حرية عالقة بين أفغانستان وإيران

Portrait der Autorin Aliyeh Ataei
عالية عطائي كاتبة وناشطة نسوية إيرانية أفغانية تركز في كتاباتها على قضايا النساء وحقوقهنّ، إلى جانب موضوعات أُخرى كالهجرة والعنف. (Photo: Promo/Penguin Random House)

تتناول الروائية الإيرانية عالية عطائي في كتابها "العمى الأحمر"، مشاهد من الحياة بين إيران وأفغانستان، حيث تتقاطع الحرب مع الرغبة في الحرية، بينما ترسم ملامح صمود النساء في مواجهة القيود المجتمعية والسياسية.

تقرير: غيريت فوستمان

هل يمكن أن يتسع ثمانية عشر شخصًا في سيارة بأربعة مقاعد؟ إجابة هذا السؤال غير مريحة، لكن بعض المهربين على الحدود الإيرانية-الأفغانية يجيبون بـ"نعم" بشكل قاطع.

ما يبدو وكأنه مدخل لمشهد كوميدي هو في الواقع حقيقة مريرة بالنسبة لراوية القصة. صحيح أنها ليست من بين أولئك الذين يُجرى حشرهم في السيارة، مكدسين فوق بعضهم البعض، في سيارة تفوح منها رائحة البراز البشري، لكنها مجرد مُراقبة، تريد أن ترى كيف تسير الأمور، وكيف يتسلل الشريط الحدود أولئك الذين لا يمكنهم ذلك بشكل قانوني. لكن هذا لا يغير من رعبها شيئًا، خاصة أن وضعها لطالما كان أفضل، حيث تعبر الحدود بشكل قانوني بين إيران وأفغانستان.

نتحدث عن الكاتبة عليّة عطائي، المولودة عام 1981، والتي صدر الترجمة الألمانية لكتابها تحت عنوان "Im Land der Vergessenen" أي "في أرض المنسيين"، عن دار لوتشترهاند، بترجمة نوشين مريم مامغانيان-برنزلوف. صدر الكتاب في الأصل باللغة الفارسية عام 2021 عن دار النشر الشهيرة Cheshmeh  في طهران، مثل كتب عطائي السابقة، وحصل على جائزة كتاب العام هناك. كما صدرت الترجمة العربية للكتاب تحت عنوان "العمى الأحمر".

ولتجنب أي سوء فهم، توضح عطائي مباشرة في مقدمة الكتاب، التي لم ترد في النسخة الفارسية الأصلية، أن القصص التسع في هذه المجموعة ليست خيالية، ولا حتى سيرة ذاتية خيالية، بل حقيقية من تجارب المؤلفة الخاصة.

Buchcover von Aliyeh Ataei in rosa-senfgelben Farben
(Penguin Random House Verlagsgruppe)

تكتب عن نفسها وعن عائلتها، عن طفولتها وشبابها بين الحرب والرغبة في الحرية – وبأسلوب واقعي ومباشر للغاية، بلغة واضحة وغالبًا ما تكون رصينة، ربما تكون أكثر ملاءمة لموضوعاتها من النثر السردي الغني بالمجازات.

تكتب عطائي، التي ولدت في إيران وعائلتها من أفغانستان، وتعيش الآن في باريس، تكتب: "كان الوطن بالنسبة لي مفهومًا مجردًا. حتى هنا، بينما كنت جالسة في هذا المقهى وأنتظر قهوتي، كنت أكافح من أجل إيجاد صلة بكابول. لكنني لم أفلح. كان الأمر كما لو أن الوطن بالنسبة للمغترب لم يعد سوى شكلًا بلا مضمون، يحاول طوال الوقت أن يملأه".

على مدى أجيال، منذ عقود، أفغانستان بلد في حالة حرب، يترنح من احتلال إلى آخر، وسكانه عرضة للاستبداد الأبدي. ولم يغير من ذلك كثيراً الفترة القصيرة التي مرت بين سقوط طالبان وعودتها إلى السلطة.

وماذا عن إيران؟ يعيش هناك حوالي 3.5 مليون لاجئ أفغاني، معظمهم في ظروف قاسية، في فقر وتعرض مستمر للعنصرية. وتخطط الحكومة في طهران حالياً لترحيل أكثر من نصفهم.

ومع ذلك، تصف عطائي طهران، حيث عاشت حتى هاجرت إلى باريس في عام 2023، في أحد المقاطع بأنها مدينة الحرية، وهو ما يثير الدهشة في البداية بالنظر إلى الأوضاع في إيران، خاصة بالنسبة للنساء، مقارنة بما ترويه عن أفغانستان، ولكنه يصبح مفهومًا بعد ذلك.

كفاح نسائي ضد التعسف

على النقيض من ذلك، تروي عطائي، في مقدمة الكتاب كيف كانت تسمع أصوات النساء وطلقات الرصاص من الشارع أثناء احتجاجات "حياة النساء، حرية النساء"، وتساءلت عما إذا كانت النساء اللواتي يتظاهرن هناك سيبقين على قيد الحياة غدًا. إنها تبدي إعجابها بشجاعتهن، وتمنحهن صوتًا أدبيًا.

تركز كل قصة تقريبًا على شخصية نسائية، من أوائل الثمانينيات حتى عام 2017 تقريبًا، وفي كل حكاية، إلى جانب قضايا الهوية المذكورة في البداية، تروي قصصًا عن حياة معرضة لتأثيرات التعسف من مستويات عدة – ومقاومة ذلك القمع، حتى لو كان ذلك بخطوات صغيرة جدًا في الحياة الخاصة.

اندلعت حركة "المرأة، الحياة، الحرية"، تحديدًا إثر مقتل الشابة الكردية، جينا ماهسا أميني، على يد "قوات الأمن" الإيرانية. ولكن لو لم يحدث ذلك، لكان هناك دافع آخر.

وهذا ما يوضحه كتاب عطائي أيضًا؛ إن أي شكل من أشكال المجتمع الذي يحرم النساء بشكل منهجي من حقوقهن، لا مستقبل له ولن يتمكن من البقاء على المدى الطويل، لأن المقاومة التي تتراكم على مستويات لا حصر لها ستصبح في نهاية المطاف أكبر من أن يتم تجاهلها.

"العمى الأحمر" هو أحد تلك الحالات الأدبية التي تثبت أن الأدب هو دائمًا بمثابة جهاز قياس الزلازل الذي يتنبأ ويتتبع ما يغلي في المجتمع.

 

ترجمه من الألمانية: محمد مجدي

قنطرة ©