شبح الإخوان المسلمين المخيف
ما حدث بالأمس في تونس ويحدث اليوم في مصر هو قطيعة تاريخية بكل المقاييس. إن عصر المستبدين العرب، حكام طاعنون في السن وجماعاتهم يقترب اليوم من نهايته. تطور يمكن لا ريب مقارنته بالأحداث التي وقعت في ألمانيا لمّا سقط جدار برلين. إن ما يحدث مدعاة للفرح، رغم أن لا أحد يمكنه التكهن بما ستسفر عنه التجربة الحالية. هل سنجد أنفسنا في النهاية أمام ديمقراطية أم أمام نظام استبدادي جديد بوجه جديد؟ فلا أحد يستطيع اليوم أن يتنبأ بما ستكون عليه مصر بعد شهر، وبالأحرى بعد نصف عام، لكن رسالة المتظاهرين واضحة لا لبس فيها: نحن الشعب. وبالفعل فإن طبقات المجتمع كلها تشارك في المظاهرات، وسيكون من الصعب على الإخوان المسلمين أن يستغلوا حركة الاحتجاج هذه أيديولوجيا، فلا في تونس ولا في مصر ولا في أي مكان في العالم العربي ـ الإسلامي يطلب الناس تغيير ديكتاتور بآخر، بغض النظر عن اتجاهه السياسي، أكان إسلاميا أم غير إسلامي.
مستقبل مجهول المعالم
حين تنطلق حركة التاريخ من عقالها، فلا يستطيع أحد التنبؤ بما ستنتهي إليه. هل سيقدم العسكر في تونس ومصر وبلدان أخرى على اقتسام السلطة مع المجتمع المدني؟ هل ستتمكن تلك المجتمعات من تجاوز الذهنية القديمة القائمة على المحسوبية والفساد، تلك الذهنية المنتشرة في عموم الإدارة من أعلى الهرم وحتى أسفله؟ فكيف يمكن إذن بناء حكامة رشيدة، وتمثيل مسؤول لمصالح الشعب بعد عقود من الشطط في استعمال السلطة وعقود من الفساد؟ كيف يمكن في هذا السياق أيضا إصلاح النظام التعليمي؟ الحد من الانفجار الديمغرافي، وخلق فرص عمل جديدة وفتح آفاق أمام الشباب؟ إن التحديات والمشاكل التي تواجهها مصر اليوم كبيرة، وعلى الرغم من ذلك فإن الخطوة الأولى قد تحققت ولا يمكن إعادة عقارب الساعة إلى الخلف، لكن المدهش في هذا السياق هو التحفظ الذي أعلن عنه الساسة الأوروبيون بشأن التطورات التي شهدتها تونس وتشهدها مصر.
وبدلا من التضامن مع المتظاهرين ومع قيمهم التي لا يطالب المتظاهرون بغيرها والمتمثلة في الديمقراطية والحرية واحترام حقوق الإنسان، تجدهم يشعرون بالقلق، متعللين باحتمال انزلاق الأوضاع إلى الفوضى ومن احتمال صعود الإسلاميين إلى سدة الحكم، رغم أن الأمر ليس بهذا اليسر، فلم يكن هناك حضور البتة للإسلاميين في تونس، أما في مصر فتبدو جماعة الإخوان المسلمين، القوة الأكثر تنظيما في صفوف المعارضة. إن لذلك أسبابا تاريخية. فالجماعة احتفظت بقوتها دائما، ما أعاق إمكانية حظر أنشطتها نهائيا من طرف النظام، كما حدث في البداية مع بقية الأحزاب ومكونات المجتمع المدني. ورغم أن الجماعة محظورة، إلا أنها حاضرة كأفراد في كل مراكز الدولة. لقد أراد النظام بذلك التنفيس قليلا عن حالة الإحتقان التي كان يعيشها المجتمع.
سيطرة النظرة الفسطاطية
وفي الآن نفسه جرى النظر إلى جماعة الاخوان المسلمين كحصن منيع ضد اليسار السياسي. إن هذه الوضعية "المريحة" إلى حد ما تفسر لماذا كان من الصعوبة على الجماعة أن تدعم الانتفاضة في بلدها بشكل واضح. بل فقط لما قطعت الثورة أشواطا انضمت الجماعة اليها. إن السياسة الغربية تجاه العالم العربي ـ الإسلامي محكومة بنظرة فسطاطية، فإما دعم ديكتاتور مثل الرئيس المصري حسني مبارك أو مواجهة خطر قيام جمهورية إسلامية. لكن، وهو أمر نلحظه في كل الدول الإسلامية، فإن نمو الحركات الإسلامية تعبير عن غضب الشعب على الظروف القائمة أكثر منه رغبة في بناء دولة دينية، وحين يتوفر البديل السياسي، ستتحول الجماعات الإسلامية إلى مجموعة سياسية من بين مجموعات كثيرة. إذ سيتوجب عليها حينئد المحافظة عل قاعدتها، وهو ما لن يتسنى لها عبر تريديد شعارات دينية فقط، لأن ذلك سيقود إلى تهميشها سياسيا.
وبلغة أخرى أكثر وضوحا: إذا ما سعت الحركات الإسلامية إلى تاسيس نظام على الطريقة السعودية أو الإيرانية، فإنها ستفقد دعمها الشعبي، أما إذا اختارت االسير على النموذج التركي فلن يكون هناك سبب في الغرب للتخوف منها. وعلاوة على ذلك فإن الحركات الإسلامية لا تشكل كلا منسجما أو موحدا، وهو ما يمكن أن نقوله أيضا عن جماعة الإخوان المسلمين أيضا إذ نجد في صفوفها براغماتيين كما نجد أيديولوجيين، أما من ستكون له الغلبة في النهاية فهو أمر يرتبط في النهاية بالبيئة والشروط التي تنشط فيه الجماعة. فحماس مثلا في غزة لا تملك سببا يدفعها للجنوح إلى الإعتدال في حين يختلف الوضع في مصر بالنسبة للإخوان المسلمين.
نزع الطابع السحري عن الإسلام السياسي
إن النظرة الغربية إلى الإسلام محكومة في الأغلب بالخوف والهستيريا، وهو ما يقود إلى سياسات قصيرة النظر وتكلس في الرؤية. إن جماعة الإخوان المسلمين ليست بالحركة السياسية التي يتوجب الثقة فيها من أجل حل مشاكل مصر، أجل، لكنها أيضا ليست ورقة في يد طهران. كما أن مشاركتها في حكومة مصرية مقبلة لن يمثل نهاية للعالم. بل لربما ستساعد مشاركتها في العملية السياسية إلى دنيوتها، كما أن نجم الحركات الراديكالية أو حتى الإرهابية سيخفت في مجتمع عربي ديمقراطي، لأنها ستفقد كل دعم شعبي.
من جهة أخرى يتوجب على تونس ومصر والدول التي ستسلك نهجهما إعادة بناء مجالها السياسي، فالأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني ضعيفة للغاية ويتوجب عليها اليوم أن تبدأ من الصفر. لكنها اليوم تملك حليفا قويا: الإنترنت. إنها دول تعدمها تقاليد ديمقراطية، فمنذ 1952 لم تعرف مصر سوى ثلاثة رؤساء، أما تونس فلن تعرف سوى رئيسين منذ عام 1956، ولا ريب أن التطور نحو الديمقراطية سيعرف بعض العراقيل، بل لا يمكننا استبعاد وقوع أخطاء كبيرة، كأن يتم إعادة إنتاج البنى القديمة ذاتها وإنتاج التراتبيات التي كانت سائدة قبل الثورة في لبوس جديد، كما حدث في ورسيا حين ورثت الأوليغارشية النظام الشيوعي.
الطريق نحو السلام
أما فيما يتعلق بعملية السلام في الشرق الأوسط، فإنه لا يمكن المضي بها قدما إذا اكتفى الغرب بالدعوة إلى السلام ورفع شعار السلام، فإسرائيل لا تظهر أي استعداد حقيقي للمساهمة في تأسيس دولة فلسطينية قابلة للحياة والاستمرار. إن الأمر يستدعي ما هو أكثر من مجرد كلمات متحمسة من برلين وبروكسيل أو واشنطن من أجل تحقيق انعطافة جديدة باتجاه السلام. لكن المدهش فيما يقع هو أنه اندلعت حروب في العراق وأفغانستان ومازالت قائمة من أجل المساعدة في بناء نظام ديمقراطي، وهو ما خلف مقتل مئات الآلاف في العراق وفقدان الغرب لمصداقيته كما أنه أنفقت مليارات على هذه الحروب، وغالبا دون فائدة. ولهذا يبدو أن الطريق التونسي والمصري هو الطريق الأفضل. لكن السياسيين هنا لم يفهموا بعد حقيقة ما يحدث.
ميشائيل لودرز
ترجمة: رشيد بوطيب
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2011
قنطرة
حوار مع الباحث الألماني في حركات الإسلام السياسي لوتز روغلر:
"الغرب يبالغ في تصوير نفوذ الإخوان المسلمين بمصر"
تتحدث وسائل الإعلام الغربية عن مخاوف من تزايد نفوذ الإخوان المسلمين في الحركة الاحتجاجية المناهضة للرئيس مبارك. الباحث الألماني المتخصص في حركات الإسلام السياسي لوتز روغلر في حوار مع علي المخلافي حول هذه القضية وإشكالياتها.
الانتفاضة الشعبية في مصر
ربيع الشعوب العربية وزمن أفول الديكتاتورية
بعد أحداث تونس لم يكن هناك مراقب واحد لم يقل إن تكرار تلك الأحداث غير ممكن في مصر على الرغم من أن كل من عرف مصر وسكانها ولو بشكل سطحي يدرك أن الوقت قد حان الآن وكيف أصبح الوضع متأزماً وكيف صار الديكتاتور ممقوتاً. شتيفان فايدنر يتعرض إلى تغطية الإعلام الألماني لحركة الاحتجاجات في مصر وسيناريوهاتها المستقبلية.
الاحتجاجات في مصر
"فرصة حقيقية لقيام دولة بإرادة شعبية"
تتواصل الاحتجاجات في مصر مع وردود أنباء عن سقوط ضحايا جدد. وبالرغم من إعلان أحزاب المعارضة وقوفها مع هذه الاحتجاجات وعودة البرادعي، فإن المراقبين يتحدثون عن انتفاضة شبابية. هاني درويش استطلع آراء بعض الخبراء والناشطين.