"النقاب تقليد وليس إلزاماً شرعياً"
الشيخ خالد عمران هل يجب على المرأة، حسب الشريعة الإسلامية أن تغطي وجهها كاملا تماشيا مع ما تقوله بعض المسلمات في ألمانيا؟
الشيخ خالد عمران: أنا أحترم خصوصية الوضع الألماني في هذا الموضوع، وأساهم بإجابتي بالإفصاح عن وجهة النظر الإسلامية في هذه القضية: قضايا اللباس والمظاهر تُعد إلى حد كبير قضايا شخصية وهي في غالبيتها مرتبطة بعادات وتقاليد.
وهنا يجب علينا احترام خصوصيات وعادات اللباس في كل مجتمع. والنبي محمد قال في هذا السياق ما مفاده:"قل والبس ما شئت. ولا يجوز لك أمران: أن تكون مفرطا ومتكبرا". وما ورد في القرآن والسنة بشأن اللباس، لاسيما فيما يخص النساء ينص على أن لا يكشف اللباس عن الجسم وأن لا يكون فاضحا أو ضيقا. هذه هي الشروط التي يضاف إليها أن تبقى اليدان والوجه مكشوفين.
إذن لا حجاب على الوجه؟ ولا برقع؟
الشيخ خالد عمران: فيما يخص النقاب الذي يغطي الوجه بالكامل: لا القرآن ولا السنة يأمران به أو يلزمان المرأة المسلمة به. وعليه نحن نقول: النقاب جزء من تقاليد تحولت إلى قانون بمقتضى العرف، عادات انبثقت عن عادات بعض البلدان، لكنها غير موثقة في أسس الشريعة الإسلامية.
هذا يعني أن النساء اللاتي يرتدين النقاب لسن ملزمات بذلك؟
الشيخ خالد عمران: فقط في حالة واحدة كانت النساء ملزمات بلباس النقاب ـ إنهن نساء النبي. وليس كل النساء المسلمات بصفة عامة. كان ذلك أمرا خاصا بتلك النساء.
هل من الوارد أن تجتهد بعض النساء المسلمات في الشرق الأوسط أو أوروبا أو مواقع أخرى في العالم لبلوغ درجات أكبر في التقوى، ومن تم يقلن بأن النقاب رمز للإسلام؟
الشيخ خالد عمران: هذه الخصوصيات، وهذه الاستثناءات لا تقدم مجالا لتعليل التقليد. فالاستثناءات كانت خاصة بنساء النبي فقط. وإذا كانت الشريعة تقول بأن هذه القواعد الخاصة تنطبق فقط على النبي وزوجاته، فلا يحق لنساء مسلمات أخذ هذا كذريعة للمزايدة. هذا يتعلق فقط بالنبي.
كما كانت هناك قاعدة خاصة بزوجات النبي بعد وفاته، وهي أن لا يتزوجن بعده. وهذا لا يعني أن النساء المسلمات يلجأن اليوم إلى القول، سأفعل مثل نساء النبي ولا أتزوج ثانية إذا فقدت زوجي. بإمكانهن فعل ذلك لأسباب إنسانية أخرى أو التزاما بالوفاء، ولكن لا يمكن لهن التأكيد بأن الشريعة تنص على ذلك.
إذن يمكن القول بأن غطاء الوجه ليس إسلامياً. ألا يمكن القول بأن المرأة التي تلبس النقاب تخالف قواعد الدين؟
الشيخ خالد عمران: إذا نشأت امرأة ما في مجتمع يكون فيه النقاب لباسا تقليديا، فلهاـ من منظور ديني ـ حرية الاختيار في فعل ذلك أو تركه. ولكنها إذا قررت لباس النقاب، فلا يحق لها أن تنظر إلى ذلك كفعل ديني. هنا تكون إشكالية.
إذن ما أصل القول بأن غطاء الوجه من تعاليم الإسلام؟
الشيخ خالد عمران: كلما بحثنا عنه في الفكر الإسلامي بشأن الحجاب، أسفر عن أن التحجب الكامل تقليد. الأئمة لهم مواقف مختلفة بشأن النقاب عندما يتعلق الأمر بحماية المرأة وأمنها. بعض الأئمة يقول الحجاب يقدم للمرأة حماية، وآخرون يقولون بأنه غلو في الدين. وبعضهم يقول أيضا بأن النقاب ابتكار لا وجود له في الدين، وبأنه لا يحق لا للرجال ولا للنساء وضع غطاء على الوجه. لكن يجب القول بأنه يحق للرجال والنساء في بعض المناطق مثلا في الصحراء وضع الحجاب للاحتماء من عواصف الرمل. وإلا فإن النقاب نوع من التطرف الديني.
هل وجب بذلك منع غطاء الوجه؟
الشيخ خالد عمران: هذا يُترك للمجتمعات نفسها، مع العمل بالقاعدة الإسلامية العامة التي تقول بأن دفع الأذى أحق من جني الفائدة. أي هل يجني المجتمع شيئا إيجابيا أم سلبيا من التحجب الكامل؟ بعض الأئمة يقول بأن النقاب يمنح المرأة في بعض المجتمعات الحماية. هنا أقول نعم، يحق لها فعل ذلك. ولكن إذا كان النقاب يجلب ما هو سلبي لمجتمع ما، وأن يتحول النقاب إلى لباس تنكر لارتكاب أعمال إرهابية، فأنا أحبذ منع النقاب.
في جامعة الأزهر مُنع طاقم المدرسات من لباس غطاء الوجه.
الشيخ خالد عمران: في جامعة القاهرة أدى حدث إلى فرض المنع: إذا كانت المدرِّسة تقف أمام الطلبة لشرح الدرس، فالحركة وتعبير الوجه يُعدان وسيلة تواصل مع الطلبة. كما أن الأساس الأول للتواصل البشري بالأساس هي حركة الوجه ـ ولا يمكن لي فهمها إلا إذا رأيت وجهك. وعميد جامعة القاهرة اتخذ بذلك القرار الصحيح، ونحن ندعمه في ذلك.
ألا يجب على الأزهر أن يقول أيضا بأن غطاء الوجه ليس رمزا للإسلام، بل هو من رموز تنظيمي القاعدة و "داعش"؟
الشيخ خالد عمران: في المجتمعات المنغلقة والمحافظة بغض النظر عن تلك المجتمعات التي تعيش تحت سيطرة "داعش" تعودت النساء على التحجب الكامل. وإذا لم يفعلن ذلك، فإنهن يجلبن لأنفسهن الضرر. وبالتالي لا يمكن للأزهر أن يقول للمرأة: "اخلعي الغطاء عن وجهك". وإلا فإن الأزهر سيكون مسئولا عن الضرر الملحق بها.
هذا يعني بأن الأزهر لا يريد بأي ثمن بأن تخلع النساء غطاء الوجه لكي لا يهاجمها عناصر "داعش" بقطع رأسها. ولكن ألا يجب على الأزهر القيام بالتوعية؟
الشيخ خالد عمران: نعم يجب علينا أخذ المبادرة وأن نشرح للناس على المستوى الثقافي بأن النقاب لباس تقليدي وليس له علاقة بالشريعة. وأن من يردد ذلك هو مخطئ.
بأي لباس توصي النساء المسلمات هنا في القاهرة، وأيضا في أوروبا؟
الشيخ خالد عمران: فيما يخص اللباس نحن لن نتدخل أبدا لإلزام شخص بشيء. هذا المبدأ موجود في القانون المصري منذ أمد بعيد. هناك مجتمعات تجبر المرأة على لبس الحجاب. وأول ما تسافر تلك المرأة مثلا إلى بلد آخر عبر الطائرة، فإنها تخلع الغطاء عن رأسها. غالبا ما يحصل هذا. بالرغم من أن ذلك محظور في الإسلام. لأن المرأة يجب عليها تغطية جسدها باستثناء الوجه واليدين. لكن نحن في الأزهر نرفض إجبار الناس على إتباع الشريعة. نحن كهيئة دينية لا يمكن لنا إجبار الناس. نحن ننظر إلى أنفسنا كمؤسسة تعليمية تعمل على توعية الناس. نحن لا نحب الإكراه، لاسيما في القضايا الخاصة. فالله هو الذي يفصل، وهو من يحاسب الناس.
أجرى المقابلة بيورن بلاشكه وسوزانه الخفيف
حقوق النشر: دويتشه فيله 2016