ما هي النتائج المتوقعة للحوار الثقافي مع العالم العربي؟
الصراع الفلسطيني الإسرائيلي مشتعل والحرب دائرة في العراق وأفغانستان والمدن الكبيرة تشهد إرهابا يسّخر الإسلام وسيلة لغاياته.
بعد انقضاء عقود عديدة في أغلب الحالات على تواصل هذه الصراعات المعبأة بروح العنف والتي تزامنت مع إلحاق أضرار جسيمة بمصداقية السياسة الغربية في رؤية سكان الضفة الجنوبية لحوض البحر الأبيض المتوسط وانتشار مشاعر الريبة لدى سكان الضفة الشمالية لهذا الحوض حيال الجنوب، فقد بدأت شكوك كبيرة تساور النفوس إزاء قدرة الآليات التقليدية القائمة في الوقت الراهن في إطار سياسة الأمن الدولية على احتواء هذه النزاعات بصورة دائمة.
ويبدو أن الأمر بات يتطلب سلوك طرق جديدة بهدف تثبيت أعمدة التعايش السلمي بين الشعوب. لهذا السبب ولا سيما بعد ظهور كتاب "صراع الثقافات" الذي ألفه صامويل هانتينغتون وعلى ضوء وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، فقد بدأ سياسيون عديدون ينتمون لكافة التيارات يعولون على "حوار الثقافات بين العالمين الأوروبي والإسلامي" المقدرة على ممارسة دور جوهري في مجال الآليات التابعة للسياسة الأمنية.
هذا خاصة وأن العالمين العربي والإسلامي يوليان ثقة كبيرة مدعومة بخلفية تاريخية في الأنظمة التعليمية والثقافات المتوفرة لأوروبا كما أنهما يقيمانها على أنها تتسم بمرتبة عالية من الجودة. يأتي بالإضافة إلى ذلك أن الكثيرين من سكان العالم العربي الإسلامي يعتبرون هذه الأنظمة بديلا مناسبا لنمط "الحياة على الطريقة الأمريكية" الذي يشعرون بأنه قد هيمن بصورة تامة على حياة الناس عندهم.
آمال مبالغ بها
لكن معالم الثقافة والفن والتعليم الرفيع المستوى تفقد قوتها وقدرتها الذاتية طالما سّخرت فقط من باب الدعاية فقط كأدوات كفيلة بخلق الأمن وحل النزاعات. أما الثقافة بمعناها الحقيقي فإنها تخدم مجالات الانفتاح المجتمعي وتوفر الطاقات الإبداعية عند الإنسان وتخلق المبادرات التي تعمل على انفتاح عمليات اللقاء بين الأطراف المختلفة.
الأمر الذي يعني بأنها تساهم مساهمة فعالة في التبادل البناء بين هذه الأطراف. بصورة محددة يوجد في الوقت الراهن خطران واضحا المعالم على نحو خاص. الخطر الأول هو أن هناك آمالا تتسم بالمبالغة معقودة على الحوار الثقافي الدائر مع العالم الإسلامي، علما بأن هذا الحوار لا يملك القدرة على تلبية هذه الآمال.
الخطر الآخر نابع من كون الثقافة والتعليم الغربيين قد يفقدان قريبا مصداقيتهما في العالم الإسلامي كما وقع لقطاعات أخرى من السياسة الخارجية فيما لو ساورت هذا العالم شكوك بأنهما ليسا سوى وسيلتين من وسائل التسخير لصالح الغرب.
بهذا المضمون فإن السؤال يطرح نفسه عما يمكن للحوار الثقافي بين أوروبا والعالم الإسلامي أن يؤتيه من ثمار ونتائج؟ ليس بوسع التبادل في مجالي الثقافة والتعليم أن يزيل الهوة القائمة بين الشمال والجنوب في القطاع الاجتماعي والاقتصادي ولا أن يجد حلا للمشاكل القائمة في هذا السياق بناء على معطيات واعتبارات سياسية.
بعبارة أخرى لا يسع على سبيل المثال لبرنامج معني بالتبادل الثقافي بين الفنانين أن يخلق حلا لقضية فلسطين. كما أنه لا يملك القدرة على القضاء على أنظمة فاسدة ومفتقدة للإرادة الإصلاحية ولا أن يصلح من شأن أشخاص متشددين يستخدمون العنف وسيلة لأعمالهم. نكون بذلك قد قدمنا رصدا مثيرا كثيرا للخيبة طالما نظرنا إلى قضية السياسة الأمنية نظرة قصيرة الأجل.
التعرف على الآخر
لكن بوسع الحوار الثقافي أن يؤتي بثمار طيبة في مجالات كثيرة أخرى. فهو يضمن خارج إطار المعادلة السياسية وجود تبادل وثيق بين أوروبا والشرق الأوسط حتى في ظل الظروف الدقيقة الصعبة الراهنة.
كما أنه يوفر قنوات الاتصال بين الطرفين ويجعلهما قادرين على الدخول في جدل قاس حاد حول آرائهما والقيم التي يدين كل منهما بها، وذلك دون اللجوء إلى استخدام العنف. هنا يساهم التبادل الثقافي والتعليمي في خلق العمليات الإصلاحية داخل العالم العربي ويمهد الطريق بالتالي لظهور مجتمع متلهف للحصول على المعرفة.
هذا التبادل يقوي ساعد الأشخاص والمجموعات الراغبة في سلوك طرق جديدة هدفها الوصول إلى الفضيلة بمفهوم المجتمع المدني. من خلال هذا الحوار يتعرف كل من الجانبين على الجانب الآخر ويتفهمان بعضهما البعض بطريقة أفضل ويعمدان إلى تطوير طرق اتصالات جديدة من نوعها ومجردة من العنف.
تحتل الثقافة والتعليم لدى جيل الشباب على وجه خاص مرتبة عالية من الجاذبية. في مصر على سبيل المثال لا تتعدى أعمار 60 % من السكان سن الثلاثين. هذا وبوسع الثقافة والتعليم أن يتسع تأثيرهما بحيث لا يقتصر على المدن الكبيرة بل يشمل المناطق الريفية أيضا. وتتضح الأهمية الفائقة لحوار الثقافات بين أوروبا والعالم الإسلامي لو انطلقنا من القدرات الكامنة في الرؤى البعيدة الأجل لا القصيرة الأجل لهذه المسألة.
نتائج مجهولة
سرعان ما صرح بعض العاملين في قطاعي السياسة والإعلام بعد الخلاف الذي نشب حول قضية رسوم الكاريكاتور بأن "الحوار الثقافي قد باء بالفشل". وهم لم يدركوا بالتالي في هذا السياق بأن حوارات الثقافة ليست بالضرورة بذلك العلاج الثابت الأكيد لكافة أشكال الشرخ التي قد تطرأ على مجتمع ما أو في العلاقة القائمة بينه وبين مجتمع آخر بل إنها بمثابة عمليات مفتوحة بمعنى أن نتائجها تكون مجهولة.
إذن فمحور الاهتمام في هذا الصدد ليس الهدف نفسه بل سلوك طريق مشترك بين الطرفين. حيث أنه لا يمكن لكل من الطرفين أن يتعلم من الطرف الآخر بصورة حقيقية عميقة إلا إذا شارك كلاهما في مثل هذه العمليات الدقيقة الصعبة.
يتضح هنا بأن النزاع الذي نشب حول رسوم الكاريكاتور رغم ما خلفه من جروح فقد شكل في آن واحد حجرا هاما في عملية بناء التقارب بين الطرفين. نجمت عن هذا الخلاف تجاوزات حادة مليئة بالعنف لكنه أفرز من ناحية أخرى مؤتمرا حواريا قام الواعظ المصري المعروف عمرو خالد بتنظيمه في الدانمارك.
قام هذا الواعظ الديني بمجرد أن بدئ في احتواء حدة الغضب والاستياء بالدعوة إلى عقد العديد من المحادثات المبنية على روح الصدق والمصارحة حول القيم والمحرمات السائدة في مجتمعات كلا الطرفين.
المعتقد أن هذا النمط من طرح المسألة بروح جدية ساهم في الحيلولة دون حدوث مضاعفات جديدة مشابهة لنزاع الرسوم نتيجة للفضيحة التي وقعت بسبب لقيام شباب دانمركيين ينتمون إلى اليمين المتطرف بالتجديف بقيم الإسلام.
مبادرات عديدة
تشكل المحادثات والمؤتمرات جزءا واحدا فقط من الحوار الدائر مع العالم الإسلامي. لكن الأهم من ذلك هو أن تتم لقاءات بين الأفراد والجماعات المجتمعية المعنية تتسم بطابع الأجل البعيد لا القصير وتفرز تعاونا مشتركا بين الطرفين.
من أمثلة ذلك مشاركة 14 كاتبا عربيا وألمانيا في مدونة الإنترنت مداد ساردين انطباعاتهم وأفكارهم من مدن عربية وألمانية مختلفة، ولاعبات فريق تي إس فاو لكرة القدم من مدينة لودفيغزبورغ اللواتي يتمرن على هذه الرياضة مع أحد فرق كرة القدم للنساء في مصر أو الشباب الذين يستخدمون صفحة الإنترنت العربية الألمانية لي لك.
مثل هذه اللقاءات مع الطرف الآخر تجعل المشاركين يكتسبون خبرات جديدة بناءة لا تقتصر عليهم فقط بل تنتقل إلى محيطهم أيضا. من المداخل الأخرى الهامة للحوار بين العالم العربي وأوروبا تقديم برامج للمنح الدراسية والترجمة والإنتاج المشترك للأفلام والفنون التشكيلية وتبادل التلاميذ والصحافيين وتدريس اللغة الألمانية وغير ذلك من الأنشطة العديدة التي تقوم بها على سبيل المثال لا الحصر معاهد غوته والهيئة الألمانية للتبادل الجامعي والمدارس الألمانية ومعهد العلاقات الخارجية الألماني.
نماذج مشجعة
لكن الأمر يتطلب منا إذا كان مقصدنا توظيف الطاقات الكامنة في التعليم والثقافة لأغراض اللقاء بين الطرفين العربي والأوروبي على مدى طويل أن نقوي ساعد هذه البوادر الأولية. إن تاريخ ألمانيا لمرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية يوضح لنا على ضوء المصالحة التي تحققت في العلاقة بين ألمانيا وفرنسا بأن حوار الثقافة قادر على احتواء الأحكام المسبقة.
من المؤكد أن الفروق الكبيرة القائمة بين أوروبا والعالم العربي سواء إزاء الهياكل المجتمعية أو التوجهات الفكرية تفرض علينا أن نكون واقعيين مما يجعلنا نرى بأنه لا يمكن في هذه الحالة تحقيق تقارب مشابه للحال إزاء العلاقات بين الدول الغربية مع بعضها.
رغم ذلك فإننا نتساءل عما إذا كان التقارب الناجح بين ألمانيا وفرنسا في عام 1945 كان في الأساس أمرا بديهيا متوقعا. ألم تكن الهوة القائمة داخل أوروبا نفسها في تلك الحقبة أكبر فداحة من الهوة التي نعاصرها اليوم بين ضفتي البحر المتوسط الشمالية والجنوبية؟
ألم يتطلب الأمر في ذلك الحين وجود مقدار كبير من الجرأة والحكمة لدى ساسة البلدين أي ألمانيا وفرنسا مما جعلهم يعمدون إلى تعبئة الناس والطاقات بغرض تحقيق ذلك المشروع الجريء أي مشروع المصالحة الرامي إلى التغلب على صورة العداء التاريخية المتبادلة بين البلدين؟
يومها لم يكتف المعنيون بالأمر بتكريس الالتحام الاقتصادي وبعقد المؤتمرات السياسية فحسب بل قاموا أيضا بتعبئة قوى الحوار الثقافي وتبادل الاتصال بين شبيبة الشعبين. في هذا العالم الذي تسوده اليوم مظاهر العولمة والذي لم يعد فيه التباعد بين ضفتي البحر المتوسط يفوق البعد القائم بين ضفتي نهر الراين بات علينا نظرا للشرخ الخطير المهيمن على علاقات الثقافات ببعضها البعض أن نتحلى بشجاعة مماثلة لشجاعة رواد الماضي وبروح التفاؤل والحكمة.
لهذا فإنه لا يوجد بديل للقيام بتبادل مكثف وثيق ومشبع بطاقات كبيرة مع العالم العربي الإسلامي في مجالي الثقافة والتعليم.
بقلم يوهانس إيبرت
ترجمة عارف حجاج
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2007
يوهانس إيبرت، مدير معهد غوته في القاهرة ومسؤول معهد غوته عن الشرق الأوسط منذ 2002، سيستلم في مارس/آذار 2007 منصب مدير معهد غوته في موسكو.
قنطرة
التعبير واحترام مشاعر الآخرين
ضجة الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد إنتهت او تكاد تنتهي، ومع ذلك يظل السؤال قائما: كيف يمكن لنا أن نوفق بين حرية التعبير عن الرأي واحترام مشاعر الآخرين؟ في هذا المقال يحاول سكرتير الأمم المتحدة السابق كوفي عنان العثور على الجواب
الخطأ والصواب في حوار الثقافات
أضاع العالم الكثير من الوقت في العقدين الماضيين في ما يتعلق بحوار الثقافات. فقد بذلت جهود كثيرة ولكنها ظلت في إطار فكري ضيق للحوار وظلت تدور في أجواء منطق سيناريوهات الصراع الثقافي العاجزة عن تقديم الأجوبة الصحيحة
لا غنى عن حوار الثقافات!
منذ اعتداءات الحادي من سبتمبر/أيلول بدأ يطرح شعار حوار الثقافات على الساحة السياسية. وترى الباحثة نايكا فروتان أنه لا غنى عن اتباع استرتيجية الحوار بين الثقافات في السياسة الخارجية في زمن أثبتت الأساليب العسكرية فشلها
www