بأيّ ذنب قُتلت؟....شاب يروي تفاصيل قتل شقيقته البريئة غسلاً للعار
في منتصف يونيو (حزيران) 2016، عدّلت محكمة الجنايات الكبرى التهمة المسندة لشاب خنق شقيقته حتى الموت من جناية القتل العمد، إلى جناية الضرب المُفضي إلى الموت، وقرّرت وضعه بالأشغال الشاقة مدة ثلاث سنوات مخفّضة من ست سنوات لإسقاط ذويهما حقهم الشخصي عنه، كما أفاد موقع "عمون" الإخباري.
وبيّن القرار أنّ المغدورة البالغة من العمر 15 عاماً كانت تصعد على سطح المنزل، ما أغضب شقيقها المتهم لشكه في أنها تتحدث مع شباب.
وفي يوم الحادثة، وأثناء وجوده في منزله في إحدى ضواحى العاصمة الأردنية عمّان، سمع صوت حركة على سطح المنزل فصعد مباشرة لاستطلاع الأمر فشاهد شقيقته القاصر تتحدث مع أحد الشباب، الذي كان يقف بالقرب من سور المنزل وعلى الفور نزلت المغدورة لغرفتها ولحق بها فوجدها ممددة على سريرها، فضغط على عنقها حيث فارقت الحياة على الفور.
محكمة الجنايات الكبرى تثبّتت من أنّ "المتهم ضغط على عنقها ضغطاً ليس شديداً، وإنما بقوة متوسطة ولفترة بسيطة ولم يكن كافياً وحده لإحداث الوفاة، وإن تظافر عامل مرضي سابق عند المغدورة تمثل بانغماس الشريان الإكليكي الأيسر داخل عضلة القلب ما سرّع إحداث الوفاة.
المحكمة، التي تناست العلم المسبق للمتهم بمرض شقيقته، قضت بأنّ ما أقدم عليه المتهم من نشاط "كان بنية آنية وليدة ساعتها، ولم يكن مخطِطاً لفعله مسبقاً، ذلك أنه أثاره مشاهدته لشقيقته المغدورة تتحدث مع الشباب، ولم يرُق له ذلك التصرف"، فقتلها!
تواطؤ القانون والمجتمع مع الجناة
وتنص المادة (98) من قانون العقوبات الأردني على أنه "يستفيد من العذر المخفف فاعلُ الجريمة الذي أقدم عليها بسورة غضب شديد، ناتج من عمل غير محق وعلى جانب من الخطورة أتاه المجني عليه".
المحكمة، في ضوء هذا النص القانوني، عدّلت التهمة التي كانت النيابة العامة أسندتها للشقيق وهي جناية القتل العمد إلى جناية الضرب المُفضي للموت، وقرّرت وضعه بالأشغال الشاقة مدة ست سنوات. ولإسقاط الحق الشخصي من قبل ذويهما خفضت العقوبة إلى النصف لتصبح ثلاث سنوات. وأيدت محكمة التمييز الحكم ليكتسب بذلك الدرجة القطعية.
ويتراوح المعدل السنوي للجرائم الواقعة على النساء في الأردن بذريعة الدفاع عن الشرف ما بين 15 إلى 20 جريمة تحميها المادة 98 والمادة 340 اللتان تبيحان قتل النساء، بذرائع وأوهام ذكورية تنتسب إلى عقلية القرون الوسطى!
***
بأيّ ذنب قُتلت؟
وتتعانق حكاية سعاد مع الفتاة القاصر، التي دفعت حياتها ثمنَ لقاء عابر مع شاب لم يلمسها قط فوق سطح المنزل.
الرغبة الصحفية والإنسانية حرّكتني للاستقصاء عن حكاية سعاد، وللإجابة عن السؤال المفتوح كفم الفجيعة: بأيّ ذنب قُتلت؟
كان من الصعب إقناع عبدالرحمن (وهذا ليس اسمه الحقيقي) بأن يحدّثنا عن وقائع ما جرى معه عندما أقدم على استدراج شقيقته (سعاد) وإطلاق النار عليها بذريعة أنها حملتْ سفاحاً.
لم يشأ أن يُدلي بحيثيات مباشرة، بل تركني أدوّن ملاحظات، وطلب مني صياغتها وَفق ما أرتأيه مناسباً، شريطة ألا يتم ذكر اسمه الحقيقي، أو مكان سكناه الذي كان يقيم فيه حين ارتكب جريمته، وهذا ما قطعته وعداً له بالتزامه، لأنّه، كما ذكر، يحاول ألا ينكأ جرحاً غائراً في وجدان عائلته التي فقدت، في أعقاب ما جرى، الأبَ، وأصيبت بسببه الأمُ بشلل جزئي، وُدفعت الأسرة إلى الرحيل بعيداً، واختيار منزل في أقصى العاصمة، بعيداً عن الفضيحة وذيولها وذكرياتها الجارحة.
كانت (سعاد) تسكن في منطقة شعبية وسط عمّان، وكانت على جانب لا بأس فيه من الجمال، وكان أهلها على جانب من التديّن الشعبيّ لم يدفعهم إلى فرض حجاب على ابنتهم، ولا حتى غطاء رأس.
ولما كانت غالبية البنات في تلك المنطقة يتزوجنَ في سن مبكرة لا تتجاوز العشرين، فقد صار الهاجسُ الوحيد المستبد بـ (سعاد) وأهلها، وخصوصاً أمها هو الزواج، خصوصاً وأنها صارت على أعتاب الثلاثين، ولم يطرق العريسُ بابها بعد.
فما العمل؟
تضافرت مناخات الفقر والجهل بالإجابة عن هذا السؤال: أبواب العرافين!!
نصحوا الصبية المسكينة أن تذهب إلى رجل (مبارك) ليصنع لها حجاباً وتعويذة يمكنهما أن يحلا عقدتها، فتتزوج.
وبالفعل سلّمت الفتاة، التي كانت دائماً برفقة أمها، أمرها لتعاليم الرجل (المخلّص) الذي أشار عليها في إحدى مراحل (العلاج) بأنّ ثمة شيطاناً يرقد في رحمها، ويتعين استئصاله!
مارس الجهل سطوته آنذاك، فرضخت (سعاد) لما اعتقدت أنّ لا مفر منه. وما هي إلا شهور قليلة حتى اكتشف الأهل البطن المنتفخ لابنتهم، ولم يعلموا بالشِراك التي وقعت فيها، والتضليل الذي تعرضت له من الرجل المخادع.
علمت الشرطة بالأمر، وحفاظاً على حياتها، وحماية لها من القتل أو الإيذاء أودعت الفتاة (السجن) أو ما يسمى مركز الإصلاح لتمكث فيه سبعة شهور إلى أن وضعت حملها.
في إثر ذلك استمرت الأسرة تتوسل إدارة مركز الإصلاح الإفراج عن ابنتهم بضمانات ألا يمسسها أيُّ سوء، فتمّ في ضوء ذلك الإفراج عنها، وبقيت خاضعة لرقابة الشرطة التي فوجئت بـ (تسامح) الأهل مع ابنتهم (التي أطاحت شرف العائلة)!
اللافت أنه عندما عادت (سعاد) إلى منزل الأهل شاهدت على سطح المنزل راية سوداء تخفق في وجه الريح، فقيل لها من الجيران، فيما بعد ، إنها راية العار.
يقول عبدالرحمن(24 عاماً) :
كنت أعمل في إحدى الدول الخليجية عندما أبلغني أخي الأكبر بأنّ شقيقتي (زَنتْ) وحملت، ودخلت السجن.
لم أتحمل وقع الصدمة التي عقدت لساني، فأنا أكثر الناس معرفة بأخلاق شقيقتي، فهي التي ربّتني، وأنا أكنّ لها محبة لا توصف، وكنت أخصّها بالهدايا، وأتعاطف معها لأنها لم تتزوج.
لم أتحمل النبأ فحزمتُ أمتعتي وتوجهت إلى عمّان لأشارك أفراد الأسرة كارثتهم، وأخذنا نفكر في العمل. وفي غضون ذلك تقدمت باستقالتي من العمل بانتظار(الموقعة الكبرى).
وبسؤاله عما يقصده بالموقعة الكبرى يقول عبدالرحمن: موقعة غسل العار .
وكيف سيتم ذلك؟
أعددنا أنا وأشقائي خطة تقضي بإقناع إدارة السجن الإفراجَ عن (سعاد) لقاءَ ضمانات تقضي بعدم التعرض لها بأذى، وبعد أسبوع سأقوم بتنفيذ العملية؟
وما الذي فعلته؟
أمضينا الأسبوع الأول في جوّ من التوتر العصبي المرعب، ولم نكن نقوى على الخروج من المنزل خشية نظرات الجيران والأقارب الذين كانوا يتوقّعون أن نطلق النار على رأس شقيقتنا في اللحظة الأولى لخروجها من السجن.
كان أسبوعاً ثقيلاً.
وبعدها؟
بعدها دعوتُ شقيقتي إلى اصطحابها في نزهة في ظهيرة اليوم الثامن. ولإدخال الطمأنينة إلى قلبها دعوتها أن تتزيّن وتعدّ نفسها جيداً.
تجولنا قليلاً في شوارع عمان الغربية، ثم توجهنا الى منطقة خلاء لا سكان فيها ولا مباني.
طلبت منها أن تترجل من السيارة، فأحسّت بالخوف، وسألتني: لماذا جئت إلى هنا، فقلت لها لا لشيء، فظلت تسأل السؤال نفسه وأنا لا أصدُقها القول، حتى فار دمي فأخرجتها من السيارة عنوة، وطرحتها أرضاً، وأشهرت المسدس أمامها فصارت تتوسل بي وتقبّل ساقيّ: قائلة "لا تقتلني يا خوي، أنا والله بريئة، كل الحق على ابن الحرام اللي خدعني".
وبقيت (سعاد) تردّد العبارة نفسها، فيما كان عويلها يرتفع، وصرخاتها وتوسلاتها تمزّقان السماء، وفي لحظة خشيتُ فيها أن أضعف عاجلتها برصاصة أخطأت رأسها وأصابت عنقها، وظلت تصرخ وتستغيث فأفرغت ما في مسدسي في رأسها حتى هوت جثة هامدة.
وبسرعة الريح أشعلتُ محرك السيارة، وخلفت (القتيلة) ورائي وطرت أزفّ البشارة لأشقائي الذين عندما شاهدوا الدماء تغطي ملابسي أطلقوا الزغاريد واصطفوا لاستقبالي وتهنئتي وتقبيلي، فيما صعد شقيقي الأصغر إلى سطح المنزل واستبدل البيضاء بالراية السوداء دلالة على غسل عار العائلة واسترداد شرفها.
عبدالرحمن بعد أن أنجز مهمته ذهب برفقة أشقائه وأبناء عمومته وسلّم نفسه إلى الشرطة التي أودعته السجن.
لم يمض عبدالرحمن سوى ثلاث سنوات خرج بعدها مكلّلاً بالغار بصفته فارساً مقداماً، وها هو يزاول مهنة النجارة في إحدى مناطق عمان بعدما تزوج وأنجب ثلاثة صبيان وبنتين.
السؤال الذي لم أحصل على إجابة عنه:
لماذا لم يصدق عبدالرحمن شقيقته وهي تتوسل إليه وتقسم بأنها غير مذنبة؟
ألم يعلم عبدالرحمن أنّ شقيقته عندما تعرضت لخديعة (المبارك) الدجّال كانت برفقة أمها التي كانت أقصى أمنياتها أن يحلّ الرجل عقدة ابنتها فتتزوج وتؤسس بيتاً وأسرة كسائر الفتيات؟
كانت(سعاد) ترنو إلى أن يدقّ العريس المنتظر بابها، فإذا بالرصاص الغاشم يدق جمجمتها، ويحيل أحلامها إلى جحيم مميت!
موسى برهومة
حقوق النشر: قنطرة 2016
موسى برهومة أستاذ الإعلام في الجامعة الأمريكية بدبي.