كيف يُعامل القانون ابن الأردنية المتزوجة من أجنبي؟
الأمر يبدو بسيطاً للغاية. يحق للرجل الأردني أن يتزوج من يشاء، وألا يقلق من تبعات هذا الزواج على أبنائه وبناته، فكلهم سيرثون الجنسية بشكل تلقائي، لأن القانون يعتبر أبناء الأردني "أردنيين أينما وُلدوا".
أما المرأة الأردنية، فمن حقها أن تتزوج بمن تشاء، هي الأخرى، شريطة ألا تتوّقع أن يرث أبناؤها وبناتها جنسيتها، أو أن يتمتعوا بالحقوق ذاتها التي يتمتع بها أبناء وبنات الأردني المتزوج من أجنبية، فالقانون يحرمها، ببساطة، الحق في تمرير جنسيتها لهم بشكلٍ تلقائي.
بحسب آخر الأرقام ذات الصلة، هناك أكثر من 355 ألف ابن وابنة مولودين لأم أردنية وأب غير أردني يعانون من تمييز القانون ضد أمهاتهم، وما يترتب على ذلك من حرمانهم من الوصول إلى الخدمات الأساسية والفرص مثل الأردنيين الذين عاشوا بينهم.
تذكرنا المحامية هالة عاهد بأن الدعوات لتعديل قانون الجنسية الأردني بدأت في عام 1976، حين وجهت المحامية املي بشارات مذكرة لمجلس الوزراء في حينها، وطالبت بتعديل التشريعات التي تنطوي على تمييزٍ ضد المرأة، ومنها قانون الجنسية. بيد أن هذه القضية اكتسبت زخماً جديداً حين بدأ المتضررون من التمييز، ومناصرو المساواة ينظمون الحملات للمطالبة بالاعتراف بهذا الحق للمرأة الأردنية.
وُلدت، مثلاً، "حملة أمي أردنية وجنسيتها حق لي" من رحم هذه المعاناة في عام 2007، فبدأت تنظم الاعتصامات للتذكير بهذا الحق، وترصد المشكلات اليومية التي تتعرض لها هذه الفئة، والتشبيك مع وسائل الإعلام لتسليط الضوء عليها. وتأسس بعدها بخمس سنوات ائتلاف "جنسيتي حق لعائلتي"، الذي ضم الحملة المذكورة وآخرين من مؤسسات المجتمع المدني والناشطين المؤمنين بعدالة وأصالة هذا الحق، ولكن الطريق لا تزال طويلة لانتزاعه.
كيف يُبرّر التمييز؟
هناك العديد من الحجج، التي تسوقها الحكومة الأردنية ومعارضو هذا الحق بلا كلل. أشهر هذه الحجج هي "الوطن البديل" للفلسطينيين في الأردن، إذ يعتقد المعارضون أن منح المرأة هذا الحق سوف يعني تجنيس أبناء وبنات المتزوجات من فلسطينيين من أبناء الضفة الغربية وقطاع غزة، وسيفتح الباب للمزيد من الزيجات في المستقبل، ممّا يعني تفريغ الأرض الفلسطينية وتقديم "خدمة مجانية" للاحتلال، كما يسمونها.
إن كنا الأقرب جغرافياً ووجدانياً على فلسطين، فنحن الأدرى بتمسك الفلسطيني بأرضه. والمختص في القانون الدولي يعرف جيداً أن منح الجنسية، أي جنسية، للفلسطيني لا تؤثر على وضعه كلاجئ، ولا تنتقص من حقه في العودة والتعويض.
ثم يأتي آخرون، فيؤكدون أن الأردن لا يملك مقومات الدول العظمى، ولا يستطيع أن يستقبل المزيد من الناس، بل ويشددون على كونه من بين الدول الأفقر مائياً، فمن أين لنا بالمصادر المائية التي تكفي لسد حاجات أبناء وبنات الأردنية؟ لا يعني هؤلاء أن من بين هؤلاء الأبناء والبنات من وُلد وعاش في الأردن، بل ولم يغادرها قط، وبالتالي لا بد وأنهم شربوا من مياهها حتى شبعوا، ولن يؤثر منحهم الجنسية على استهلاكهم.
ثم يتدخل غيرهم، فيقولونها بصراحة: "لو منحنا هذا الحق للمرأة، فلن يجد الأردني أي فرصة عمل في المستقبل"، ويقصدون الأردني بتعريفهم المحدود، الذي يشمل أبناء الرجل الأردني، ويستشهدون بنسب البطالة المرتفعة في الأردن، والتي وصلت إلى حوالي 18 % في عام 2017. بيد أن أحداً منهم لا يريد أن ينظر إلى المنافع المتأتية من حُسن استغلال طاقات وموارد بشرية ومواهب في نمو الاقتصاد الأردني بما ينعكس إيجاباً على الجميع. لا أحد يريد أن يُكبّر الكعكة التي نخوض أشرس المعارك للحفاظ على الفتات منها!
ثم يغضب بعضهم، فينطق بالقول الفصل ويخاطب أبناء الأردنية قائلاً "خليهم يروحوا عند أبوهم".
أسئلة وأجوبة من منظمة هيومان رايتس ووتش: وضع أبناء الأردنيات
التسهيلات الحكومية لأبناء الأردنيات: هل لبّت المطالب؟
بعد نضالٍ استمر لسنوات طويلة، توّصل مجموعة من النواب الأردنيين، إلى اتفاقٍ مع الحكومة الأردنية في عام 2014، بحيث يُعطى أبناء الأردنيات المتزوجات من أجانب بطاقات تعريفية تمنحهم "تسهيلات" أو ما عُرف حينها بـ"المزايا" في عدة مجالات هي: أذونات الإقامة، والتعليم، والصحة، والاستثمار، واستخراج رخص القيادة والتملك، والعمل.
بعبارة أخرى، استعاض هؤلاء عن الجنسية الكاملة بـ"تسهيلات" يُفترض أن تخفف من معاناة هذه الفئة. ولكنها، كما يوحي اسمها، لا تزال تعاملهم كأجانب من "درجة خاصة" يستحقون معاملة خاصة، ولم تقترب من اعتبارهم أردنيين بخلاف ما تم تسويقه. هكذا ظنت الحكومة أنها ترضي الجميع بمنح هؤلاء الحقوق المدنية، والابتعاد عمّا يخولهم، لا قدر الله، لممارسة حقوق سياسية تخيف المعارضين الشرسين.
بيد أن التدقيق في ماهية هذه التسهيلات يكشف لنا عن حقيقتها، ويجعلنا نتساءل عن الجدوى منها بالأساس. التسهيلات في منح أذونات الإقامة، مثلاً، لا تعني الإقامة الدائمة التلقائية في بلد الأم، فلا يزال ابن الأردنية مضطراً للتقدم بطلب للحصول على هذا الإذن بشكل سنوي.
وفي الوقت الذي أُعفي ابن الأردنية فيه من رسوم تصريح العمل، فإنه لم يُعفَ من استخراج التصريح نفسه للعمل، ويُسمح له بالعمل في القطاعات المفتوحة للوافدين، ويُمنح الأولوية في المهن المغلقة والمخصصة حصراً للأردنيين بعد الأردني، أي أنه لا يزال أدنى من الأخير بدرجات!
الأنكى من ذلك أن هذه التسهيلات مُنحت في عام 2014، وقد مرّ على تطبيقها سنوات، ولكن هناك عدد كبير من التقارير الصحفية والحقوقية التي ترصد عدم معرفة الموظفين الحكوميين بها، وبالتالي عدم تفعيلها على أرض الواقع. علاوة على ذلك، فإن الأرقام بهذا الشأن تفيد بأن نسبة الذين استخرجوا هذه البطاقات التعريفية حتى شباط الفائت بالكاد وصلت إلى 20 % من المستهدفين بعد مرور سنوات من إعلانها.
برأيي الشخصي، فإن التعامل الحكومي مع أبناء الأردنيات كـ"أجانب" يتجلى بأوضح صوره عندما يقع أحدهم في مشكلة، فلا يجد المسؤول حرجاً من توقيع قرار "إبعاد" إلى بلد الأب الأصلي بحق أفراد وُلدوا لأمهات أردنيات. نتناسى حينها بأن هؤلاء أيضاً بشر، عاشوا بيننا فخضعوا لكل ظروف بيئاتهم المحيطة هنا. وكأي إنسان آخر، فمن المتوقع أن يخطئوا، ومن الضروري أن تتم محاسبتهم وفق القانون، ولكن كيف يتم التفكير في إبعادهم كأنهم أجانب بالفعل؟
إن طرحت هذا التساؤل على أي مسؤول تنفيذي، فسيجيبني على الفور: لأنه أجنبي بالفعل، فلمَ نتعجب؟
سنقول "ولكن أمه أردنية"، وسيرد "وإن تكُن كذلك". نعم، هو محق، فالقانون الأردني بالفعل يعامله كأجنبي، إذ لا يعترف قانون الجنسية بحق أمه في توريث جنسيتها، كما ذُكر، وقانون الإقامة والأجانب لا يستثنيه من قرارات الإبعاد. هذا يعني أن الإجراء قانوني، ولكنه ظالم وينسف بمبادئ حقوق الإنسان، ولكن من يهتم؟
قد يهتم المسؤول الأعلى منه رتبةً، فيتعاطف مع حالات بعينها ويلغي القرار، وقد حدث ذلك بالفعل، ولكن أيُعقل أن تبقى قضية أبناء الأردنيات رهن إنسانية مسؤول؟ هذا في حال وصلوا إليه.
كم أتوق إلى يومٍ يُصبح كل هذا النقاش فيه غير ذي صلة، فيكون ابن الأردنية أردنياً أينما وُلد بالقانون وليس بالوجدان فقط!
لينا شنك
حقوق النشر: قنطرة 2018
صحفية ومترجمة أردنية حاصلة على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية. تهتم بالكتابة التي توّثق تجارب الناس وحكمتهم مهما كانوا بسطاء. تهوى تعلم اللغات ومراقبة المارة في كل مكان، والبحث عن المشترك بين الناس في كل أنحاء المعمورة.