حلول للتخلص من نفايات اليمن والاستفادة منها
تعطلت أنظمة معالجة النفايات في اليمن بسبب الحرب الدائرة رحاها منذ سنوات في البلاد. ويواجه بعض السكان تجمع أكوام من النفايات بالقرب من منازلهم الأمر الذي يؤثر على حياتهم اليومية. "لو لم يكن هذا بيتي الوحيد لما بقيت هنا. إننا نعيش بأجواء غير صحية، وحيث النفايات تتجمع قرب منزلنا"، يقول عبدالواحد الزيادي، أربعيني يمني، يسكن في أحد الأحياء الواقعة على الأطراف الجنوبية الغربية للعاصمة صنعاء، حيث تأثرت أنظمة معالجة النفايات، الضعيفة أصلاً، في المدينة، كما مختلف مدن البلاد، بسبب الحرب الدائرة منذ سنوات. ومع ذلك، فإن الأزمة باتت تنعش في المقابل مبادرات للبحث عن حلول.
ورغم الجهود التي تبذلها السلطات المحلية وعمال النظافة، في العاصمة اليمنية للحد من أزمة النفايات ، إلا أن الزيادي وهو أب لخمسة أبناء، وفي حديثه لدويتشه عربية، يشدد على أن المشكلة أكبر ومرتبطة بالبنية التحتية، خصوصا بالنسبة للسكان الذين تتجمع بالقرب من مساكنهم أكوام "القمامة" وحيث الحفريات والمساحات المهملة في الشوارع الفرعية، كما هو حال منزله المكون من طابق أرضي ومبني على مساحة لا تتجاوز 15 متراً متربعا.
يعتقد الزيادي أن النفايات مسؤولة عن الحميات والأمراض الجلدية، التي يقول إنه لا تكاد تمر أشهر دون أن يصاب بها أحد أفراد أسرته، كما أنها تحرمه في أوقات كثيرة من الحصول على هواء نظيف عبر النوافذ، وتؤثر على نسبته في محيط المنزل.
جبل نفايات وعجز في الموارد
رغم أزمة معالجة النفايات وتراكمها في الأحياء والأزقة والمساحات المختلفة، إلا أن التهديد البيئي في صنعاء يظل عميقاً. فبالإضافة إلى أن النفايات تحتل 13 بالمائة من إجمالي المخلفات في البلاد، يربض جبل من النفايات إلى الشمال من صنعاء يُعرف بـ"مقلب الأزرقين"، ويقول لدويتشه عربية أستاذ البيئة والتنمية المستدامة،
الدكتور يوسف المخرفي إن المقلب الذي يبلغ ارتفاعه نحو 90 متراً يستقبل 1800 طن من النفايات يوميا "بما فيها النفايات الطبية الخطرة، والتي شكلت سوائلها مستنقعا خطيرا تعرف بـ(بالعصارة) ذات العواقب الوخيمة على الإنسان والبيئة"، في حين أن خدمات النظافة تقتصر على تجميعها ورميها إلى المقلب.
وفي حديثه لدويتشه فيله عربية، يسلط مدير عام إدارة النظافة بأمانة العاصمة اليمنية، إبراهيم الصرابي على أوضاع المشروع الحكومي المعني بجمع ومعالجة النفايات، ويقول إن العمالة التي تم تقسيمها على 20 منطقة داخل المدينة، لا تزال هي ذاتها المعتمدة منذ العام 2002، رغم "التوسع السكاني الهائل"، ونزوح الكثير من الأسر من محافظات ومدن أخرى، إلى العاصمة خلال السنوات الأخيرة.
هذا إلى جانب أن النسبة الأكبر من معدات جمع النفايات تعرضت للتدمير بضربات جوية استهدفت مقر تجمعها جنوبي غربي العاصمة. ويضيف "نعاني من عجز كبير فيما يخص المعدات، أكثر من 70 بالمائة تعود إلى الفترة بين 2002 و2013"، حيث انتهى العمر الافتراضي لهذه المعدات. في حين أن المعدات التي يتم الاعتماد عليها كلياً هي عبارة عن 60 آلية حديثة جرى توفيرها في العام 2019، بتمويل من السلطة المحلية ومنظمة الأمم المتحدة لقطاع المشاريع. كما أن ما يقرب من 700 من عمال النظافة، باتوا بين متوفٍ ومسن، وهو الأمر الذي يقف وراء القصور في أعمال النظافة بالشوارع الفرعية، بسبب النقص الكبير في عدد العاملين.
العملية برمتها لا تتم وفق المفترض
ويقول لـ دي دبليو عربية، الاستشاري في مجال البيئة والتغيرات المناخية المهندس أنور نعمان: إن معالجة المخلفات في البلاد خلال العملية كاملة من مصدرها إلى آخر نقطة للتخلص منها، لا تتم بالطرق المفترضة، وذلك نتيجة جملة من التحديات، بما فيها نقص الموارد المخصصة للعملية، على صعيد الأيدي العاملة والمعدات، إلى جانب سوء الإدارة، وغير ذلك مما يفترض القيام به بدءاً من المنزل بالفصل بين المخلفات.لكن الواقع هو أن "خدمات النظافة لا تغطي الكثير من المناطق"، حتى في بعض أجزاء المدن الرئيسية والثانوية يقوم السكان برمي المخلفات في أماكن مفتوحة، ويتم حرقها بطرق عشوائية أو تستمر إلى أن تجرفها السيول وتنتهي بفعل الزمن.
زيادة النفايات وتجميع أقل من 40 بالمائة
يظهر تحليل دي دبليو عربية، لأحدث البيانات المتوفرة للجهاز المركزي اليمني للإحصاء، ارتفاع نسبة النفايات إلى نحو 4,4 ملايين طن في العام 2017 في مقابل نحو 3,7 مليون طن في 2011، ووصلت نسبة التغير خلال الفترة ذاتها، إلى زيادة بنسبة 19 بالمائة، احتلت عدن فيها المرتبة الأولى بنسبة 23 بالمائة ثم صنعاء 22 بالمائة.
ووفقا لدراسة نشرتها الوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ) في العام 2014، تشكل النفايات العضوية ما نسبته 65 بالمائة من النفايات في اليمن، في حين يحتل البلاستيك ما نسبته 10 بالمائة، يليه الورق والكرتون بنسبة 7 بالمائة و6 بالمائة معادن و1 بالمائة زجاج، فيما تحتل النفايات الأخرى غير المحددة 11 بالمائة. على أن أكثر من 60 بالمائة من النفايات، لا يتم تجميعها رسمياً، إذ أن الأخيرة تحتل 35 بالمائة فقط، منها 20 بالمائة يتم التخلص منه في مواقع خاضعة للرقابة.
النفايات الطبية ودعم أقل من المطلوب
يقول -لـِ دي دبليو عربية- مديرُ عام المستشفى الجمهوري التعليمي العام، في تعز، الدكتور نشوان احمد الحسامي إن وضع معالجة النفايات الطبية في اليمن، حتى تصاعد النزاع في العام 2014، كان سيئاً وإنه وبعد أكثر من سبع سنوات من الحرب والتي "تسببت بتدمر معظم البنية التحتية الخاصة بالمرافق التي كانت تعمل على معالجة النفايات الطبية - بصورة سيئة أصبحت المنظومة غير متواجدة من الأساس. وما يحصل هو نقل المخلفات الطبية فقط من مكان إلى آخر". كما أنه "في بعض المستشفيات تتأخر حتى عملية النقل من المستشفى".
وفيما تلعب المنظمات الإغاثية العاملة في اليمن، دوراً مهماً في محاولة التخفيف من أزمة النفايات، من خلال تبني مساهمات لتمويل توفير معدات للجهات المحلية المعنية بالتعامل مع النفايات.
يقول الحسامي "في المستشفى الذي أديره هناك منظمة أطباء بلا حدود قامت بدعمنا بمحرقة طبية، ومنظمات أخرى قامت بدعمنا بمواد نظافة وغيرها، ولكن المستشفى يحتاج لدعم أكبر بكثير"، ويضيف أنه "عند تكبير وتعميم الصورة من المستشفى إلى عموم البلاد يكون الدعم المقدم للبلاد عبارة عن دعم بسيط جداً مقارنة بما هو مطلوب".
المبادرات.. وتحويل النفايات إلى طاقة
في سبتمبر/أيلول 2021، أطلق البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة أول مشروع لتحويل النفايات إلى طاقة، دخل حيز التجربة بتشغيل أول محطة تحويل للنفايات في محافظة لحج جنوبي البلاد، بتمويل من الاتحاد الأوروبي ودعم الوكالة السويدية للتعاون الإنمائي.
وفي حديثه لـ دي دبليو عربية، يرى الخبير البيئي والمناخي أنور نعمان أن المشروع "مبادرة ممتازة" تقوم على الاستفادة من الغازات المتولدة، وغاز الميثان بشكل أساسي، لتوليد طاقة كهربائية أو حرارية أو غيرهما، في ظل حاجة البلاد إلى أيٍ من مصادر الطاقة، ومن تجارب البلدان التي استفادت بشكل كبير، من هذه المشاريع.
من جانبه، يكشف مستشار الطاقة المتجددة في مكتب الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، محمد سلام، لِـ دويتشه فيله عربية، أن المشروع الذي دشن أواخر العام الماضي 2021 تم توسيعه من خلال "إدخال خط إعادة تدوير البلاستيك"، بعد أن كان في البداية يعالج المخلفات الزراعية والحيوانية والمخلفات الكرتونية ونوعا بسيطا جدا من الأنواع الأخرى.
ويؤكد سلام أن المحطة مستمرة في إنتاج الكهرباء، إلا أنها لا تزال في صدد استكمال التصاريح الحكومية اللازمة لبيع الطاقة للمستهلكين، فيما يجري حالياً دراسة تعبئة الغاز المنتج من المخلفات، سواء لاستخدامه في إنتاج الكهرباء أو بيعه في عبوات الغاز المنزلي.
وبشأن تقييمه للشهور الماضية من عمر المشروع، يوضح سلام أنه انتقل من "مبادرة ندفع تكلفتها في البداية، إلى مشروع، بمشاركة القطاع الخاص". ويضيف: "فكرنا بطريقة مختلفة كمشروع ربحي من أجل الحفاظ عليه واستمراريته". ومع ذلك فإن "المشروع يحتاج وقتاً، حتى تتأقلم الناس وتتعود على ثقافة فرز المخلفات".
صفية مهدي
حقوق النشر: دويتشه فيله 2022