الجزائر - انقسام الحكومة والمعارضة على مشروع الدستور وجزائريون يرون في ظروف المعيشة أولوية

أعربت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين عن تحفظها ومخاوفها بخصوص بعض المواد التي تضمنتها الوثيقة الدستورية المطروحة للاستفتاء الشعبي في الأول من تشرين الثاني / نوفمبر 2020، واصفة إياها بـ"مثابة تهديد لمستقبل الوطن، يتحمل الجميع نتائجه بالسكوت والإغفال وعدم تقديم النصح".

جمعية العلماء المسلمين في الجزائر: الدستور الجديد يهدد مستقبل الوطن

وقالت الجمعية، في بيان صحفي عقب اجتماع مكتبها الوطني يوم الاثنين 06 / 10 / 2020، إنها ترى في هذه المواد " بمثابة ألغام تمسّ بالهوية الوطنية، ومكانة الإسلام والغموض في موضوع حرية العبادة، وعدم ضبط ما يتعلق بالوحدة الوطنية، وأيضا ما يتصل باللغة".

وأضافت :"موضوع تحييد المدرسة إيديولوجيا، يوحي بالعمل على إبعادها عن هويتها ووطنيتها، وهما الدعامتان الأساسيتان لبناء المواطن الصالح، وحماية الأسرة من كل الآفات".

كما أوضحت أن الأصل في الدساتير أن تكتب بلغة واضحة المعاني لا تحتمل التأويل، وأن تكون صمّام أمانٍ وقوة، ووثيقة تحقق الانسجام والتماسك، وتبعد المجتمع والوطن عن كل أشكال الانقسام والفتن والتمزيق.

وناشدت الجمعية رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون أن يأخذ بعين الاعتبار، خطورة تلك المواد "الملغَّمة"، فيعمل على تقويمها، داعية الشعب الجزائري إلى أن "يعي مسؤولية ما سيُقدِم عليه، فيقف مع الأنفع، والأجدى لمصلحة الوطن".

الاستفتاء على مشروع دستور الجزائر يزيد انقسام التحالف الحاكم والمعارضة

وقبل نحو شهر من الاستفتاء على الدستور، تبدو الساحة السياسية الجزائرية منقسمة أكثر من أي وقت مضى، بين تحالف مقرب من السلطة كان داعماً للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ومعارضة ترفض مشروعاً يهدف، حسبها، إلى دفن الحراك الشعبي المناهض للنظام. ومنذ توليه الرئاسة في كانون الأول/ديسمبر 2019، تعهد عبد المجيد تبون بمراجعة الدستور - المفصل على مقاس الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة - وطرح المشروع للاستفتاء الشعبي.

وقدمت لجنة من الخبراء، عينها تبون في كانون الثاني/يناير 2020، نتائج عملها في آذار/مارس 2020 بعد سلسلة مشاورات مع الأحزاب والشخصيات المعروفة وبعض ممثلي المجتمع المدني.

ويقترح مشروع الدستور "تغييراً جذرياً في أسلوب الحكم" من أجل التحضير لبناء "جزائر جديدة". وصادق عليه البرلمان دون مناقشة، في أوائل أيلول/ سبتمبر 2020. ويسيطر على الأغلبية في البرلمان، حزبا جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، القوتان الرئيسيتان اللتان دعمتا عبد العزيز بوتفليقة حتى أطاح به الحراك ودفعه للاستقالة في نيسان/أبريل 2019.

وتطالب الحركة الاحتجاجية السلمية بتغيير جذري "للنظام الحاكم" منذ الاستقلال عام 1962.

وتوقفت مظاهرات الحراك منذ آذار/مارس 2020 بسبب ظهور وباء كوفيد-19 والقمع الذي طال نشطاءه.

واعتبر أبو الفضل بعجي، الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، أن مشروع التعديل الدستوري "يمثل نقلة نوعية لصالح ولادة جمهورية جديدة حيث يسود العدل والقانون والتوزيع العادل لثروات البلاد".

وهو اتجاه التجمع الوطني الديمقراطي نفسه الذي يعتزم المشاركة "بشكل فعال" في إنجاح الاستفتاء في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، بحسب أمينه العام الطيب زيتوني.

الجانب المعارض تحالف غير متجانس من الأحزاب والنقابات والجمعيات

وفي الجانب المعارض تحالف غير متجانس من الأحزاب والنقابات والجمعيات، بدوافع مختلفة: من الإسلاميين من حركة مجتمع السلم إلى ميثاق البديل الديمقراطي (ائتلاف داعم للحراك)، ومعهم يساريون اشتراكيون وتروتسكيون.

دون أن ننسى المحامين والمدافعين عن حقوق الإنسان.

وبحسب المتحدث باسم حزب جبهة القوى الاشتراكية جمال بهلول، فإن السلطة "تواصل صياغة الدساتير من خلال اللجان الفنية أو الخبراء مع تجاهل الشعب"، مندّدا بما يقول إنه "انقلاب آخر على السيادة الشعبية".

وتطالب جبهة القوى الاشتراكية، أقدم حزب معارض في البلاد، ومعها حزبان علمانيان، التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية وحزب العمال (تروتسكي) إلى انتخاب مجلس تأسيسي لصياغة الدستور الجديد.

وبالنسبة إلى القيادي في حزب العمال، رمضان تعزيبت، الذي انتقد "تركيز السلطات في يد رئيس الجمهورية"، فإن "هذا التعديل الدستوري هدفه فقط حماية النظام".

ومن جهته تأسف، عثمان معزوز المتحدث باسم التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية لأن "كل رئيس يصل إلى الحكم يحاول صياغة دستوره الخاص ليمنح نفسه المزيد من السلطة". وقال: "ندعو الجزائريين إلى عدم المشاركة في التصويت" خلال الاستفتاء.

من ناحية أخرى، قرر حزب حركة مجتمع السلم، الحزب الإسلامي الرئيسي في الجزائر وأكبر قوة معارضة في البرلمان (34 نائبا من أصل 462)، المشاركة في الاستفتاء لكنه دعا إلى التصويت بـ "لا".

ويدعو هذا الحزب المقرب من الإخوان المسلمين أيضا إلى "تغيير النظام السياسي" رافضا مشروع الدستور "العلماني" لوجود مواد مثل المادة 51 التي تنص على حرية العبادة وان "تكفل الدولة حماية دور العبادة من أي تأثير سياسي أو أيديولوجي"، وهو ما يعني تكريس "علمانية المسجد".

أو المادة 40 التي تنص على أن "تحمي الدولة المرأة من كل أشكال العنف وفي كل الأماكن والظروف، في الفضاء العمومي وفي المجالين المهني والخاص. ويضمن القانون استفادة الضحايا من هياكل الاستقبال ومن أنظمة التكفل ومن مساعدة قضائية".

الاستفتاء على دستور الجزائر في نوفمبر .. اختبار للرئيس وللمعارضة

الاستفتاء على الدستور في أول نوفمبر تشرين الثاني 2020 والرئيس والنخبة الحاكمة يريدون طي صفحة الاضطرابات. وحركة معارضة شعبية تريد المزيد من التغيير. والإقبال على التصويت سيكون دفعة للرئيس تبون.

يمثل التصويت على دستور جديد في الجزائر في شهر نوفمبر تشرين الثاني 2020 نقطة تحول في بلد هزته احتجاجات واضطرابات سياسية ضخمة ويكافح الآن لتجاوز تلك المرحلة المضطربة.

وبالنسبة للرئيس عبد المجيد تبون يمثل إقرار الدستور بداية جديدة تلقى الترحيب بعد أن أطاحت المظاهرات الشعبية في العام الماضي 2019 بسلفه وعدد كبير من كبار المسؤولين.

أما بالنسبة للحركة المعارضة المسماة بالحراك فيظهر الاستفتاء على الدستور في الأول من نوفمبر تشرين الثاني حجم النفوذ الذي لا تزال تتمتع به الحركة بعد أن أنهت احتجاجاتها حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة الذي استمر 20 عاما وإن فشلت في تحقيق طموحاتها في تغيير أكبر.

وكانت الاحتجاجات الشعبية الأسبوعية المطالبة بتغيير النخبة الحاكمة بالكامل قد تجمدت عندما ظهر وباء فيروس كورونا في البلاد في مارس آذار الماضي 2020.

وقال عبد العزيز جراد رئيس الوزراء الذي عينه تبون في يناير كانون الثاني 2020 أمام البرلمان في الآونة الأخيرة إن الاستفتاء ينبغي أن يكون يوم توافق بين كل الجزائريين.

ويتفق هذا الكلام مع خطاب تبون الذي يعتبر المظاهرات الشعبية لحظة تجديد وطني أطاحت بالمسؤولين الفاسدين وانتهت الآن بتحقيق غاياتها.

وقال عبد الحميد سي عفيف وهو من كبار أعضاء الحزب الحاكم لرويترز إن ما يطالب به الحراك متضمن في الدستور الجديد وإن من المهم إقراره.

غير أن شخصيات بارزة في الحراك الذي ليس له قائد يقوده لا ترى الأمر كما يراه تبون رغم مرور ستة أشهر على آخر مرة خرجت فيها المظاهرات إلى الشوارع في وسط العاصمة الجزائرية.

فقد كان هدف هذه الشخصيات إبعاد جيل المسؤولين الذين حكموا البلاد منذ الاستقلال عام 1963 عن السلطة بالكامل مع الشخصيات العسكرية والأمنية التي يقولون إنها تمسك من وراء الستار بالزمام.

وترى شخصيات نافذة في الحراك مثل إسلام بن عطية أن الدستور لن يحقق شيئا يذكر من مطالبها وتعتبر الاستفتاء وسيلة لتحييد الحركة.

وقال "ما نعيشه اليوم هو حالة انسداد والدليل هو غياب التوافق حول أسمى وثيقة وهي وثيقة الدستور والذي سيعرض للاستفتاء دون أي حوار حقيقي بل هي وثيقة لم تخضع لشروط التوافق الحقيقي".

وازداد القلق الذي يشعر به ناشطو الحراك عندما أكدت محكمة استئناف سجن الصحفي خالد درارني وإن خففت حكم السجن من ثلاث سنوات إلى سنتين بسبب دوره في الاحتجاجات.

ودخل السجن أيضا عدد من أنصار الحراك البارزين. ويرى البعض في الحراك في ذلك علامة على أن السلطات لن تسمح باستئناف أي شكل من أشكال الاحتجاجات.

وعلى الصعيد الداخلي يبدو أن أنصار الحراك حائرون بين السعي لخروج المظاهرات إلى الشوارع من جديد والبحث عن وسائل أخرى لنصرة قضيتهم.

الإقبال على التصويت مؤشر رئيسي

يمنح الدستور الذي اقترحه تبون البرلمان المزيد من السلطات للتدقيق في أعمال الحكومة، ويمنع الرئيس من تولي الرئاسة لأكثر من فترتين.

وقد تم إقرار الدستور في تصويت برلماني رغم بعض المعارضة. فقد قال لخضر بن خلاف أحد كبار أعضاء حزب جبهة العدالة والتنمية الإسلامي "نحن كنواب جبهة العدالة والتنمية رأينا بأننا لسنا معنيين بالتصويت على هذه الوثيقة لأنها لا تستجيب لتطلعات الشعب الجزائري وكذلك الطريقة التي مررت بها ليست الطريقة التي تمرر بها سائر القوانين من قبل".

ويعتبر كثيرون ممن خرجوا للمشاركة في الاحتجاجات أن الدستور ليس هو محل الخلاف على أي حال إذ أن المهم بالنسبة لهم ليس القوانين وأسلوب صياغتها وإنما المشكلة فيمن يطبقها والأسلوب الذي يطبقها به.

ويشير كل شيء إلى أن الاستفتاء في نوفمبر تشرين الثاني سيتشابه كثيرا مع التصويت الذي أجري في ديسمبر كانون الأول عندما انتخب تبون.

وكان الحراك قد عارض التصويت في ذلك الحين أيضا وقال إنه لا يمكن أن تكون الانتخابات نزيهة إلا بعد إبعاد النخبة الحاكمة عن السلطة وابتعاد الجيش عن السياسة.

إلا أن تبون حصل على أغلبية وإن كانت نسبة الإقبال قد بلغت 40 في المئة فقط بحسب الأرقام الرسمية. وحتى قبل توقف الاحتجاجات بسبب الجائحة قال شهود شاركوا فيها إن أعداد المشاركين بدأت في التراجع.

وفي الوقت نفسه أصدرت المحاكم أحكاما بسحن عدد من كبار المسؤولين بتهم فساد، وتوفي قائد الجيش ألد خصوم بعض المحتجين بأزمة قلبية.

وسمح ذلك لتبون بتقديم إدارته كفريق إصلاحي جديد، رغم أن بعض المحتجين رفضوها، كما سمح له بطرح الاستفتاء باعتباره المرحلة التالية في عملية الإصلاح.

وقال المحلل السياسي فريد فراحي "إذا كان الإقبال مرتفعا فسيمنح ذلك تبون القوة السياسية اللازمة للتحرك للأمام".

وفي الشارع الجزائري ليس من الواضح ما إذا كان عدد كبير من الناخبين الجزائريين سيُقبِلون على التصويت. وقال سائق سيارة الأجرة محمد خلافي (29 عاما) الذي لم يعمل منذ شهور بسبب قيود فيروس كورونا إن تحسين ظروف المعيشة يجب أن تكون له الأولوية.

وأضاف أنه لا يعبأ بالسياسة أو بالتصويت وإنما يشغله الحصول على لقمة العيش. د ب أ 06 / 10 / 2020 /// أ ف ب 30 / 09 / 2020 /// رويترز 17 / 09 / 2020

 

[embed:render:embedded:node:39019]