"بلقيس" رواية فرنسية مغربية - امرأة شجاعة في بلد إسلامي غير مذكور
تنتظر الأرملة الشابة بلقيس محاكمتها في زنزانتها. جريمتها لم تكن قتل زوجها العنيف والمؤذي البالغ من العمر 33 عاماً بمقلاة ساخنة، فقد استطاعت أن تظهر ذلك كحادث بمساعدة جنديين أمريكيين متسكعين في القرية.
تهمتها كانت دخول المئذنة، تحت تأثير الكحول واستدعاء المؤمنين لصلاة الصباح، ما يعد في بلدها جريمة جنائية بالنسبة لامرأة. ولكن لم يكن الأمر كذلك فقط، فقد عيرت بلقيس غيرت كلمات الأذان والدعوة إلى الصلاة وصدر عنها بدلا عن ذلك تصريح كلاميّ.
العقوبة التي تنتظرها بعد المحاكمة واضحة من البداية، وهي العقوبة المطلقة: الرجم بالحجر.
بلقيس، تتكلم من داخل القفص المغلق الموجود لحمايتها من عصابة الإعدام في غرفة المحكمة، تبرر دفاعها بقوة ساخرة ومهارة بلاغية. هي لا تطلب الرحمة، بل تستغل المحاكمة كمنبر للتكلم عن رأيها في حياتها و بلدها، وعوضا عن إظهار خضوعها، تتحدى بلقيس واقعها وتكشف عن نفاق العالم الذكوري المتعصب، حيث النساء محتقرات لمجرد أنهن لسن رجال.
التصوير الساخر للتعصب الديني
بلقيس لا تلقي أي لوم على القرآن. على العكس، هي امرأة متدينة جدا وتصلي لله في زنزانتها. لكنها تتجرأ على امتلاك فهمها الخاص للقرآن، والتي منه تسترجع العديد من المعلومات خلال دفاعها الشجاع في المحكمة، مظهرةً تسخير الرجال للدين كأداة في مجتمعهم المتعصب بهدف جعل الحياة أصعب على النساء.
تصوير بلقيس للتعصب الديني يبدو كمحاكاة ساخرة عندما تشير إلى أنه محظور على النساء شراء الخضراوات التي تشبه شكل القضيب خوفا من الإغراء، لذلك يجب تقطيع الباذنجان والكوسا إلى أجزاء صغيرة من قبل البائع.
تسخر بلقيس من الشرطة المتدينة أيضا، التي تتحقّق مما إذا كانت النساء يرتدين صدرية أم لا، وأيضا ممنوع أن تكون الصدرية من النوع القافز صعودا ونزولا.
وكونها امرأة بلا أطفال، لم يكن لدى بلقيس منذ البداية أي فرصة في عالم التقاليد المهجور المحكوم من قبل الرجال.
وبالتالي لا ترى نفسها كممثلة، قادرة على صنع حياتها بنفسها. ولكنْ ها هي تجعل قاعة المحكمة منصتها، وتكافح من أجل دورها في تلك الدراما. هي ليست مدفوعة بقوة الرغبة في أن تعيش للأبد، بل الرغبة في أن تكون بطلة الرواية.
بلقيس تتمكن من تأجيل حكمها يوما بعد الآخر، لكي تكسب وقتا أكثر، لتنجز أداءها.
الكل سجين النظام
يمثّل القاضي المشرف على قضيتها الإسلام المتعصب، لكن حتى هو أقر بنفاقه وظلمه. بالرغم من ذلك، هو سجين النظام، مجبر على إتمام دوره المحدد.
يتجلى ذلك عندما يحكم على بلقيس بسبع وثلاثين جلدة بسبب جواب مهين (هجومي) قالته، مستجيبا بذلك لنباح عصابة الإعدام المسعورة. بينما هو نفسه يتسلل إلى زنزانتها ليلاً ويعطيها مرهم لتخفيف الألم، ويرجوها أن تبدي خضوعها لكي يستطيع مساعدتها.
هو في الحقيقة منبهر ببلقيس، يرى فيها مقاومة شجاعة، على عكس زوجته، التي لم تتعلم في حياتها الكتابة والقراءة، والتي تشبع احتياجاته الجسدية لكن ليست الفكرية بالتأكيد.
الكاتبة تقارن عالم بلقيس المهجور جنبا إلى جنب مع ثقافة نيو يورك الرفيعة، حيث المشاكل التي تواجهها النساء تتمحور حول التمكين الذاتي والإنجاز المهني والتحرش الجنسي في العمل.
في ذلك الحين، جذب البث المباشر لقضية بلقيس انتباه الصحفية الأمريكية لياندرا هرشام حين كانت تبحث في الإنترنت عن مواد للنشر. القضية ترعبها، ولكن في الوقت ذاته تشعر بأنها قصة جيدة.
تمكنت الصحفية بعد ذلك من السفر إلى الموقع والحصول على مقابلة مع بلقيس في زنزانتها، ولكن بلقيس اتهمتها باستغلال النساء المسلمات المقموعات كأدوات لمنفعتها الخاصة. "كلما كان الحكم وحشيا أكثر، زاد اهتمامك بالقضية".
الرواية "بلقيس" تعبر عن غضب وحنق كاتبتها الفرنسية المغربية صفية عز الدين. مستنكرة قمع النساء في الإسلام المتعصب والتأويل الخاطئ للقرآن والنفاق وفقر الحرية العالمي.
بينما في الوقت ذاته، تنتقد أيضا المشاهدين ذوي النية الحسنة في الغرب، الذين يشعرون بالأسف على النساء المسلمات لكن برغم ذلك لا يرون الغطرسة المطلقة الكامنة في اتخاذ الأحكام المتسرعة والمتهورة حيال الثقافات الأخرى.
داغمار فولف
حقوق النشر: مجلة الديمقراطية والتنمية / موقع قنطرة 2018