رسام إيراني: "الرسم بمثابة التنفس بالنسبة لي"
سيد حقيقي، أولاً وقبل كل شيء: أين وُلِدت، ولماذا انجذبت إلى الفن المرئي، وما هو التدريب الذي تلقيته؟
رؤوف حقيقي: وُلِدتُ في عائلة فنية في شيراز/إيران وبدأت بالرسم في الثالثة من عمري. وأنا ذاتيُّ التعليم. وكان لوالدي، وهو فنان كذلك، تأثير كبير علي. عندما كبرت، وقعت في حب العديد من الأساليب المختلفة، ومع ذلك كنت دائم الاهتمام برسم الناس. درست التصميم الغرافيكي والهندسة المعمارية، على الرغم من انجذابي المستمر إلى الفن والرسم. بصراحة، لم أستطع رؤية نفسي أفعل أي شيء آخر.
هل كانت هناك قيود مفروضة على عملك بسبب العيش في إيران؟ أسألك لأنّ الناس لديهم انطباع بأنّ الرسوم التصويرية تُعتبرُ حراماً. لكنني أيضاً على دراية بفنانين إيرانيين آخرين يرسمون الشكل البشري.
رؤوف حقيقي: بالطبع لم أكن قادراً على عرض الكثير من أعمالي لأنّها كانت تصويرية. أحياناً جعلتني القيود أكثر إبداعاً، تحايلتُ على القيود بأفضل ما يمكنني لضمان أن تقوم أعمالي المعروضة بإيصال الرسالة ذاتها.
لقد تركت إيران في عام 2009. هل يعود ذلك إلى الوضع السياسي في البلاد في ذلك الوقت؟ (الحركة الخضراء الإيرانية ضد نتائج الانتخابات الرئاسية) أم كان الأمر متعلّقاً بالرغبة في توسيع آفاقك الفنية، أو الأمرين معاً إلى حدّ ما؟
رؤوف حقيقي: انتقلت إلى المملكة المتحدة لأتزوج، إذ كانت خطيبتي تعيش هناك في ذلك الوقت. لسوء الحظ، فقدتُها بسبب السرطان في عام 2019. ولكن بطبيعة الحال، كنت أرغب بشكل مستمر في مغادرة إيران لتوسيع آفاقي الفنية.
أعمالك عبارة عن مزيج مثير للاهتمام من صور جميلة وواقعية للغاية وسريالية. أحياناً يتصادم جانبا شخصيتك الفنية في لوحة واحدة، وفي أحياناً أخرى تفصل بينهما. ما الذي يثير إعجابك في الشكل البشري ويمكّنك من إنشاء صور نابضة بالحياة كهذه بينما تسمح أيضاً لخيالك بإرشادك في اتجاهات أخرى؟
رؤوف حقيقي: أحب الحرية في الفن. وأنا لا أقيّد نفسي أيضاً. فكل أسلوب فني يأخذني إلى عالم مختلف. أحب التجريب. وأحب السريالية وحريتها. أي شيء تتخيّله يمكن بثّ الحياة فيه. أحب التفاصيل كذلك. أستمتع بقضاء شهور في العمل على صورة واحدة، وبناء الطبقات ببطء، واحدة تلو الآخرى.
ومن الذين تعتبرهم ملهميك الفنيين؟ لماذا وكيف؟
رؤوف حقيقي: أحب وأقدّر أي مدرسة فنية، طالما أنها جيدة. كما أحب العديد من الفنانين، من الرسام الهولندي فيرمير إلى الرسام الأميركي أندرو وايث، وليوناردو دا فينشي. في حالة البعض منهم، أحب التقنيات التي يستخدمها الفنان، وفي حالات أخرى، أقدّر أصالتهم. أحب الطريقة التي يرسم بها فيرمير الجدران. وأحب الغموض الذي يحيط بليوناردو دا فينشي. ويمكن للقائمة أن تطول وتطول.
هل هناك أي فلسفة شخصية تستند عليها أعمالك، شيء يحفّزك على الإبداع أو يؤثّر على موضوعك؟
رؤوف حقيقي: بشكل عام أحب أن يشكّل الناس انطباعاتهم وتفسيراتهم الخاصة حول أعمالي الفنية. الرمزية رائعة بالنسبة لي ومعظم أعمالي الفنية تحمل معنى ضمنياً. يمكن أن يؤثر الفنّ على كل شخص بشكل مختلف بناء على خلفيته وتجربته في الحياة. ويمكن للقطعة الفنية ذاتها أن تُنتِج استجابة مختلفة تماماً، على سبيل المثال، يمكن تفسير شيء إيجابي بشكل سلبي من قبل البعض والعكس صحيح كذلك.
بينما يرى القليلون فقط أنّ فن رسم البورتريه يمكن أن يكون سياسياً، تمكّنت من نقل رسائل من خلال عملك من دون أن تكون علنية. يخطر في بالي لوحتا "فتاة في المقبرة Girl in The Cemetery" و"حين تصمت البنادق When The Guns Go Silent" على وجه الخصوص. هذه البراعة فعالة بشكل خاص ومحفّزة للتفكير، ما الذي تأمل في أن يستخلصه المشاهدون من هذه الأنواع من اللوحات وربما من هاتين اللوحتين على وجه التحديد؟
رؤوف حقيقي: كنت أعيش في كاليفورنيا في عام 2018 حيث حصلت حادثة إطلاق نار على المدرسة وكان ذلك مصدر إلهام للوحة "حين تصمت البنادق". أما لوحة "فتاة في المقبرة" فمكرّسة لجميع النساء الشجاعات في إيران اللواتي يناضلن حالياً من أجل حريتهن، وآمل ألا يعرّض خلع الحجاب حياتهن للخطر في المستقبل، مؤدياً بهنّ إلى المقبرة!
يعرضُ معرضك في نيسان/أبريل 2023 أعمالاً مستوحاة من الاضطرابات الأخيرة في إيران. ومن الصور القوية، لوحة "خذهم ودعني وشأني"، رسم بالقلم الرصاص يصوّر امرأة تقف بينما أزيل ثدييها وأعضائها التناسلية، وتُرِكوا جانباً على الأرض، ولوحة "المنبوذة"، تُظهِرُ امرأة وحيدة عارية باستثناء حجابها، تقف شاهقة فوق حشد من شخصيات صغيرة ترتدي البرقع. هل يمكنك أن تصف ما الذي كنت تحاول القيام به في هذين العملين وكيف تأمل أن يكون تأثيرهما على جمهورك؟
رؤوف حقيقي: أستمتع حقاً بخلق عنصر الصدمة أو المفاجأة للمشاهد، وأحياناً أُفاجِئ نفسي حتى حين أرى النتيجة النهائية. هذه الرسومات هي عبارة عن مزيج من مشاعري والأمور التي شهدتها أو عشتها في الحياة.
أحياناً لا أفكر في الأمر حين أصنع شيئاً ما، وبطريقة ما ستخرج الأشياء من عقلي الباطن. آمل أن تُلهِم هذه الرسومات الناس وتزيد وعيهم أكثر بالوضع، ليس في إيران فحسب، ولكن في أي مكان في العالم يجد الناس فيه أنهم غير قادرين على التعبير عن أنفسهم بحرية.
بالإضافة إلى هاتين اللوحتين، ابتكرتَ غيرها من اللوحات التي استوحيتَها من البحث عن الحرية في إيران، لا سيما "المرأة، الحياة، الحرية" وطوّرت لوحةَ "آدم وحواء" خاصةً بك تعكس نفاق فتاوى وقوانين الحجاب القسري في إيران. كيف تأمل أن يلهم عملك أولئك الذين يكافحون ضد الحكومة القمعية في إيران؟
رؤوف حقيقي: أتمنى أن يكون الناس في جميع أنحاء العالم أكثر وعياً بما يجري في إيران. وأتمنى أن أكون صوتاً، مَهْمَا كان صغيراً، يساعد في التوعية بمحنتهم.
أنت أيضاً موسيقي. كيف يكمّل كل منهما الآخر، وهل تستخدم أحدهما لإلهام الآخر؟
رؤوف حقيقي: أتعامل مع الموسيقى بالطريقة ذاتها التي أتعامل بها مع الفن. أحب الارتجال وفي أي وقت أحتاج إلى تصفية ذهني، أنتقل بين هاتين العمليتين الإبداعيتين.
حاوره: ريتشارد ماركوس
ترجمة: يسرى مرعي
حقوق النشر: موقع قنطرة 2023