مظلة ثقافية دولية...رسائل حضارية تصالحية

يعد "منتدى تحالف الحضارات" الذي شهدت مدينة اسطنبول أعمال دورته الثانية منصة عالمية للتأكيد على أهمية حوار الثقافات في إرساء السلم والتعايش العالمي وكذلك دور المبادرات الثقافية في تشكيل الوعي الثقافي والحضاري العالمي بعيدا عن الأحكام المسبقة والنزعة الاستعلائية. مانفريد إيول في قراءة لهذا المنتدى وأهدافه.

​​لقد تبوّأ "منتدى تحالف الحضارات" الذي تنظمه الأمم المتحدة في فترة قصيرة أعلى قائمة المبادرات العالمية العديدة لتعزيز الحوار بين الثقافات. وتكمن مهام المنتدى في مجال الشبكات المعلوماتية ومساندة المشاريع التي تساعد على التفاهم والتوفيق بين الثقافات وأيضا في مجال الوسائل الإعلامية التي تتناسب مع طبيعة هذه المهام. علاوة على ذلك يقدم المنتدى دعما في مجالات التعليم باستخدام خبراته الناجحة في التفاهم والتسامح مع التركيز في ذلك على العلاقة بين العالمين الغربي والإسلامي. وتبدأ المشاركة في المنتدى وأهدافه من المنظمات العالمية والجماهير العامة والحكومات والمجتمعات ورجال الدين حتى تصل إلى رعاية الشباب.

منظمة عالمية للحوار بين الثقافات

وبمساندة الأمم المتحدة وبمبادرة من حكومة أسبانيا وتركيا تم تشكيل مجموعة رفيعة المستوى من الخبراء لوضع برنامج عملي، وقام الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بتعيين رئيس البرتغال السابق جورج سامبايو ممثلا ساميا للمنتدى. إلى جانب مكتب سكريتارية "منتدى تحالف الحضارات" في نيويورك يتكون هيكل المشروع من مجموعة رفيعة المستوى، تجمع شخصيات مشهورة من رجال الدين والتعليم والثقافة والسياسة، بالإضافة إلى مجموعة أصدقاء المنتدى التي تزيد على مئة ممثل دولة ومنظمة وهيئة دولية.

وعلاوة على ذلك هناك منظمات مهمة مشتركة في المنتدى، مثل المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الإليسكو) والمجلس الأوروبي والاتحاد الأوروبي والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الأيسيسكو) وجامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة (اليونسكو). ويرغب "منتدى تحالف الحضارات" في إشراك المنظمات الدولية والعالمية في الحوار بين الثقافات، ولكن دون أن يصبح المنتدى عِوضا عنها. والمنتدى يرى أن مهمته تكمن في السعي إلى الوصول إلى مزيد من التفاهم والاحترام بين الثقافات ورؤية الأنشطة الواقعية بصورة أوضح من خلاله، وأن يكون مدخلا لجمع معلومات ومواد عن المنظمات الثقافية الناجحة.

شبكة من المنظمات الفاعلة

​إلى جانب سعيه للحوار بين الثقافات في المناقشات والمنظمات العالمية توجه "منتدى تحالف الحضارات" إلى المنظمات غير الحكومية والجمعيات الخيرية والمنظمات العالمية للثقافة وأيضا المجموعات المحلية والقطاع الخاص وطلب منهم المساعدة لإقامة المشاريع في مجالات عمله المركزية، مثل رعاية الشباب والإعلام والتعليم والهجرة. ولربط الجمعيات الخيرية المهمة ومشاريعها بصورة أفضل قام المنتدى بإعداد شبكة من مؤسسات المجتمع المدني لدعم تبادل الخبرات في صورة 'مراكز تنويرية عبر الانترنت' عن الإعلام والتربية والدين والأخلاق، على أن تتيح هذه الشبكة الفرصة للخبراء في أن يساهموا في تطوير التفاهم بين الثقافات ودعمها.

من مدريد إلى اسطنبول..

انطلاقا من المؤتمرات العالمية السابقة والعلاقات الشخصية نالت حكومة أسبانيا وتركيا شرف استضافة المنتدى العالمي الأول والثاني، حيث عُقد الأول عام 2008 في مدريد، والثاني عام 2009 في اسطنبول. وحضر المنتدى الثاني ما يزيد على ألف مشارك، بينهم عديد من رؤساء الحكومات وما يزيد على خمسين من رجال السياسة وممثلي منظمات عالمية وجمعيات خيرية ووسائل إعلام وكذلك أيضا ممثلي المجموعات الأساسية من جميع أنحاء العالم.

وبينما كان منتدى مدريد يركز اهتمامه على التحضير للأنشطة المتنوعة والتنسيق مع الحكومات والمؤسسات الثقافية والخبراء، كان هدف منتدى اسطنبول تحديد الهوية وإقامة مشاريع جديدة تُظهر إلى حد ما غياب إمكانيات التنفيذ. نذكر هنا على سبيل المثال المشروع الالكتروني الجديد "مقهى الحوار" الذي يربط الناس في المقهى - من خلال شاشات ذات تقنية عالية بالمُشاهِد وكأنه جالس إليهم. ومن خلال مثل هذا التفاعل التلقائي يمكن إجراء حوارات بَيْن الثقافات كما لو كان المشاركون يجلسون في المقهى نفسه ويناقشون الأسئلة التي يطرحها الناس من مختلف أنحاء العالم.

​​وخلال "منتدى تحالف الحضارات" الذي استمر يومين عُقدت – علاوة على الافتتاحيات الرسمية - ثلاث جلسات للهيئة الكاملة، إضافة إلى اثنتي عشرة جلسة عمل وست عشرة جلسة إفطار عمل. وعلى الرغم من هذا البرنامج المكثف بقي موضوع مهم دون مناقشة وكان قد خُصّص له جلسة عمل لمناقشته، ألا وهو "تطوير المرأة ودورها في نشر ثقافة السلام". هذا الموضوع طُرح للنقاش من قِبل قلة من الخبيرات أمام جمهور متواضع العدد وفي مكان صغير إلى حد ما، مع العلم بأن امرأتين كانتا مدعوتين لإلقاء كلمة على منصة الجلسة الكاملة إلى جانب العديد من الخطباء الرجال. بالنظر إلى الدور الرئيسي للمرأة في التربية والرعاية أو دورها في مساعدة الجيران في جميع المجتمعات كان من الواجب أن تحظى المساواة بين الجنسين هنا بالاهتمام.

تحدٍ للمستقبل

يود "منتدى تحالف الحضارات" أن يساهم بقوة في تحسين التعاون بين الثقافات والأديان، ومن ثَم يمكن الوقوف ضد القوى التي تحرض على الاستقطاب والتطرف. والمنتدى على وعي بأهمية احترام العديد من المبادرات الأخرى التي تعمل في حقل الحوار بين الغرب والعالم الإسلامي. وعلى الرغم من ذلك يواجه مستقبل هذه المنظمات تحديات جوهرية، الأولى منها تتعلق بالموازنة بين التكاليف والإنجازات. وبعد أن تحولت الاشتراكات المالية إلى 'صندوق التبرعات الائتماني لتحالف الحضارات' وتسببت بهذا في خلق صعوبات كبيرة من ناحية التمويل أصبح المنتدى يدقق في الموازنة بين المصاريف الإدارية والنتائج.

لقد حقق المنتدى نجاحا كبيرا، حيث حصل على مساعدات رسمية من قِبل الأعضاء والشركاء، فعلى سبيل المثال تلقى مساعدات للقيام بأنشطة إعلامية ودعم صندوق التضامن للشباب وبرنامج "سيلاتش Silatech" لتشغيل الشباب في العالم العربي. وعلى الرغم من أن هدف "منتدى تحالف الحضارات" ونظراؤه الوصول بقدر الإمكان إلى الشباب وخبراء التعليم وذوي الرأي ورجال الإعلام إلا أنه لا يزال يواجه صعوبات في مخاطبة الناس الذين يتفهمون الحوار بين الثقافات والتسامح.

ويرجع الإحباط الذي يعاني منه الناس في إبراز الاستقطاب والتطرف إلى الصراعات السياسية العميقة والتنافس على السلطة. كما يرجع أيضا إلى انتشار تصورات حول التبعية القومية والعرقية والدينية. وهناك أنماط تقليدية للتربية تبرهن على صحة ورجاحة تلك التصورات التي لا تتفق مع حقوق الإنسان العامة. وطالما أننا لانستطيع القضاء على الأسباب الحقيقية للصراعات والاضطهاد فمن الواجب علينا جمع كل القوى المتوفرة لدعم حقوق الإنسان، الشيء الذي أخذه هذا المنتدى على عاتقه.

مانفريد إيول
ترجمة: عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع: قنطرة 2009

قنطرة

حوار مع الأمير حسن بن طلال:
حوار الثقافات بدلا من "حوار القباحات"
شدد الأمير الحسن بن طلال على ضرورة بناء هيكلية للمواطنة العالمية بدلا من عولمة المادة الاستهلاكية السائدة. ناصر جبارة وبسام رزق حاورا الأمير حسن في برلين بعد حصوله على جائزة المفكر اليهودي أبراهام غايغر المرموقة تكريما لجهوده في دعم الحوار بين الثقافات والأديان.

نداء من أجل رؤية ثقافية جديدة للاتحاد الأوروبي:
نحو اتحاد أوروبي يتعدى الحضارات والثقافات والدين
لِمَ ينبغي لنا أن نكف عن الجدل حول الثقافات والديانات وما الرؤية الجديدة التي يجب على الاتحاد الأوروبي أن يسير فيها بوصفه مشروع سلام واندماج؟ في المقالة التالية يجيب عن هذه التساؤلات وغيرها أيهان كايا، أستاذ العلوم السياسية ومدير المعهد الأوروبي بجامعة بلجي في اسطنبول.

حوار مشرق
تعايش الأديان في الماضي
يدعو مارك كوهين، أستاذ في جامعة برنستن الأمريكية، المسلمين واليهود إلى إعادة اكتشاف الثقافة المشتركة التي كانت تجمعهم في العصور الوسطى. ويعرض في مقاله أسباب اختلاف تعامل المجتمع الإسلامي والمسيحي مع الأقلية اليهودية في تلك الحقبة.