمل مريم العذراء حسب المفهوم الإسلامي آية من اللَّه. تتوجّه مريم العذراء مذعورة في الآية 45 من سورة آل عمران 3 (كذا: سورة 3 آية 45، والصحيح الآية 47 سورة آل عمران. المترجم) إلى خالقها وتقول سائلة: "رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ ولَمْ يمْسَسْنِي بَشَرٌ".
وهكذا يولد يسوع المسيح بطريقة عجيبة - بأمر من اللَّه الذي خلق أيضًا أول بني البشر، آدم، من دون أب بشري. نقرأ في القرآن: "إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ" (سورة آل عمران 3، الآية 59).
يحترم المسلمون يسوع المسيح ويبجِّلونه، مثلما يكنون كذلك لرسل اللَّه الآخرين الاحترام والإجلال. يقول اللَّه في كتابه: "آمَنَ الرَّسُولُ بمَا أُنزِلَ إلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ والمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَينَ أحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ" (سورة البقرة 2، الآية 285).
المقصود في هذه الآية بالكتب أي التوراة والإنجيل، اللذان يؤمن بهما المسلمون بصيغتيهما المنزَّلتين من عند اللَّه.
كذلك يمكن من خلال التقدير والاحترام العالي، الذي يحظى به يسوع المسيح في الإسلام، تفسير السبب الذي يجعل المسلمين يشعرون بإهانة مشاعرهم عندما يصوَّر يسوع المسيح أحيانًا في أفلام ورسومات كاريكاتورية على نحو مهين، أو عندما يتم الوضع من مكانته في بعض الكتب. يشعر الكثير من المسلمين عند إهانة يسوع المسيح بالكثير من الحزن أو حتى بالإستياء والغضب مثلما يكون شعورهم عند إهانة محمد.
يؤمن المسيحيون والمسلمون باللَّه الواحد الذي خلقنا نحن البشر وخلق العالم والكون ويعلم البداية والنهاية. إنَّ اللَّه حسب التصوّر الإسلامي للَّه يعتبر ويبقى واحدًا أحدًا لا شريك له (سورة المائدة 5، الآية 116). أمّا يسوع المسيح - ردًا على التعاليم النصرانية - فهو ليس ابن اللَّه.
"مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ" (سورة مريم 19، الآية 35).
يعتبر يسوع المسيح رسول اللَّه إلى شعبه، أي إلى اليهود، ويطلق عليه بهذا المعنى اسم المهدي (المسيح المخلِّص)، الذي سيعود مرة أخرى إلى هذا العالم قبل يوم القيامة.
لقد مُنح كلُّ الانبياء معجزات، وكذلك أيضًا يسوع المسيح. يقول يسوع المسيح للناس في القرآن: "إِنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُم" (سورة آل عمران 3، الآية 49)؛ ويرد قوله في آخر هذه الآية: "وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِ المَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ".
لكن هناك أيضًا فرق جوهري بين المفهوم النصراني والإسلامي ليسوع المسيح. إذ أنَّ يسوع الناصري لم يمت حسب المفهوم الإسلامي على الصليب. صحيح أنَّ أعداء يسوع المسيح كانوا يريدون إلحاق الضرر به، بيد أنَّهم كانوا مثلما يصفهم القرآن: "يمْكُرُونَ وَيمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ" (سورة الأنفال 8، الآية 30). "وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا المَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ" (سورة النساء 4، الآية 157).
يفسِّر معظم مفسِّري القرآن هذه الآية بأنَّ المصلوب "ظهر لهم بهذه الصورة"، أي أنَّ الرجل الذي تم قتله وصلبه من قبل أعداء يسوع المسيح ظهر بصورة يسوع المسيح، لكنه لم يكن في حقيقة الأمر يسوع المسيح. وفي النهاية يذكر في القرآن: "بَلْ رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا" (سورة النساء 4، الآية 158).
إذا كان المسيحيون يحتفلون في عيد الميلاد بميلاد يسوع المسيح، فإنَّ ميلاد المسيح يعتبر أيضًا بالنسبة للمسلمين يومًا سعيدًا، بسبب الاحترام والتقدير العالي الذي يحظى به يسوع المسيح في الإسلام - الذي يطلق عليه اسم عيسى في القرآن.
بقلم أيمن مزيك
ترجمة رائد الباش
حقوق طبع الترجمة العربية قنطرة 2007