"كي لا يسدل الستار من جديد"
تواجه أفغانستان مهمة نشر قيم ديموقراطية بين المواطنين وبث وعي سياسي جديد. وفي هذا المضمار يلعب المسرح مهمة رئيسة في الوصول الى اقاصي البلاد. الكاتب الأفغاني مسيح رحمن يستعرض وضع الحياة المسرحية الجديد.
يعيش المسرح منذ سقوط حكم الطالبان صحوة جديدة من نوع خاص. فرق عديدة تم تأسيسها في كابول وعواصم المقاطعات، كما قامت الحكومة من جهتها بانتداب جيش فيالق بأكملها من الممثلين أوكلت إليهم جميعا مهمة جديدة ثورية تقريبا وهي التنقل بين القرى للقيام بعمل توعية بين الجماهير يشمل أشياء تهم الحياة اليومية وأخرى ذات أهمية حياتية مثل مقاومة المالاريا وضرورة التلقيح والرعاية الصحية والألغام.
وقد لعب هؤلاء دورا هاما بالمعنى الحقيقي الكلمة خلال الإعداد لانتخابات التاسع من أكتوبر/تشرين الأول وذلك باعتمادهم طرقا تمثيلية لتوضيح مسار عمليات الانتخاب للمواطنين وتوعيتهم بالأهمية التي تكتسيها المشاركة الفعلية في الانتخابات.
آثار ثقافة مسرحية منقرضة
"إنه من واجب كل ممثل في أفغانستان اليوم أن ينخرط في خدمة الأمة"، هكذا يلخص مجيد غيازي مدير المسرح الذي كانت فرقته عائدة للتو من جولة طويلة عبر البلاد هذه الأنشطة. وبوجه متهلل يتذكر نجيب رحيمي الممثل الرئيسي في فرقة غيازي مدى اللهفة التي كان سكان القرى يتوافد بها على المسرح:
"لم يعد للناس من رغبة في الاستماع إلى الملا، لكنهم على استعداد لتعلم ما ينقله إليهم المسرح. وعندما تقدم لهم رسالة داخل غلاف مسرحية درامية أو كوميديا فإنه يتم تقبلها بأكثر سهولة وبرغبة أكبر".
يبدو أن المسرح وسيلة إيصال ناجعة كما يرى نوربرت شبيتز من معهد غوتة بكابول: "كل ما يُحتاج إليه يمكن أن ينقل داخل حافلة؛ لا يحتاج المرء في ذلك إلى كهرباء وبإمكانه أن يبلغ أقصى المناطق النائية من البلاد."
قبل مائة عام أدخل حاكم بعيد النظر المسرح إلى أفغانستان. وبما أن الأفغان يحبون الموسيقى والميلودراما فإن هذا النوع الجديد من الفن قد تركز وانتعش بسرعة داخل المدن آنذاك. وفي بداية الستينات تم بناء مسرح وطني من تصميم مهندس معماري ألماني يستجيب لمتطلبات عرضية عالية بخشبة دوّارة وركح أروكسترا منخفض وب700 مقعدا.
أما اليوم فلم يعد يرى من تلك البناية الشامخة سوى بقايا بناية دكتها القنابل. وتتطلب إعادة ترميمها ترميما كاملا ما يعادل 3،5 ملايين دولارا، وسيكون من العسير وجود متبرع بمثل هذا المبلغ لصالح الفن المسرحي الأفغاني. مع ذلك فإن الأعمال جارية على إدخال بعض الإصلاحات التي تفي بالحد الأدنى من الضرورة: سقف من الصفيح المضلع وركح من خشب رقائقي وسقالة معدنية للستائر ولمبات الإضاءة.
المهرجان المسرحي الأول
مع الأسف سوف لم تأو بقايا هذا المسرح عروض أول مهرجان وطني للمسرح بعد سقوط حكم الطالبان الذي تم تنظيمه في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني. وتبارت حوالي عشرين فرقة مسرحية من كابول ومن المقاطعات على عرض ما يقارب الخمسين مسرحية خلال الأيام العشرة لهذا المهرجان.
واحتضنت هذه العروض قاعتان صغيرتان، لكنهما توفران ظروفا أمنية أكبر، وانحصر جمهور المتفرجين على المدعوّين دون غيرهم، ذلك أن التجارب الأخيرة لفرقة مجيد غيازي في جلال آباد بالقرب من الحدود الباكستانية هي التي أوحت للأسف بمثل هذه الإجراءات الأمنية. فما إن ابتدأ العرض المسرحي في جامعة جلال آباد حتى هاجمت حفنة من المتعصبين الخشبة احتجاجا على ظهور ممثلات من النساء.
وكانت نتيجة تلك المداهمة أن دمرت آلات الإيقاع ومفخمات الصوت. وفي غمرة التدافع والتلاكم أصيبت الممثلة حُسنى تنها التي تتمتع بتجربة مسرحية طويلة بجراح:
"كان هؤلاء طالبان"، تلاحظ الممثلة، وحُسنى تنها لم تيأس رغم كل المضايقات، بحكم مهنتها الفنية، تحت حكم الإسلاميين المتعصبين.
وبالرغم من كل ما يبديه الأفغان من حب للمسرح، فإن التمثيل بالنسبة للعنصر النسائي كان في نظر المحافظين الأفغان حتى قبل التسعينات "مهنة عاهرات" لا تسمح أية امرأة محترمة لنفسها بالاتساخ بتعاطيها. وكل من تجرأت رغم ذلك على هذه المغامرة مثل حسنى تنها تجد نفسها منبوذة من طرف عائلتها. وإن الإسم الفني لهذه المثلة لوحده يعبر بوضوح عن تلك المعاناة؛ إذ تنها تعني: "وحيدة".
وسيكتفي المخرجون في الوقت الحاضر بالنسبة للأدوار النسائية إما بممثلات من المسنّات، أو أنهم يلجؤون عند اقتضاء الحاجة إلى شبان. وعندما قدمت كلية المسرح التي أعيد افتتاحه مؤخرا لأول مرة بعد سقوط الطالبان مسرحية "أنتيغونة" قام بدور البطلة الشجاعة رجل ملتحف بتشادور.
ومع ذلك فإن امرأة هي التي ستلعب دورا هاما في عودة الحياة إلى المسرح الأفغاني: جوليا عفيفي المخرجة الألمانية الأفغانية الأصل والتي تبلغ 34 سنة من العمر قد عادت في السنة الماضية إلى موطنها الأفغاني لتستلم منصب أستاذة محاضرة في جامعة كابول وتؤسس مركز بحوث في العلوم المسرحية هناك.
من تشيخوف إلى كاين
استعدادا للمهرجان المسرحي الذي على الأبواب قامت عفيفي بمعية فريقها الأفغاني بإعداد أربعة مسرحيات أوروبية من مختلف الاتجاهات: "الأخوات الثلاث " لتشيخوف و "هوراس" لهاينر ميللر و"الساحرة الصغيرة" لأوتفريد برويسلر و "إعصار" للكاتبة سارا كاين التي واجهها الجمهور بموجة عارمة من أعمال العنف والشنائع.
لكن أن تقدم في كابول الآن مسرحية سارا كاين التي سبق أن أثار عرضها الأول سنة 1966 زوبعة في بريطانيا ذاتها، فذلك ما يمكن اعتباره دليلا كافيا على أن النشاط المسرحي الحالي بإمكانه أن ينتعش دون تدخلات من السلط الفوقية.
كما أن المؤلفين المسرحيين الأفغان الذين قدمت أعمالهم بمناسبة المهرجان قد تطرقوا هم أيضا إلى مواضيع شائكة لا تخلو من المخاطرة مثل انتشار الفقر، فساد القواد المجاهدين وولاة المقاطعات، نهب التراث الثقافي ومشاكل المخدرات، وضع المرأة وصعوبات التعامل مع الحب والعاطفة والخيانة الزوجية. وبكل بساطة فإن الأفغانيين لم يفتقدوا القدرة على الضحك أيضا، ففي لائحة برنامج المهرجان هناك أيضا عدد من مسرحيات الكوميديا.
بعض المسرحيات ذات الطابع النقدي الراديكالي كانت من تأليف "أب المسرح الأفغاني" لأستاذ عبد القيوم بسيد الذي يبلغ 76 سنة من العمر، والذي ظل حتى في أحلك سنوات الحرب يواصل التدريس وتقديم العروض في مدينة شيبرغان بشمال البلاد. وتنظر عفيفي إلى هذا البرنامج الجريء كنوع من التجريب:
"إننا نقوم بمخاطرة وننتظر ما الذي سيحصل. سيكون هذا بمثابة امتحان للروح الليبرالية الجديدة للبلاد."
مسرح للنساء
من بين مظاهر هذا الدفع التجديدي هناك أيضا الجهود والمحاولات المبذولة لتقديم مسرح نسائي وللنساء على الخشبة للمرة الأولى في تاريخ أفغانستان. وستقدم فرقة "Mediothek Girls Theater" من مدينة قوندز في عرض يدوم ثلاثين دقيقة عملا يذكر باضطهاد المرأة تحت حكم الطالبان ويطرح السؤال المتعلق بمستقبل أفضل.
وقد أخرجت هذا العمل فتاة في السادسة عشر من العمر هي غلام محمد التي بحوزتها رصيد من الأعمال الناجحة إلى حد الآن. ومن المدهش أن أباها هو الذي يدعم انخراطها في العمل ضمن "Mediothek Girls Theater"، بينما أمها لا تقبل حتى بمشاهدة عمل من أعمالها.
أما الفتاة فلا تبالي بشيء مما يمكن أن يفقدها الثقة في نفسها: "إذا ما أعلن أي شخص اعتراضا ما على حضورنا فوق خشبة المسرح فسأقول له: ليس لك أي حق في التدخل في شؤوننا. فالنساء والرجال متساوون الآن في أفغانستان." كما أن المهرجان سيخصص أيضا يوما بأكمله لإنتاج الفرق النسائية ومنبر نقاش حول موضوع "المرأة والمسرح".
حاليا يبدو أن الحكومة وبصفة خاصة قسم الثقافة التي يشرف عليها وزير تقدمي متعلم في الولايات المتحدة، تقدمان دعما ومساندة لهذه النهضة الجديدة للمسرح الأفغاني. هكذا تتحمل الدولة حاليا نفقات مرتبات كل المحترفين العاملين في الميدان المسرحي: "في ما مضى كنا نمثل بينما الصواريخ تزعق فوق رؤوسنا "، تقول حسنى تانهه مذكرة. " أما الآن فلدينا فرصة لانطلاقة جديدة، وينبغي علينا أن نبذل أقصى جهودنا كي لا يسدل الستار من جديد."
بقلم مسيح رحمن، حقوق الطبع صحيفة نيوهتسورشر تسايتونغ 2004
ترجمة علي مصباح