في سوق مقايضة الديمقراطية....أسرار الثالوث المدمر

يرى الكاتب والباحث الإعلامي المعروف خالد الحروب في هذه المقالة أن التحالف الشرير بين المصالح الغربية والأنظمة الاستبدادية المحلية الذي يقوم على ذريعة حماية "الخصوصية الثقافية" يقف عائقا كبيرا أمام الديمقراطية في العالم العربي. كما يوضح في مقالته كيف أن الغرب لا يستطيع تحمل تبعات الديمقراطية في الشرق الأوسط.

يرجع الافتقار إلى الديمقراطية في العالم العربي إلى تحالف آثم شرير بين المصالح الغربية والأنظمة الاستبدادية المحلية، وهو التحالف الذي يبرره الطرفان بمزاعم "الخصوصية الثقافية" التي تنفرد بها المنطقة. أو نستطيع أن نقول باختصار إن الغرب وجد أنه من الأسهل كثيراً أن يتعامل مع أنظمة حاكمة غير ديمقراطية في الشرق الأوسط في مرحلة ما بعد الاستعمار، ومن الواضح أن هذه الأنظمة استفادت كثيراً من دعم الغرب لها واعترافه بها في تهميش القوى الليبرالية والديمقراطية المحلية، فمهدت بذلك الطريق لصعود التطرف الإسلامي.

ولقد استخدم الجانبان سياسة العصا والجزرة لصيانة هذا التحالف. على سبيل المثال، كان تركيز الغرب على الإصلاح والديمقراطية في الأعوام الأخيرة في كثير من الأحيان بمثابة رسالة تهديد مفادها: "إما أن تساعدونا في العراق أو نمارس الضغوط لفرض الديمقراطية وحقوق الإنسان في بلدانكم". وكان رد الأنظمة العربية على نفس القدر من التهديد: "إن لم تكفوا عن الضغط علينا فيما يتصل بقضية الإصلاح فلن نتعاون معكم في الحرب ضد الإرهاب!".

مقايضة الديمقراطية

وهناك قضيتان رئيسيتان أخريان أسهمتا في تعزيز هذه المقايضة: إسرائيل وصعود الحركات الإسلامية. ينظر أغلب العرب إلى إسرائيل باعتبارها كياناً غريباً وغير مشروع فُرِض بالقوة على أرضٍ فلسطينية وبدعم من الغرب. وإذا تسنى توجيه هذا التصور عبر قنوات ديمقراطية وسُمِح له بصياغة سياسات البلدان العربية في التعامل مع إسرائيل، فلا شك أن أي مفاوضات سلام سوف تصبح أشد تعقيداً مما هي عليه الآن.

وعلى هذا فمن الأسهل كثيراً بالنسبة للأنظمة الاستبدادية في بلدان مثل مصر والأردن وسوريا، حيث لا يحتاج الأمر إلى موافقة برلمانية، إطلاق المفاوضات والتوقيع على اتفاقيات السلام مع إسرائيل. وعلى نحو مماثل، في بلدان مثل المغرب وتونس وموريتانيا وقطر وعمان والبحرين، حيث نجد مستويات منخفضة متفاوتة من الاتصالات والتمثيل الإسرائيلي، تستطيع الأنظمة غير الديمقراطية أن تعين مستوى العلاقات التي ترغب في إقامتها مع إسرائيل كيفما تشاء.

ولا يشكل صعود الإسلام المتطرف عقبة أقل خطراً حين نتحدث عن الديمقراطية العربية. ذلك أن عقوداً من التحالف الآثم بين الأنظمة العربية المستبدة والغرب كانت سبباً في ظهور الإسلام المتطرف باعتباره قوة "للخلاص". وإذا افترضنا إمكانية إجراء انتخابات حرة نزيهة في أي بلد عربي، فإن نتيجة هذه الانتخابات سوف تكون صعود الإسلاميين إلى السلطة. وكانت هذه هي الحال في الجزائر في الفترة 1991-1992، وفي العراق في عام 2005، وفي الضفة الغربية وغزة في عام 2006. ولقد سمحت بلدان أخرى مثل الأردن والمغرب والكويت واليمن والبحرين بحيز أكثر تقييداً من الديمقراطية، وهناك أيضاً شغل الإسلاميون ذلك الحيز على الفور.

فرص ضائعة

لقد أهدر الغرب عقوداً من الزمان، وضيع عدداً لا حصر له من الفرص لتأسيس أنظمة قادرة على تمكين القوى الليبرالية والديمقراطية العربية. وكان الدعم الأعمى الذي كفله الغرب للحكام المستبدين في البلدان العربية سبباً في تقلص أي أمل في التغيير السلمي. وفقدت العملية الديمقراطية هالتها المميزة وزخمها، لأسباب ليس أقلها أن العملية الديمقراطية تبدو وكأنها تؤدي إلى صعود حركات سياسية يرى الغرب أنها غير مقبولة. وتآكلت فكرة الديمقراطية بالكامل وفقدت مصداقيتها بعد أن فاض التطرف الذي غمر العديد من المجتمعات المسلمة وانتشر إلى جالياتها المقيمة في الغرب.

وعندما أطلقت إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش مبادرة شراكة الشرق الأوسط لإرساء الديمقراطية في عام 2002، تبين أنها جاءت متأخرة أكثر مما ينبغي ـ وبطبيعة الحال وافاها الأجل قبل الأوان. كانت الميزانية التي خصصت لهذه المبادرة 29 مليون دولار، ولكننا نستطيع أيضاً أن نعزو وفاتها السريعة إلى تصميمها الذي اتسم بقِصَر النظر ـ وباراك أوباما الذي أبدى اهتماماً ضئيلاً بالقضية. والواقع أن امتداح باراك أوباما للرئيس المصري حسني مبارك بوصفه رجلاً يسهل التعامل معه كان سبباً في إحباط معنويات الجماعات المصرية المعارضة، التي كانت تناضل ضد الحاكم المستبد الذي طال أمد حكمه وضد جهوده الرامية إلى ضمان توريث منصبه لولده جمال مبارك.

السعودية والإصلاح؟

والولايات المتحدة ليست الطرف المذنب الوحيد في هذا السياق. فقد لعبت أوروبا دوراً رئيسياً في تثبيط وعرقلة الإصلاح الديمقراطي في ليبيا والمملكة العربية السعودية. فقد تحولت ليبيا إلى مقصدٍ للحجاج من الزعماء الأوروبيين الراغبين في الفوز بصفقات النفط والاستثمار التي تبلغ قيمتها عدة مليارات من الدولارات. ولم تشتمل عملية إعادة تأهيل نظام القذافي على أي مسعى نحو تخفيف القمع السياسي في ليبيا.

وتشكل المملكة العربية السعودية حالة أكثر دلالة، إذ لم يجازف أي زعيم أوروبي بمعاداة النظام السعودي من خلال إثارة قضية الديمقراطية وحقوق الإنسان. فما تزال المرأة السعودية ممنوعة من قيادة السيارات، والسفر بمفردها، والعمل أو الدراسة من دون حصولها على إذن من أحد أقاربها الذكور. والواقع أن المجتمع السعودي، وغيره من المجتمعات في بعض بلدان الخليج الأخرى، يفتقر إلى المستوى الأدنى من الحرية والمشاركة السياسية. وباسم الخصوصية الثقافية تنتحل الأنظمة العربية المعاذير لإبقاء الوضع الراهن على حاله ـ وتستخدم الحكومات الغربية نفس الذريعة لتبرير السياسات "المفرغة من القيمة" التي تنتهجها في التعامل مع هذه الأنظمة.

إذا جمعنا كل المقايضات بين الغرب والأنظمة العربية وأضفنا إليها العامل الإسرائيلي وعامل الإسلام المتطرف، فمن المحتم أن نصل إلى استنتاج مثير للقلق ولا مفر منه: ألا وهو أن الغرب لا يستطيع تحمل تبعات الديمقراطية في المنطقة.

خالد الحروب
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2010

خالد الحروب أكاديمي وإعلامي عربي معروف يعمل محاضرا في جامعة كامبريدج

قنطرة

حوار مع الباحث عمرو حمزاوي:
"التحول الديمقراطي يبدأ من رحم المجتمعات العربية"
يرى عمرو حمزاوي، كبير الباحثين بمعهد كارنيغي للسلام في واشنطن، أن عملية التحول الديموقراطي في المجتمعات العربية يجب أن تكون نتاج حراك اجتماعي مؤسساتي مدني من خلال عملية ديناميكية داخلية تدفع نحو التأسيس لثقافة الديمقراطية نهجا وممارسة مع ضرورة توافق العوامل الإقليمية والدولية لإنجاح هذه التجربة. بسام رزق في حوار مع الباحث حمزاوي.

برهان غليون:
"الديمقراطية العربية المنتظرة لم تولد بعد"
"التحول نحو أنظمة ديمقراطية هو اليوم شعار مشترك بين جميع التنظيمات السياسية العلنية وهيئات المجتمع المدني والمثقفين على اتساع الأرض العربية." المفكر برهان غليون مدير مركز دراسات الشرق المعاصر وأستاذ علم الاجتماع في جامعة السوربون في باريس، يتحدث لقنطرة عن الإصلاحات السياسية، والتطورات الديمقراطية في العالم العربي،ومستقبل الإصلاحات والديمقراطية في سوريا.

تجربة الاتحاد الأوربي في التكامل والتوسع -الدروس المستفادة للمنطقة العربية":
غياب الإرادة السياسية والديموقراطية
رغم المشاكل التي يشهدها الاتحاد الأوربي حاليا، فإنه يبقى نموذجا سياسيا ناجحا. من أجل تتبع تجربة الاتحاد الأوربي كتجربة دولية ناجحة يستخرج منها العالم العربي دروسا ملائمة للظروف العربية، أقام مركز الدراسات الأوروبية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة بالتعاون مع مؤسسة كونراد أديناور مؤتمرا شارك فيه خبراء وأكاديميون. تقرير نيللي يوسف.