نساء أردنيات قويات من أجل حياة مستقلة
إنه بيت من دون اسم، بيت من حجر، غير ملفت في منطقة في عمان ومن دون أي معالم. يأخذنا درج ضيق إلى الطابق الأول، حيث نجد بابا حديديا لحماية المكان. اليوم كان الباب مفتوحا. في هذا المكان يمكن لما يقارب عشرين امرأة الحصول على الحماية. الحماية من عنف الأزواج والآباء والإخوة وكذلك من أرباب العمل.
أتت وفاء إلى هذا البيت هاربة من عنف زوجها، بعدما تعذر عليها الرجوع إلى أسرتها، بسبب رفض الأسرة للانفصال. وبعدما أغلقت كل الأبواب في وجهها، اتصلت وفاء (اسم مستعار) باتحاد المرأة الأردنية، فاقترحت عليها المساعدة الاجتماعية المكوث لفترة في المأوى النسائي لحمايتها من أي خطر، وهناك عثرت وفاء أخيرا على قسط من الراحة والأمان.
تقول المساعدة الاجتماعية الخمسينية عاليا هيلان إن وفاء احتاجت وقتاً لإعادة بناء حياتها. فقد كانت محطمة بسبب رفض عائلتها لها وقطع كل صلاتهم بها.
بعد مرور سنة ونصف على وجودها في السكن، تمكنت وفاء من الاستقلال بنفسها والحصول على عمل من خلال المساعدات الاجتماعية. كما تمكنت من إيجاد شقة لها ولنساء عازبات أخريات في حي مناسب لهم. ولكن الوضع مايزال غير سهل بالنسبة للنساء اللواتي يعشن بمفردهن في عمان. ولهذا فقد أصبح من الضروري على المجتمع أن يتقبل نساءً مثل وفاء . تقول عاليا بأن هذا ممكن في عمان ولكنه مستحيل خارج العاصمة. ففي الأردن يتم سجن المراة لحمايتها حتى الآن. بالرغم من أنها لم تقم بأي جنحة. لأنه لاتوجد أي طريقة أخرى لحمايتها.
بداية حياة جديدة
تمكنت وفاء من الشروع في حياة جديدة، ولكن هذه ليست حالة جميع النساء. ومع صعوبة الأوضاع تحاول عالية هيلان وزملاؤها السبعة المساعدة عن طريق تبرعات مادية خاصة أو تبرعات دولية. تتلقى الجمعية يوميا مابين ١٥ إلى ٢٥ اتصالا هاتفيا عبر الخط الساخن لطلب المساعدة في عمان. تتصل بالمركز نساء أردنيات، للهروب من العنف والتحرش الأسري. ولكننا نجد أيضا من بين المتصلات خادمات البيوت من شرق إفريقيا، الفلبين وبنغلاديش، اللواتي يتم استغلالهن من طرف أرباب عملهن، علاوة على السوريات اللواتي يتم تزويجهن في وقت مبكر أو تشغيلهن في الدعارة.
إن العنف الأسري والتحرش الجنسي منتشر في الأردن، ولكنه لم يعد محرما أو موضوعا لايمكن التكلم فيه في الفضاء العام. إننا نشهد منذ سنوات في الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي حوارات ساخنة حول الموضوع.
لاتوجد إحصائيات معتمدة تخص العنف ضد المرأة، ولكنها ليست بالكم الكبير كما هو الحال في مصر. وهذه الآفة متفشية على صعيد كل طبقات المجتمع العرقية والدينية من دون أي استثناء.
لقد ضرب طوق من الصمت لسنوات طويلة حول هذه الآفة، لكن ومنذ نهاية التسعينيات تعرضت الحكومة لضغط كبير من أجل التحرك والتغيير، وعمدت إلى افتتاح ثلاثة دور حماية اجتماعية في عمان. بالإضافة لهذه الدور هناك وحدة حماية الأسرة ووحدة خاصة في مركز الشرطة لمحاربة العنف الأسري. كما تم إطلاق مبادرة جديدة ألا وهي وحدة خاصة لضحايا تجارة البشر والدعارة.
بجانب دور حماية الأسرة، نجد كذلك اتحاد المرأة الأردنية داخل مدينة عمان. بينما تدير وزارة التنمية الاجتماعية دارين لحماية النساء. لكن هذه الدور تسودها طريقة عمل قاسية، كما أفادت عالية هيلان، مضيفة أن النساء هناك لايمكنهن مغادرة المكان بحرية. بينما في المركز الذي تشتغل فيه عالية، تعطى أهمية أكبر لتمكين المرأة من حياة مستقلة.
تأسست وحدة حماية الأسرة في أواخر التسعينيات، لكنها عنت في البداية بالأطفال المعنفين. ويعمل في هذه الوحدة فريق من الموظفين جنبا إلى جنب مع الشرطة وعمال اجتماعيين، أطباء وأخصائيين نفسيين بالاضافة للأطباء الشرعيين من أجل تقديم الأدلة اللازمة في حال الاغتصابات.
تأسس أول مكتب سنة ١٩٩٨، لكننا نجد اليوم في كل دائرة حكومية جديدة مكتباً.
تقنيات قتال آسيوية للنساء
إلى جانب العقاب، هناك عمليات الوساطة. وفي هذا السياق يقوم الموظفون بزيارة العوائل المعنية، من أجل إيجاد حلول للمشاكل العائلية. بتعاون مع "أنقِذوا الأطفال"save the children"الدنماركية تمكن العاملون في الاتحاد خلال السنوات الاخيرة من التقدم وكسب خبرة أكثر في هذا المجال رغم وجود تحفظات.
كما تقوم لينا خليفة بتقديم النصح خلسة إلى النساء المعنفات من أجل الالتحاق بوحدة لحماية الأسرة ، عندما تكتشف أنهن قد تعرضن للضرب.
لقد قامت هذه الفلسطينية الأصل، البالغة من العمر ٣٢ سنة، بتأسيس ستوديو "she Fighter" عام ٢٠١٢ وهو عبارة عن ستوديو لتعليم النساء وسائل القتال الآسيوية كالتيكواتدو، لكي يتمكنَّ من الدفاع عن أنفسهن.
يعد "she fighter" المركز الوحيد في المنطقة من هذا النوع. فقد قامت لينا خليفة مع ١٥ مدربة من المركز بتدريب حوالي ١٤٠٠٠امرأة لغاية اليوم. البعض منهن في مركزها في شمال عمان أو عن طريق تدريب خاص بالتعاون مع منظمات غير حكومية على سبيل المثال، النساء ذوات الاحتياجات الخاصة أو اللاجئات. في نفس الوقت تطمح خليفة للتوسع في دول عربية أخرى. كما أضافت خليفة قائلة أن تعلم التقنيات الصحيحة للدفاع عن النفس تمكن النساء ليس فقط من التعامل مع الأوضاع الحرجة ولكن لكسب تقثهن بأنفسهن وبالتالي معرفة التعامل مع التحرشات الجنسية.
يتوجب على النساء في مركزنا أن يكنَّ في وضع يتيح لهن الدفاع عن أنفسهن لأن القانون الأردني لايحميهن بما يكفي. فالمعتدي يتمكن دائما من الخروج من القضية دون أي عقوبة.
لكن، مؤخرا قامت الحكومة بخطوة مهمة، وأقدمت على تغيير قانوني. إذ يواجه المتحرش عقوبة تصل إلى ٦ أشهر سجن أو دفع غرامة مالية.
كما قرر البرلمان بعد سنوات طويلة من الضغط من طرف النقابات النسائية إلى تغيير البند رقم ٣٠٨ في قانون العقوبات. إذ يفيد البند أن الجاني يمكنه الخروج من غير عقوبة إذا تزوج من الضحية. ولكن الدولة قامت بترك هذا القانون نافذا لضحايا بين سن ١٥ و ١٨ سنة. ولكن يجب على البرلمان الموافقة على هذا التعديل القانوني أولا.
كلاوديا مِنْدِه
حقوق النشر والترجمة: موقع قنطرة 2016